إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
في 9 أبريل، عقد معهد واشنطن منتدى سياسيًا افتراضيًا من جزأين، شارك فيه المحلّل التركي “سونير جاغابتاي” والجنرال الإسرائيلي (في الإحتياط)”آساف أوريون”، الرئيس السابق لقسم التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي. ما يلي هو ملخص لملاحظاتهما.
ويلفت “الشفاف” نظر القارئ العربي إلى أن ما يطرحه المحلّل التركي والجنرال الإسرائيلي هو “تشريع” حق إسرائيل في توجيه ضربات داخل سوريا ضد ما تعتبره أخطاراً أمنية على غرار ما تفعل حتى الآن في سوريا (وفي لبنان). علاوةً على اقتراح المحلل التركي بأن تشجع تركيا حكومة الشرع على الإعتراف بإسرائيل. ومن جهة أخرى، يجب ملاحظة عدم ثقة إسرائيل بأي حكومة مركزية سورية بقيادة الشرع، وتخوّف إسرائيل من النفوذ التركي في سوريا. ولهذه الأسباب، يرى المحلّل الإسرائيلي أنه يمكن التوصّل إلى ترتيبات “تكتيكية” وليس إلى اتفاقات “استراتيجية” في سوريا حالياً.
سونير جاغابتاي:
من الناحية المثالية، يجب على تركيا وإسرائيل الاعتراف بالفوائد الاستراتيجية التي يمكن أن يقدماها لبعضهما البعض. فقد نجحت إسرائيل في إضعاف “حزب الله”، أحد الحراس الرئيسيين لنظام بشار الأسد خلال الحرب الأهلية. ومع تراجع “حزب الله” في لبنان، استغلت أنقرة الفرصة لدعم “هيئة تحرير الشام” لإسقاط الأسد. في المقابل، استفادت إسرائيل من إخراج إيران من سوريا، ما أنهى عقودًا من الهيمنة الإيرانية على جبهتها الشمالية.
لكن لدى تركيا وإسرائيل رؤى مختلفة بشأن مستقبل سوريا، مدفوعة بمصالحهما الوطنية ومخاوفهما الأمنية.
على سبيل المثال ترى أنقرة أن تفكك سوريا، في السنوات الأخيرة، هو ما سمح لتنظيم “داعش” ووحدات حماية الشعب الكردية بالظهور، وهي تعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا. كما أن تركيا ما تزال تستضيف نحو 4 ملايين لاجئ سوري، وهو ما يخلق ضغوطًا داخلية من الأحزاب القومية والمعادية للمهاجرين. وإذا بدأت سوريا في الاستقرار، فقد يعود بعض هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم.
في المدى القريب، تريد أنقرة من “هيئة تحرير الشام” أن تعيد المركزية إلى سوريا وأن تحسِّن الوضع الأمني. وعلى المدى البعيد، تسعى لتحويل سوريا من جارٍ يتسبَّب بإشكالات إلى حليفٍ إقليمي. لكن إسرائيل لا تثق في “هيئة تحرير الشام”، وتخشى من إعادة المركزية السريعة لسوريا تحت قيادتها، وترى أن تحالفًا تركيًا-سوريًا طويل الأمد يمثل مصدر قلق لها.
يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورًا مهمًا في سد هذه الفجوات، خاصة إذا استغل الرئيس ترامب علاقاته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس رجب طيب أردوغان لتسهيل الحوار وحتى التهدئة. ورغم أن تركيا وإسرائيل تجنّبتا حتى الآن المواجهة العسكرية، فإن التوترات قد تتصاعد بسبب سوريا. لتعزيز التهدئة، يجب على إدارة ترامب تشجيع الطرفين على الحوار ومنع التصعيد، مع تأكيد أن الأولويات الاستراتيجية الأميركية تتركز الآن على الصين والتنافس بين القوى العظمى.
يمكن أن يتوصّل الحوار التركي ـ الإسرائيلي إلى ترتيب تفاوضي تسمح بموجبه الحكومة المركزية في دمشق لإسرائيل بأن تقوم (إسرائيل) بـ”تحييد” تهديدات محتملة لإسرائيل داخل سوريا حينما تدعو الضرورة بالتنسيق مع تركيا والولايات المتحدة.
كما تعتمد الدبلوماسية الناجحة على عدم خلط إسرائيل بين تركيا وإيران. رغم الخطابات النارية من أردوغان ضد إسرائيل خلال حرب غزة، فقد تجنب قطع العلاقات الثنائية. ويدرك أردوغان أن تركيا لا يمكن أن تكون لاعبًا إقليميًا أو عالميًا جادًا دون الانخراط مع جميع الأطراف، وأن علاقته مع ترامب تعتمد جزئيًا على علاقاته مع إسرائيل.
يمكن فهم أردوغان من خلال عدستين: العدسة الشعبوية والواقعية. فخطابه الشعبوي المعادي لإسرائيل يخدم قاعدته المحافظة ويستهدف معالجة الوضع الاقتصادي الداخلي والصراعات الثقافية. أما أردوغان الواقعي، فقد استخلص العبر من حادثة سفينة “مافي مرمرة” عام 2010: لا تقطع العلاقات مع إسرائيل. ومن هذا المنطلق، وافق على آليات أولية لتجنب التصعيد في سوريا.
