يستطيع “حزب الله” أن يتوهم اكتمال انتصاره على اللبنانيين. فقد لوٌن مشهد قيادة “الحاكم باسم الولي الفقيه” بما كان ينقصه: صار لديه معاون سياسي سني برتبة رئيس حكومة إلى جانب معاون ماروني برتبة جنرال سابق ومعاون شيعي برتبة رئيس مجلس نواب، وقبلهم معاون برتبة حاج. ما يحتاج اليه حاليا، هو الوقت لهضم النصر الوهمي المشرعن، وما الكلام على العودة الى طاولة الحوار التي اغتالها إلا أحد السبل، وعنوانه الراهن لمحيطه: لا تزعجوا (نجيب) ميقاتي، وعززوا دور الجنرال. اتركوا الأول يقول ما يشاء عن المحكمة الدولية، وامنحوا الثاني كل ما يعزز شهوته الى الزعامة.
كساء الشرعية لانقلاب القمصان السود بدأ بالاستشارات المؤجلة، وتكرس بمشاركة نواب “14 آذار” في جلسات بيان وزاري، لم ينزعج أهل الانقلاب من تفنيد بنوده. والسبب بسيط: حين تناقش في التفاصيل، فإنك توافق على المبدأ. لذا كان ممتازاً ان بعضهم تخطى بيان الحكومة الى تفنيد المغزى السياسي لقيامها، ما جعل المتحدرين من اصلاب الميليشيات يعودون الى جذورهم لينهلوا من لغة الشوارع وتصرفاتها.
عملياً: شرعت قوى “14 آذار” استخدام “حزب الله” السلاح حين رفضت انقلابه في 7 ايار 2008، وقبلت باتفاق الدوحة الذي ولد من رحمه. في المرتين، حوّل الحزب الحاكم سلاح المقاومة الى سلاح ميليشيا.
لكن ذلك ليس سوى أحد أخطاء “14 آذار” في مواجهة تدمير اعلامي وسياسي ممنهج بلغ من الصفاقة حد اتهامها باغتيال قياداتها وإرفاق اتهامها بالعمالة لاسرائيل، باتهام اسرائيل نفسها باغتيال شهداء الاستقلال، في استغباء فاضح للرأي العام.
اليوم، وقد بات مشروع مصادرة الدولة ماثلا في حكومة “القمصان السود”، بات وضوح مواقف “14 آذار” ملحا، واخراجها من ضباب التحوير المتعمد في “ظهورات” الأمين العام الاشهر، ومن تحت مطرقة تشويهه توجهاتها وتحريفه رؤيتها: فوضع سلاح الحزب في اطار استراتيجية دفاعية يقودها الجيش ليس انهاء لمقاومة لبنانية في وجه اسرائيل وأي عدو آخر، بل هو قطع طريق على نمو ميليشيا داخلية عرفها اللبنانيون بوضوح في “اليوم المجيد” وفي ايام مجد مماثلة ارهبهم فيها من دون ان يظهر. ثم، أليس في رفضهم الاستراتيجية تخوين ضمني للجيش والشعب معا؟
كذلك، ليس الخلاف مع الحزب الحاكم على المحكمة الدولية، بل على العدالة، فاشتباكه مع المجتمع الدولي سابق لها، ويرقى الى مرحلة الاتجار بالرهائن الاجانب لفك تجميد الاموال الايرانية في الولايات المتحدة وقرض يوروديف لفرنسا، زمن الخميني. لذا، فالمقاطعة الدولية للبنان أو العقوبات الدولية عليه، ليست ما نتمناه، بل ما نخشاه، نتيجة جر ميليشيا 7 أيار لبنان الى مواجهة مع ماضيها الذي تسعى الى طمسه
.
تصويبات لا بد منها، يكملها أن الوطنية الحقيقية لا تكون في خدمة أطماع الآخرين وطموحاتهم الإقليمية.
راشد فايد
rached.fayed@annahar.com.lb
• كاتب لبناني
النهار