لا تنبع إشكالية المنع من السفر في سوريا من مواد الدستور السوري أو من القانون بوصفها تدبير احترازي و إنما تنبع الإشكالية من استخدامها كأداة لتقييد الحق بالتنقل و ذلك بالاتكاء على قانون الطوارئ وقد شهدت هذه الإشكالية ثلاث انعطافات أساسية لم تخلو من التداخل بالمعنى العام :
– بدأ المنع من السفر يتحول إلى ظاهرة أواسط الثمانينات على اثر سنوات الدم و الرصاص 1976- 1987 بعد المواجهات الدامية بين السلطة السياسية و بين التنظيم العسكري للإخوان المسلمين و كذالك بعد حملة الاعتقالات التي طالت أعضاء الأحزاب السياسية اليسارية في نفس الفترة مثل حزب العمل الشيوعي و الحزب الشيوعي السوري – جناح رياض الترك و حزب البعث الديمقراطي . حيث شهدت هذه الفترة أكبر كمية اعتقال سياسي خارج إطار القانون في تاريخ سورية بعد الاستقلال, وقد وجد المعتقلون الذين تم الحكم عليهم أنفسهم تحت وطأة التجريد من الحقوق المدنية بعد تنفيذ مدة الأحكام وفقا للقانون , مما منعهم من إمكانية استخراج جواز سفر لفترات امتدت أحيانا لعشر سنوات بعد إتمام مدة عقوبة السجن . و الذين تم إطلاق سراحهم بعد إمضاء فترات طويلة من السجن امتدت في بعض الأحيان لسنوات عديدة بدون محاكمة وجدوا أنفسهم تحت وطأة الموافقات الأمنية لاستخراج جواز سفر أو للحصول على تأشيرة خروج. و مع نهاية فترة التسعينات كانت قد سويت أوضاع معظم هؤلاء المعتقلين.
– شهدت الفترة بين العامين 2002 و 2006 عودة ظاهرة المنع من السفر من جديد إلا أنها هذه المرة لم تكن نتيجة مرافقة للاعتقال السياسي فحسب , إنما استخدمتها الأجهزة الأمنية بشكل واسع في مواجهة نشطاء الحراك المدني والسياسي الذين انبثقوا على اثر ما اصطلح على تسميته ” ربيع دمشق ” كإجراء رقابي خارج القانون مكن الأجهزة الأمنية معرفة تحركات بعض النشطاء خارج سورية من خلال وضع بلاغات مراجعة بحقهم ” دون معرفتهم ” لدى دائرة الهجرة و الجوازات مما يعني عدم السماح للراغب في السفر الخروج من المنافذ الحدودية جميعها دون الحصول على إذن سفر يعطى عند كل سفرة على حدة من قبل الجهاز الأمني الذي قام بوضع إشارة المراجعة على الناشط لدى إدارة الهجرة و الجوازات وفي عدة حالات تم وضع أكثر من بلاغ مراجعة من قبل أكثر من جهاز على نفس الشخص و بذلك تحتم على الراغبين بالسفر المرور على الأجهزة الأمنية و تبليغها بتاريخ السفر و العودة و الجهة الداعية و سبب الدعوة , و بينما انصاع معظم النشطاء إلى هذه القواعد الأمنية الجديدة رفضت قلة قليلة هذه القواعد و فقدت أي إمكانية بالسفر.
– بين العامين 2006 و 2008 عرفت إشكالية المنع من السفر في سورية تطورين نوعي و كمي بحيث تطورت
وظيفة المنع من السفر لتشمل نواحي إضافية لم تقف عند حد الرقابة بل امتدت لتتحول إلى نوع من السياسة المنهجية بحيث أصبحت الأجهزة الأمنية تعطي إذن السفر و تمنعه بحسب الشخص و الجهة الداعية و طبيعة النشاط و مكان انعقاد النشاط و في بعض الأحيان تحول الأمر إلى نوع من الضغط و العقوبة عندما استخدم لحرمان بعض الأشخاص من إمكانية العمل أو الدراسة أو العلاج أو التواصل العائلي .
و على صعيد الكم توسعت بلاغات المراجعة ( منع السفر) في هذه الفترة لتشمل كما كبيرا جدا من النشطاء المدنيين و السياسيين في سوريا حتى أصبحت تقريبا آلية روتينية تترافق مع أول نشاط يقوم به أي شخص كان و بلغت ذروتها في شهر أيلول 2008 حيث أقدم أحد الأجهزة الأمنية على إصدار عدة قوائم موسعة ضمت أي شخص قام بأي نشاط عام سياسي أو حقوقي . و لم يشفع للكثيرين كونهم انقطعوا عن النشاط العام بشكل نهائي منذ سنوات أو حتى انتقالهم للدار الآخرة كما حدث مع الزميل عبد الكريم زعير عضو لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان الذي تم إصدار بلاغ منعه من السفر بعد وفاته بقرابة العام و نصف .
إقرأ التقرير كاملاً