كلّما اجتمع مناصران لحركة أمل، كانت الانتخابات البلديّة ثالثهما. وكان الحديث عن الاعتراضات في القرى التي تُعَدّ معاقل لحركة أمل هو أساس هذا الحديث، إذ يبدو أن الحركة تُعاني العديد من الخلافات سبب بعضها عائلي، والآخر ضعف التنظيم
أمل تُصارع ذاتها: الكلّ يريد السلطة
ثائر غندور
ما يُسمع في القرى الجنوبيّة عن خلافات داخل حركة أمل يدفع إلى السؤال الآتي: هل تُعاني هذه الحركة التي حملت اسم «حركة المحرومين» مشكلة بنيويّة؟ الناشطون داخل حركة أمل يُحاذرون في الكلام على هذا الموضوع، «لأنه لا يُثار في الإعلام»، كما يقول أحد هؤلاء، في ظلّ تأكيد المسؤولين أن حركة أمل على خير ما يُرام، والدليل «خروج العديد من البلدات بالتزكية».
في المقابل، يرى بعض من خرج من حركة أمل، أن التزكيات حصلت في القرى حيث لا تزال الحركة تمسك بمفاصل اللعبة من خلال توظيف المناصرين، إن في الدولة أو في القطاع الخاص، فيُشيرون إلى «اللويزة بلدة هاشم حيدر، برج رحّال بلدة النائب علي خريس، برج الشمالي بلدة شريف وهبي، عدشيت بلدة رئيس المكتب السياسي في حركة أمل». لكنّ كلام هؤلاء لا يخفي أن أمل استطاعت أن تُنجز بعض التزكيات في عدد من البلدات في الساعات الأخيرة قبل إقفال باب سحب الترشيحات. لكن البلدات التي لا تزال تعيش انقساماً حركياً تُعَدّ بلدات رئيسيّة لحركة أمل.
فحتى ليل أمس، لم يكن الوزير محمد جواد خليفة قد ألّف لائحة حركة أمل في بلدته الصرفند، إذ يتمسّك خليفة بشقيقه حسين خليفة الذي يرأس البلديّة منذ 12 سنة، في ظلّ معارضةٍ حركيّة له، تتركّز داخل عائلة خليفة، «إذ يطمح كلّ واحد من هذه العائلة إلى أن يكون رئيساً للبلديّة، وخصوصاً أن أداء الرئيس الحالي لم يكن جيّداً»، يقول أحد أبناء الصرفند الأمليين، ويُضيف: «لكنّ المرشّحين ليسوا أفضل من الرئيس الحالي، هو صراع نفوذ داخل الحركة».
يتكرّر صراع النفوذ هذا والخلافات العائليّة في البيساريّة، التي يُسميها أهلها «رعيّة المصيلح الأوفى»، ويعمل العديد من أبنائها في قصر الرئيس نبيه بري في المصيلح. ففي البيساريّة بدأت اللجنة الانتخابية في حركة أمل استعدادها للانتخابات البلدية عبر التحريض على رئيس بلديتها الحالي، علي مشورب. وقد تبين أن معظم أعضاء اللجنة الانتخابية طامحون إلى التربع على كرسي الرئاسة. وتسللت الخلافات إلى العائلة الواحدة، إذ تنازع الإخوة على تمثيلها. ويقوم الصراع على الرئاسة بين عائلتي مشورب وجعفر التي تعتمد على النفوذ الذي تستمده من قيادة الحركة في قصر المصيلح المجاور حيث يعمل عدد من أبنائها.
ولما كان الحركيّون ينتظرون عودة الرئيس نبيه بري إلى المصيلح لإدارة الملف الانتخابي وتأكيد خياراتهم بعزل مشورب، خاب أملهم بعدما أصرّ بري على إبقاء مشورب، ورفض مقابلتهم عندما وفدوا للقائه عصر الأحد الفائت.
وخوفاً من المصير الذي لاقاه أقرانهم المتمردون على قرار القيادة في البلدات الأخرى، توجهوا إلى دعم المرشح المستقل علي الشامي الذي كان قد ألف لائحة من خمسة مستقلين. ووفق آخر المعلومات، فإن مصيلح يصر على تسمية مشورب، بعد اجتماع ليلي على أن تترك له الخيار لتسمية أعضاء اللائحة بالتنسيق مع اللجنة في مصيلح.