كما أن استقرار سوريا يخدم المصلحة المشتركة لتركيا وإسرائيل في منع عودة إيران، وهو هدف استراتيجي أميركي. لذلك، ينبغي على ترامب أن يسهل عقد لقاء بين نتنياهو وأردوغان لتشجيع التعاون الإقليمي وتعزيز أمن الطرفين.
وعلى الرغم من أن “هيئة تحرير الشام” ليست تابعة لتركيا بشكل مباشر، فإن أنقرة تملك تأثيرًا عليها، ودمشق تدرك أن الحصول على الشرعية الدولية ورفع العقوبات يتطلب وساطة تركية. ينبغي على ترامب وأردوغان استغلال هذه النفوذ بذكاء. ويجب أن تشمل العملية أيضًا دمج الأكراد والدروز وبقية الأقليات في الحكومة المركزية الجديدة، من خلال ضمان حقهم في الترشح والمشاركة السياسية.
عندما يلتقي ترامب مع أردوغان مجددًا، يجب أن يركزوا على دفع الحكومة السورية الجديدة إلى اتخاذ خطوات مثل:
-
ضمان ألا تصبح سوريا مصدرًا لتهديدات جهادية مجددًا ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، خصوصًا إسرائيل
-
تفكيك جميع القدرات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل
-
إشراك الأقليات والنساء في الحكم
-
تطبيع العلاقات مع الدول المجاورة
وفي هذه النقطة الأخيرة، يمكن لتركيا أن تسهل اعتراف سوريا دبلوماسيًا بإسرائيل. ورغم أن ذلك سيكون إنجازًا صعبًا ويتطلب مفاوضات دقيقة حول مناطق وقف التصعيد ونطاقات النفوذ، فإن الحصول على اعتراف رسمي من دمشق سيكون خطوة كبيرة نحو تعزيز أمن إسرائيل ومكانتها في الشرق الأوسط.
آساف أوريون:
تنظر إسرائيل وتركيا إلى سوريا من زوايا مختلفة، والهدف الأهم هو منع تضارب المصالح من أن يتحول إلى صدام عسكري. يجب على المسؤولين استكشاف طرق لتحقيق تقارب في المصالح.
تنبثق السياسة الإسرائيلية الحالية على ثلاثة عناصر متناقضة أحيانًا: التهديدات الأمنية، والصدمة المؤلمة لما بعد 7 أكتوبر، والإحساس المُستَجِد بالقوة الكبيرة وبالفرصة الإقليمية. فيما يتعلق بالتهديدات، تريد إسرائيل منع التهديدات المستقبلية على حدودها وفي عمق سوريا (مثل التهديدات الجوية ونشاط الميليشيات المدعومة من إيران). وفي تقييمها للترتيبات التي تخدم مصالحها بأفضل صورة ممكنة، ولنوع الجيران الذين ترغب بهم، فإن إسرائيل تنزع لتشبيه تركيا و”هيئة تحرير الشام” بإيران ومحور المقاومة، وتحاول منع تكرار التجارب السابقة معهما.
إن إسرائيل قادرة على التعايش مع حكومة سورية مركزية، إلا أنها لا ترى هذا الاحتمال قريبًا. كخيارٍ آخر، فهي مستعدة للتعامل مع حكومة أضعف من خلال إقامة “مناطق قلق أمني”، وليس “مناطق نفوذ” سياسية، إذ إن اهتمامها وفهمها للسياسة السورية محدود.
مهما كانت النتيجة، فإن التواصل هو المفتاح لمنع التهديدات والتعامل معها عند ظهورها. ولهذا، يمكن لإسرائيل أن تسعى لتفاهمات عملية مع الحكومة السورية وتركيا للتصدي المشترك لـ”حزب الله” وإيران. وينبغي أن تشمل هذه التفاهمات قواعد واضحة للسلوك وقنوات اتصال مباشرة.
هناك حاجة أيضًا إلى أطر جديدة للترتيبات الأمنية في الجولان. فالاتفاقية الموقعة عام 1974 كانت مبنية على منطق الحرب الباردة، لمنع تكرار حرب 1973 بين جيوش نظامية. الوضع اليوم مختلف تمامًا: من حيث أنظمة المراقبة، والمديات، والعمق، والأسلحة، والقوات العسكرية.
وإضافة إلى ضرورة تجنب التصريحات الاستفزازية، ينبغي على إسرائيل وتركيا وحكومة الشرع في دمشق إتخاذ إجراءات الحؤول دون النزاع على المستوى التكتيكي. والحوار هو المفتاح لذلك، وبشكل خاص في القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل التخلص من الأسلحة الكيميائية، ومراقبة النشاط الروسي، ومنع التسلل الإيراني، وكبح تهريب الأسلحة لـ”حزب الله”. كل هذه الجهود ستكون أسهل من التوصل إلى تفاهمات على المستوى الاستراتيجي.
في الوقت الراهن، يتعرض الجيش الإسرائيلي لضغط كبير نتيجة عملياته ضد “حماس” وإيران. التعاون مع تركيا وسوريا قد يساعد (من بين أشياء أخرى) في تخفيف هذا العبء. بناءً عليه، يجب على أنقرة والقدس أن تتعاونا لحل القضايا القابلة للمعالجة، بدءًا من منع الاحتكاك التكتيكي، ومن تدهور الوضع في الميدان الجوي الحساس. ولاحقاً، يمكنهما الانتقال لاحقًا إلى تفاهمات طويلة المدى واستراتيجية.