في مجتمعاتنا يُعتقل من يطالب بمحاكمة من أُوقف دون حكم، و يُسجن من يعبر عن رأي حر، ويُقتل الإنسان فينا كل يوم ألف مره.
ثم تتوقعون أن لا نطالب بالتغيير؟
*
قلت مرة لصديقة قديرة في مؤتمر شاركنا فيه مؤخراً أني أكتب عادة عندما أنفعل.
فكيف اكتب إذن إذا كففت عن الانفعال؟
سؤال افتراضي في الواقع. لأن ما يحدث في مجتمعاتنا كل يوم يكفي لحرق أعصاب الإنسان، وإصابته بانهيار عصبي، لا الانفعال فحسب.
كل يوم اقرأ عدة صحف من خلال خدمة البريس ريدر على الأيباد.
ثم اعطف على مواقع إخبارية، قبل أن اتحول إلى جديد الفيس بوك والتويتر. ومع نهاية هذه الرحلة يرتفع ضغطي، واجدني اُهدأ نفسي كي لا أنفجر.
خبر اليوم الذي دفعني إلى كتابة هذه السطور هو ما نشرته الCNN بالعربية عن تصعيد الناشط السعودي المعتقل محمد البجادي لإضرابه عن الطعام الذي بدأه قبل شهر من داخل السجن بالتوقف عن شرب الماء أيضاً.
قضية رأي وحقوق إنسان لخصها إنسان شجاع بموقف سلمي. وبموقفه هذا تمكن دون كلمات من كشف النظام الحاكم السعودي وانتهاكه لأبسط معايير حقوق الإنسان.
الناشط السعودي البجادي هو من منطقة القصيم. اعتقل العام الماضي بسبب مشاركته مع أخرين في اعتصام أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالإفراج عن معتقلين سياسيين موقوفين دون محاكمة في المملكة.
لم يطالب الرجل بقلب نظام الحكم.
كل ما دعا إليه هو: إما أن تقدم السلطات هؤلاء للمحاكمة وفقاً للقانون، أو أن تطلق سراحهم.
طلب منطقي.
طلب بسيط.
لكنه أظهر الطبيعة الاستبدادية للنظام الحاكم في المملكة: تقبض على المعارضين، ثم تتركهم مسجونين دون محاكمة دون سبب لسنوات. تتركهم يتعفنون في سجون مكتظة يتناوب فيها المسجونون على النوم، بسبب ضيق المساحة.
الناشط البجادي لم يفعل اكثر مما قاله. كان شجاعاً. وقف امام وزارة الداخلية، صرح بمطلبه المنطقي، ثم دونه على صفحته في التويتر.
والنتيجة متوقعة: داهمته عناصر من الشرطة ومجموعة من رجال الاستخبارات في منزله بمدينة بريدة شمالي العاصمة الرياض، ثم صادرت كتب ووثائق من منزله ومكتبه، إلى جانب جهاز الكمبيوتر المحمول خاصته.
وها هو يقبع هو الأخر في السجن منذ العام الماضي. يخضع للملاحقة أمام محكمة سرية الطابع هي المحكمة الجنائية المتخصصة.
منظمات حقوقية عديدة وعلى رأسها منظمة العفو الدولية أثارت قضية البجادي أكثر من مرة. العفو الدولية قالت في الوقت ذاته أن السبب الوحيد لتوقيفه قد يكون تعبيره الحر عن رأيه.
الناشط البجادي لم يصمت من جديد. لجأ إلى وسيلة المهاتما غاندي، رائد مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني السلمي، فأضرب عن الطعام منذ شهر، ثم انقطع عن شرب المياه.
فرجت معدته الخاوية أرجاء المملكة.
ألا يحق لي أن أنفعل؟ أن أتألم؟
ففي مجتمعاتنا يُعتقل من يطالب بمحاكمة من أُوقف دون حكم، و يُسجن من يعبر عن رأي حر، ويُقتل الإنسان فينا كل يوم ألف مرة.
ثم تتوقعون أن لا نطالب بالتغيير؟