تتناغم اوركسترا قوى الثامن من آذار في إبتكار آليات تعطيل عمل الحكومة اللبنانية، من المواقف التي اطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وصولا الى السياسة التي يعتمدها وزير الاتصالات شربل نحاس الذي انجز موازنة رديفة لتلك التي اعدتها وزير المال ريا الحسن واعتماده الخطابات الملتبسة داخل الحكومة وخارجها. وآخرها المطالب التي رفعها الاساتذة في وجه الحكومة تحت طائلة الامتناع عن المشاركة في تصحيح الامتحانات الرسمية، ما يضع ألآف الطلاب اللبنانيين في مهب الريح في ابتزاز مفتعل للحكومة.
المراقبون في العاصمة اللبنانية بيروت اعتبروا ان كل ما ادلى به رئيس مجلس النواب نبيه بري كان يهدف لإثارة الشكوك حول سلوك حكومات الرئيس السابق فؤاد السنيورة المالي وإتهام هذه الحكومات بصرف اموال بطريقة غير مشروعة.
واعتبر المراقبون ان بري أراد صرف الانظار عن تقاعسه في إداء واجبه كرئيس لمجلس النواب، حيث بعد إنقضاء سنة على الانتخابات النيابية الاخيرة لم يقم رئيس المجلس بالدعوة سوى الى جلسة تشريعية واحدة ما يجعل كلفة المجلس النيابي على اللبنانيين الاغلى في العالم!! مع العلم ان الرئيس بري كان اعلن عن إطلاق ورشة تشريعية عقب الانتخابات الاخيرة إلا أنه لم يلتزم بما كان وعد به.
ويضيف المراقبون ان حكومات الرئيس السنيورة اعتمدت الشفافية في الإنفاق ونشرت الارقام التي أنفقتها للاعوام السابقة على موقع وزارة المالية الالكتروني وان الرئيس بري استطاع تفكيك ارقام وزارة المالية ليثبت ان هناك إنفاقا غير مشروع بما يعني ان الرئيس السنيورة وفريقه أعلنا جهارا عن ارتكاباتهم نشرا على موقع الوزارة!!!
والرئيس بري، يقول المراقبون، يريد من خلال فتح هذا الباب على مصراعيه ليس استهداف حكومات السنيورة لأن الرد جاءه بمراجعة موقع الوزارة الالكتروني من دون حتى توجيه الاتهام لبري بإقفال المجلس النيابي لاكثر من سنتين ورفضه حتى استقبال موازنة حكومة ما بعد اتفاق الدوحة في العام الماضي وإنتحائه موقف المعارضة متجاوزا دوره كرئيس للمجلس التشريعي مؤتمن ايضا على مصالح البلاد والعباد وليس على مصلحة الفريق السياسي الذي ينتمي اليه!!!
ويشير المراقبون الى ان بري يطالب بمبالغ مالية كبيرة من اجل مشروع الزهراني إضافة الى عدم التعرض لـ”مجلس الجنوب”، ولذلك هو خاض حربا استباقية لصرف النظر عن مطالبه التي تبدو تعجيزية من ناحية الجدوى الاقتصادية اولا ومن ناحية الدور المفترض لمجلس الجنوب والغاية منه بعد إنتفاء الحاجة اليه.
على خط موازٍ، يبدو ان وزير الاتصالات شربل نحاس يحاول هو الآخر فرض نفسه وصيا على الحكومة خصوصا وزارة المال التي اعدت الموازنة. فقام بإعداد موازنة رديفة شملت جميع الوزارات ووصل به الامر الى مجلس الجنوب، الامر الذي استثار نظيره وزير الصحة محمد جواد خليفة فسأله في جلسة الامس عن الجهة التي كلفته إعداد موازنة عامة والتطاول على صلاحيات ليست من اختصاصه.
والوزير نحاس، حقيقة الامر، حجب عن خزينة الدولة عائدات وزارة الهاتف المقدرة بخمسمئة مليون دولار متذرعا بأن القانون يجيز له الاحتفاظ بالعائدات على ان يحولها الى الخزينة قبل انتهاء السنة المالية. ولكن وزير “الاصلاح والتغيير” لم يقل للبنانيين وللدولة اين اودع هذه الاموال وفي اي حساب؟ وفي موازاة ذلك يطالب نحاس وزيرة المال بعدم الاستدانة او بتحديد سقف الاستدانة من اجل المشاريع الاستثمارية التي لحظتها الموازنة، وهو في المقابل يحتفظ بالمال العام. فأين منطق شفافية الاصلاح والتغيير في سلوكيات نحاس؟
ومن بعد نحاس يأتي دور وزير الطاقة جبران باسيل الذي خرج الى العلن مطالبا بأموال لإنشاء أحد عشر سدا مائيا!
ويشير العارفون بملف السدود المائية في لبنان الى انه لا يوجد الى الآن اي دراسة تنفيذية لإنشاء سدود، بل هناك دراسات عن اماكن قد تصلح لإنشاء السدود. وهذه الدراسات غير نهائية لأن عليها ان تأخذ في الاعتبار وقوع لبنان على خط الزلازل ما يعني ضرورة التنبه الى ان اي هزة محتملة قد تتسبب بكارثة إنسانية إذا ما انهار احد السدود.
ويضيف المراقبون ان السدود والمشاريع المشابهة يتم تمويلها بواسطة القروض الميسرة وطويلة الأجل بدلا من الإنفاق من الموازنة او من خزينة الدولة نظرا لاتفاع الكلفة، وان الوزير باسيل ربما لا يكون مدركا لهذا الامر نظرا لضعف خبرته في شؤون الحكم او انه يدرك افضلية التمويل من خارج الموازنة ويحاول بدوره رمي كرات النار في ملعب الحكومة لتظهيرها بمظهر غير المبالي بمصالح الناس التي يحرص الوزير باسيل عليها اكثر من سواه.
وأخيرا لجنة الاساتذة التي تنتظر موسم الامتحانات الرسمية لتضع الحكومة امام موقف ابتزازي يقايض تصحيح الامتحانات الرسمية بإقرار زيادات على سلسلة الرتب والرواتب لا طائل للخزينة على تحملها.
الحكومة اللبنانية ردت على مطالب الاستاذة بطرح حلول ممكنة ومتاحة، لكن الغريب ان الاساتذة اصروا على موقفهم ما حمل الحكومة مجتمعة على رفض الابتزاز بكل اشكاله.
احد الوزراء طالب الاساتذة بالعمل على تفعيل أدائهم في مدارسهم وتخفيف اعباء مصاريف تدريس ابنائهم في المدارس الخاصة على نفقة الدولة، وتوجه اليهم بالقول: كيف تأكلون مما لا تتنجون وتبيعون بضاعة لا تستخدمونها، ولماذا على الدولة ان تدفع نفقات تعليم ابنائكم في المدارس الخاصة في حين انكم مسؤولون عن تنشئة أجيال في المدرسة الرسمية!
هذا غيض من فيض سلوكيات قوى الثامن من آذار في الآداء الحكومي الذي يمكن وصفه بـ”اللعب” بمصائر الناس واللجوء الى الخطاب المزدوج من افتعال ضجيج في مكان لحجب الانظار عن اطماعهم في المال العام ودأبهم في عرقلة عمل الحكومة. وخير دليل ما كان اثاره الرئيس بري من تساؤل عن إنتاجية الحكومة بعد عشرة اشهر على توليها مهامها من دون ان يسأل عن إنتاجية المجلس النيابي بعد إنقضاء سنة على انتخابه!