أمّا في الخرايب، المعقل الآخر لأمل، فيتكرّر المشهد على نحو مختلف، وكذلك في بلدات معركة وطورا وصريفا والقليلة وكفرحتى وفي النبطيّة وكفرتبنيت والنجاريّة وصير الغربيّة.
عند الحديث مع أعضاء حركة أمل في هذه البلدات يُمكن الخروج بسببين رئيسيين وراء هذه المشاكل:
1 ـــــ الاعتراض على التفاهم مع حزب الله في البلدات التي يرى الأمليون أنها حكر لهم، وهذا التفاهم السياسي «يُعطي حزب الله ما لم يأخذه في المعارك». ويُشير أحد المسؤولين المخضرمين في أمل إلى أن «جماهير الحركة لا يُمكن أن تقبل بسهولة التفاهم السياسي، وما نقوله من مجاملات في السياسة والإعلام في بلد المجاملات لا يُمكن أن يُترجم بسهولة على الأرض». ويُعطي أحد هؤلاء مثالاً عندما حاول أن يزور الأسير المحرر مصطفى الديراني بلدة معركة بعد خروجه من الأسر، «نزلنا إلى الشارع وأشعلنا الدواليب رفضاً لدخوله بلدة الشهيد خليل جرادي تحت شعار حزب الله».
يُضيف هؤلاء أن إعطاء حزب الله حصصاً في البلديّات راوحت بين 20 و45% من أعضاء البلديّات، سحب من حركة أمل قدرتها على المناورة عبر إرضاء عدد كبير من المناصرين والعائلات، فاشتبكت معهم.
2 ـــــ يرى عدد كبير من مسؤولي حركة أمل أن ميزة تنظيمهم هي وجوده في السلطة، وقدرته على توفير الخدمات والوظائف لمناصريه. لذلك، يرى هؤلاء المسؤولون أن بقاءه رمزاً في قريته وقدرته على أن يكون صلة الوصل بين المصيلح والقاعدة، يعتمدان على قدرته على توفير الخدمات. من هنا اشتعلت الصراعات الداخليّة في حركة أمل على أحقيّة الوصول إلى السلطة المحليّة.
انطلاقاً من هذين السببين، يتحدّث ناشطون في أمل عن أن المشكلة الحقيقيّة هي أن التنظيم الحركي يعيش حالة من الترهّل، وأن حسم أي خلاف فيه، يحتاج إلى تدخّل الرئيس نبيه بري شخصياً. وهذا النوع من الحسم يترك آثاره مع الوقت، بحيث ينتظر من وجد نفسه مغبوناً أي فرصة للردّ، وقد وجد الكثيرون في البلديّات وسيلة لذلك. ويُشير هؤلاء إلى أن قرارات الفصل والطرد، أو التهديد بها، هي جديدة على الأدبيّات الحركيّة، «وهذا دليل على حجم المأزق الذي لطالما تحدّثنا عنه دون أن يسمعنا أحد»، يقول أحد المسؤولين. يُضيف أن جزءاً آخر من المشكلة هو استمرار العديد من النواب في مواقعهم لدورات عدة، بحيث يدين هؤلاء بالولاء لبري فقط، ولا يعملون على تمتين صلاتهم بقاعدتهم الشعبيّة.
في المقابل، يرى المسؤول الإعلامي في حركة أمل، طلال حاطوم، أن الإعلام يعمد إلى تكبير مشكلة، هي في رأيه صغيرة. ويرى أن هذه الخلافات مجرد تباينات في الرأي، إضافة إلى صراعات عائليّة قديمة.
أمّا النائب هاني قبيسي، اليد اليُمنى لبري في ملف البلديات وعمليّة حلحلة العقبات التي تواجه أمل، فيُشير إلى أن في كلّ قرية تأثيرات عائليّة «على ترجمة التطبيق العملي للتحالف». ويوافق الرجل على أن التحالف مع حزب الله أثّر سلباً على قاعدته ويقول متهكماً: «يُمكن المعركة أسهل من التحالف».
يُضيف قبيسي أنه لا مشكلة مع حزب الله، بل مجرّد أن بعض «الشباب يُريدون العمل على ذوقهم، لكن لا فعاليّة لهؤلاء بالتنظيم». ويؤكّد أن لا مشكلة مع حزب الله، «ولن يكون هناك تشطيب».