يلتزم الرئيس نبيه بري بمقتضيات التحالف مع حزب الله، كالتزامه سقف التحالف الاقليمي المعقود بخيوط الممانعة، وبشروط الحائك الإيراني. ولأن الرئيس بري ظلّ وفيّاً لهذا التحالف، رغم تقدم حليفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في قيادة هذا التحالف محلياً، ونيله الحظوة لدى الرئيس بشار الاسد. بقي على التزامه بمقتضيات هذا التحالف محاولاً الحد ّ من الخسائر المعنوية والشعبية، وإن كان الرجلان يعتبران أنّ ما في جيب الواحد منهما هو في عبّ الآخر، كما يردد الكثير من انصارهما، على ان ذلك لا يمنع ملاحظة تسليم الرئيس بري، منذ العام 2005، بعد الانسحاب السوري من لبنان، مقاليد القيادة لحليفه. وبالتالي فهو فتح الباب طوعًا أمام دخول حزب الله الى مساحات سياسية وأمنية واجتماعية كانت من مساحات همومه وطموحاته ودوره اللبناني، أو الشيعي، أو حتى الاقليمي.
فخلال السنوات الماضية ازداد نفوذ حزب الله في الدولة ومفاصلها الامنية والعسكرية، وتسلل الى نظام المحاصصة الرسمي. وفر له ذلك، الى جانب قيادته المقاومة، والدعم الايراني المادي والمعنوي، تشكيل سلطة استثنائية وممتدة على مساحة الوطن وخارجه، تتفوق على ما عداها من القوى اللبنانية في القوة والنفوذ.
هذه المواصفات كفيلة بأن تجعل صاحبها نقطة جذب واستقطاب لجزء كبير من الجمهور، وتدفع البعض الى الانتقال من موقع يتراجع نفوذه، وإن من دون أفول، الى موقع يزداد قوة وتأثيرًا في المجال العام وفي نظام المصالح داخل البلد.
هكذا بدأ الكثيرون يجدون في سلطة حزب الله جاذبية على هذا الصعيد، وضمانة لتأمين مصالحهم وحمايتها، فيما البعض بنى علاقة معه من دون أن ينتقل بالكامل الى ضفته، بل ظل محافظاً، من جهته على الأقل، على علاقة ودّ مع رئيس حركة أمل، برّي.
ظلّ الرئيس بري وفيّاً لتحالفه وأميناً على علاقة الودّ مع السيد نصرالله، وهو ما جعل الاخير يخصُّه في كثير من خطبه الجماهيرية بالثناء على التزامه وتضحياته من اجل القضية المشتركة ودوره المحوري في المقاومة وحمايتها. حتى بات ينطبق عليه القول إنّه الشريك الوفي لحزب الله وقيادته. لكن كلّ ذلك الود والشراكة لم يدفعا بري، وحركة أمل على العموم، الى الانخراط في القتال داخل سورية. وهو الخيار الذي لا يبدو ان بري مطمئنٌ اليه أو إلى نتائجه، رغم ادراكه ان هذا القتال، الذي لا يشارك فيه، لن يكون هو نفسه في منأى عن تداعياته.
شكل هذا الاختلاف في النظرة الى التدخل بالأزمة السورية، استعدادا للتمايز بين الطرفين. فتسليم الرئيس بري وتبنيه خيارات حزب الله على صعيد المقاومة على الاراضي اللبنانية لم يجعلاه في صف تدخل الحزب على الأرضي السورية.
وجه آخر للتمايز او الاستعدادات له اظهرته الاجراءات الامنية الميدانية في الضاحية الجنوبية وغيرها من المدن والبلدات الكبرى ذات الغالبية الشيعية. فالحواجز الامنية التي ظهرت في الضاحية الجنوبية اعادت نبش ذاكرة جغرافيا الحرب الشيعية في تلك المناطق، واظهرت أن بين طرفين حليفين يستشعران خطر عدوّ من خارجهما، خطوط تماس على الارض بين منطقة واخرى أو بين شارع وآخر. تلك الاجراءات الامنية عكست أيضًا حضورا لحركة امل لم يكن لها كما قبل انفجار الرويس، إذ صارت شريكا في المعادلة الامنية داخل الضاحية، وطرفاً لا يمكن تجاوزه في الخطط الامنية الميدانية. وهو حضور، وان رحب به حزب الله، إلا أنّه ترحيب يعكس بالنتيجة مظاهر ضعف موضوعي لدى الحزب في السياسة وفي شرعية الامن الحزبي التي باتت تحتاج، لحمايتها، إلى وجود حركة امل، في مظاهرها على الاقل، ان لم يكن في صلبها.
يمكن القول إنّ عودة “أمل” إلى الأرض، عشية التغيير المرتقب في سورية، يوحي بأنّ شرارة التغيير قد بدأت، وأنّ الثمن على حزب الله لن يكون قتلى وجرحى ومواقف دولية فقط. ربما هو حديث مبكّر، وربما لن تكون “أمل” الوريث الوحيد للخائبين أو الغاضبين أو الرافضين للمشاركة في الحرب السورية، لكنّها بالتأكيد أوّل الجالسين على صناديق الحساب الشعبية، والأكثر تنظيما وقدرة وشرعية لبدء عملية القضم المضادّ.
alyalamine@gmail.com
البلد