ولمّا كان رمضان على الأبواب في هذا الصيف الحارّ، ولمّا كُنّا نتصبّب عرقًا غير مكحول خشية السّكر، فإنّنا نهيب بأصحاب القامة من القادة النشاما أن يلتئم جمعهم في حلقة جديدة من المؤتمرات لكي يخفّفوا عنّا ويزيلوا ما ارتسم على أوجهنا من جهامة…
أريد أن أكشف
عليكم سرًّا. الحقيقة أنّي اشتقت للاستماع ولمشاهدة مؤتمرات القمّة العربيّة التي تنظّمها جامعة الدول المسمّاة عربيّة أيضًا. آمل، ربّما مثل كثيرين غيري، أن لا تطول هذه الغيبة. إذ نحن جميعًا قد برّح بنا الانتظار للعودة السالمة الغانمة إلى أجواء الوحدة العربية التي تمثّلت في تلك المؤتمرات المتنقّلة بين عواصم وحواضر العرب. هل هو الحنين إلى الماضي هذا الذي يخيّم عليّ، علينا، الآن وفي هذا الأوان؟
كم كانت حياتنا العربيّة جميلة في تلك الأيّام السّالفة. نعم، كم كنّا ننتظر المداولات التي تسبق التئام تلك المؤتمرات. يبدأ التحضير لهذه القمم، فيطير ما يسمّى الأمين العام بين هذه العاصمة أو تلك، يجتمع بوزير خارجيّة هنا وهناك، ثمّ يصدر بيانًا هنا وبيانًا هناك، وسرعان ما تتلقّفها الصحافة العربيّة وسائر وسائل الإعلام المرئيّة. حقًّا، كانت أيّامنا جميلة، وقد أضحت أكثر جمالاً بسبب التطوّر التكنولوجي، وعصر الفضائيّات التي أوصلت كلّ هذا الزّخم الكلامي البلاغي العربي، بالصوت والصورة والكلمة إلى بيوت كافّة العرب من المحيط إلى الخليج.
ولمّا كانت عامّة العرب
تمرّ هذه الأيّام في أوقات عصيبة (وعلى فكرة: أيّام العرب دائمًا كانت عصيبة عجيبة)، فإنّنا نُطالب الجامعة العربيّة، وأصحاب الجلالة والفخامة والسموّ بأن يجنحوا سريعًا إلى عقد تلك المؤتمرات من جديد. فنحن، والحقّ يقال، بحاجة ماسّة إلى مثل هذه المؤتمرات، فقد كانت نوعًا من البلسم المصبوب على قلوب السامعين والمشاهدين، لكثرة ما كانت تتفتّق عن مداولات ومناوشات تشرح الصّدر لما تحتويه من فكاهة نحتاجها للتّرويح عن أنفسنا.
لا أدري إن كنت أعبّر عن رأي كثيرين، غير أنّي أصرّح هنا علنًا بأنّي أرغب جدًّا في أن ينعقد مؤتمر قمّة عربيّ جديد، وعلى جناح السرعة. فالنّفس توّاقة إلى تلك الفسحة الكوميديّة، وعلى وجه الخصوص في هذه الأيّام الصيفية الحارّة.
صحيح أنّ بعض الّذين
كانوا يدخلون روح الفكاهة للمؤتمرات قد غابوا عن الأنظار، غير أنّ أمّتنا لا ينقصها رجال مثل هؤلاء من صنف الذين يقفون بالدور لتسلّم هذه المسؤولية. ولا شكّ أنّهم سيقومون بها على أحسن وجه. صحيح أيضًا أنّ التاريخ على العموم لا يعيد نفسه، غير أنّ تاريخنا العربيّ يختلف عن سائر التواريخ، فهو يدور في حلقة مفرغة يُكرّر ذات الأساليب وذات المناحرات منذ أن ظهرنا على مسرح الأمم. إذن، فهيّا بأصحاب الجلالة والفخامة والسموّ إلى المؤتمرات. وهيّا بنا نتسمّر أمام الشاشات لنشاهد حلقة جديدة من هذا المسلسل الهزليّ.
ولمّا كان رمضان على
الأبواب في هذا الصيف الحارّ، ولمّا كُنّا نتصبّب عرقًا غير مكحول خشية السّكر، فإنّنا نهيب بأصحاب القامة من القادة النشاما أن يلتئم جمعهم في حلقة جديدة من المؤتمرات لكي يخفّفوا عنّا ويزيلوا ما ارتسم على أوجهنا من جهامة.
كما نهيب بهم هذه المرّة ألاّ يقطعوا عنّا البثّ المباشر، فيما لو خطر على بال أحد القادة خاطر، أو أراد أحد ما من أصحاب الجلالة أن يتهجّى خطابًا مكتوبًا بلغة عربية لم يسعفه علمه بفكّ حروفها أمام الكاميرات وفوق المنابر. فيا أيّها القادة، أصحاب الكرسي والتخت والوسادة! لا تخيّبوا آمالنا في هذا الموسم ولا تُطيلوا الغيبة عن مؤتمرات القمّة، فالأمّة كلّها في حال من الغمّة.
فيا إلهي،
الحاكم الفرد الصمد الأحد الجبّار، كم نحن بالانتظار لعودتكم المظفّرة إلى تلك المشاهد المصوّرة! إنّنا ننتظر على أحرّ من الجمر وعلى أمزّ من الخمر عودتكم الموقّرة للائتمار والتآمر، كما إنّنا ننشد الوصول إلى فرج بعد شدّة، وعودة ظافرة بوجبة موقّرة من الفكاهة للترويح عن النّفس بعد غياب مدّة.
أليس كذلك؟
***
نشر في: ”إيلاف“، 18 أغسطس 2012