يبدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارة إلى الشرق الأوسط في العشرين من آذار – مارس الجاري، تشمل إسرائيل وفلسطين والأردن.
ويتزامن الموعد مع الذكرى العاشرة للحرب على العراق التي قادها جورج بوش الابن، وسيحكم التاريخ يوماً ما إذا كان أوباما رمز “القوة الناعمة” (Soft Power) قد حافظ على الزعامة العالمية لبلاده بعدما أخذت تتبدّد إثر حروب سلفه التي شنّها وفق منطق القوة الفظة (Hard Power).
منذ وصوله إلى سدّة الحكم في البيت الأبيض، أراد أوباما لنفسه التفرد والتميز عن جورج دبليو بوش وما فعله في العراق. لكن أوباما انخرط بزخم في نوع آخر من الحروب الأميركية الخارجية التي أرادها “حروباً ناعمة” سرية ذات بصمات “رشيقة”، ترتكز على نشر قوات تقليدية محدودة في الميدان وتعتمد على منهج العمليات الهجومية بواسطة طائرات من دون طيار كما حصل ويحصل في باكستان وأفغانستان والصومال واليمن، وفي ليبيا حين اتبع استراتيجية “القيادة من الخلف” أي العزوف عن إدارة العمليات القتالية بشكل مباشر وصريح وترك الأمر للحلفاء.
تحدث بوش دبليو عن الحرب ضد الارهاب ومحور الشر، وأتمّ أوباما ذلك، إذ تضاعف عدد العمليات الهجومية بطائرات من دون طيار عشر مرات منذ استلامه سدة الحكم في كانون الثاني- يناير 2009 وليساهم في إحراز نجاح مؤكد في إضعاف شوكة “القاعدة” ومصرع بن لادن.
بيد أن هذا الجانب الأكثر ابتكاراً وتجديداً في عقيدة أوباما التي تحرك مسار سياسته الخارجية واستراتيجيته العسكرية، لم يمنع المراقبين من الاعتقاد بأن ولايته الثانية ستتسم بالشروع في تطبيق تراجع استراتيجي على العديد من الأصعدة وفي بعض بؤر النزاعات.
ويندرج ذلك في سياق استخلاص دروس حربي العراق وأفغانستان. ومن المستبعد أن يقوم أي رئيس أميركي بقيادة عملية برّية لاحتلال بلد جديد في غضون عشر سنوات على الأقل، اللهم إلا إذا فرضت التطورات في شبه جزيرة كوريا أو الشرق الأوسط والخليج معادلة تلزم واشنطن التورط إن في عهد أوباما أو في عهد خلفه.
يأتي أوباما إذن إلى الشرق الأوسط وهو يواجه المخاطر المحدقة بالسلام الإقليمي من سوريا إلى الخليج. والمفارقة أن أوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام لم يُحرز إنجازات في ولايته الأولى،
بل على العكس من ذلك، فإنّ أسلوبه التراجعي واستنكافه لم يخدما في حل المعضلات الكبرى وخصوصاً من ناحية مخاطر الانتشار النووي من كوريا الشمالية إلى إيران، ناهيك عن الفشل في النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني أو في الملف السوري.
ويعتبر العديد من المتابعين أن مفهوم “القيادة من الخلف” يعني عملياً “الخروج من الباب الخلفي”، كما حدث في العراق وكما يحدث حاليا في أفغانستان. وقد تجلت هذه السياسة في سوريا، حيث تميز الأداء الأميركي بالتردد إلى حدّ إعطاء الانطباع بأن إدارة اوباما تقوم بتلزيم الملف لروسيا، تماماً كما تفعل في الملف الكوري الشمالي مع الصين.
وفي الحالتين يبدو أن الفشل سيّد الموقف حتى الآن. أما في ليبيا، فيبدو مفهوم التجديد الأوبامي في الرؤية الاستراتيجية لغوياً أكثر من كونه استراتيجياً، وكان تعرض لانتقادات كثيرة في الأوساط الأميركية المحافظة التي عايَنت تقهقر بلادها وتراجعها عن رسالتها كقوة عظمى.
لكن فريق الرئيس يعتبر أنّ واشنطن تحصد ما يقوم به الحلفاء وتشاطرهم النجاحات والخسائر ولا تهتز زعامتها، وهذا التطور في عقيدة أوباما باتجاه ابتكار نماذج أخرى لعمليات قتالية مثل الحروب المنظمة والقوات الخاصة والطائرات من دون طيار يترتّب عليها نتائج سيئة بالنسبة إلى حلفائه إذ اضطروا للتكيف مع هذه المعطيات الجديدة كما حصل مع فرنسا في مالي.
تتعدى المشكلة المفاهيم الاستراتيجية إلى ماهية ممارسة القيادة. أوباما لا يشبه ترومان المحارب في كوريا، ولا يشبه ايزنهاور أو بوش الأب في الحزم مع إسرائيل، ولا يشبه كارتر أو كلينتون في السعي إلى صناعة السلام، ولا يشبه نيكسون في صناعة التاريخ واللحظات المصيرية.
سيكون الاختبار الكبير بين أوباما ونتنياهو، ولن يكون الموضوع الفلسطيني المهمش والمغيب محوراً للتجاذب بينهما، بل سيتركز اللقاء على الملف النووي الإيراني ورغبة أوباما في تفادي التصعيد في انتظار الانتخابات الرئاسية الإيرانية والمفاوضات الدائرة قبل القيام بأي خطوة. إنه نهج “الصبر الاستراتيجي”ـ حسب تعبير ديفيد اغناتيوس ـ المتبع مع كوريا الشمالية ومع إيران والذي باء بالفشل حتى الآن.
khattarwahid@yahoo.fr
* جامعي وإعلامي لبناني
جريدة الجمهورية