يحيّي “الشفّاف” هذه النخبة الشيعية المتنوّرة التي أعادت تذكيرنا جميعاً، شيعة وغير شيعة، مؤمنين أو ملحدين، بأن مجتمعاتنا العربية باتت منشغلة إنشغالاً شبه تام “بالقضايا الطائفية والصراعات المذهبية”، وبأن طغيان الفكر الديني في السنوات الأخيرة بات يشكّل خطراً على حقوق الإنسان والمواطن العربي. وشكراً لهذه النخبة الشيعية المتنوّرة التي أعادت تذكيرنا بأن “السادة مواطنين لا فرق بينهم وبين الآخرين بأي شكل”، وهذا مبدأ كدنا ننساه من مبادئ الثورة الفرنسية العظيمة قبل أكثر من 200 عام.
بين أمير “القاعدة” المختبئ في كهفه، وولي أمر المسلمين صاحب “التكليف الشرعي” العابر للحدود والقارات، ومؤخّراً جنرال أخرق ينسب لنفسه صفة تمثيل “مسيحيي الشرق”، يتوجّه هذا البيان، حتى لو كان بإسم نخبة “شيعية”، إلى كل مواطن عربي يرفض التنازل عن حقوقه، ومستقبل بناته وأبنائه، لصالح سيّد أو فقيه، ويرفض مشروع الحرب الأهلية الدائمة التي يسعى بعض الفقهاء لجرّ الناس إليها.
يدعو “الشفّاف” قرّاءه بكل طوائفهم ومذاهبهم، بما فيهم الخارجين عن الطوائف والمذاهب، للتضامن مع هذا البيان بتوقيعه، وبالمشاركة بنقاش ما جاء فيه من قضايا “فقهية” واجتماعية وسياسية تهمّ الشيعة وغير الشيعة جميعاً.
بيان صادر عن مجموعة من الكتاب والناشطين من الطائفة الشيعية
نحو تصحيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي
إن المتتبع لنشاط الطائفة الشيعية الكريمة في معظم أنحاء العالم وبالخصوص في الخليج العربي يلاحظ انشغالها شبه التام بالقضايا الطائفية والصراعات المذهبية ومناوشاتها التي لا تنقضي مع أختها الطائفة السنية الكريمة، وكوننا نحن أبناء الشيعة من الجيل الجديد، ممن جبل على إمعان النظر والتفكير العميق في ما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا من نظم اجتماعية ومورثات ثقافية ودينية وما يبثه رجال الدين في المجتمع من قيم وآراء وتعاليم، مستعينين في ذلك بالثورة الإعلامية والثقافية والمعلوماتية الهائلة التي وصل إليها العالم، والتي مكنتنا من التفكير المقارن ويسرت لنا سبل الاتصال بمختلف الثقافات والمدنيات والحواضر وأتباع الأديان والمذاهب، فقد توصلنا إلى قناعة برفض الكثير من المعتقدات والأحكام الشرعية التي ننظر لها كعائق حقيقي أمام شيوع وتجسد قيم المحبة والتسامح مع إخوتنا من أبناء المذاهب الإسلامية، فضلا عن الأديان الأخرى، علاوة على تداعياتها التي بلغت الحد الذي لا يطاق من تفجير للصراعات الماضوية والمذهبية التي لا معنى لاستمرارها والانشغال بها، علاوة على آثارها الخطيرة على وحدة الأقطار العربية والطموحات النبيلة التي تنادي بوحدة المصير والحضارة والمدنية العربية الأممية الواحدة والمتعددة في نفس الوقت، ونظرا لأضرارها الفادحة على مسيرة التحضر والتمدن التي يسعى إليها عقلاء امتنا العربية ومتنوريها، وتشكيلها عائقا خطيرا أمام المستقبل المشرق الذي يسعون إليه بما يشمله من تقدم وازدهار على مختلف الأصعدة والميادين والتي في مقدمتها بناء الدول العربية الوطنية القوية المحكمة والعمل في سبيل بناء امة عربية جديدة تقوم على مبادئ العدالة والحرية والمساواة وكافة القيم والمثل والمعايير الإنسانية المعاصرة التي تمثل آخر نتاج معرفي وصلت إليه البشرية في عصرنا الراهن، فمن اجل ذلك اتفقت إراداتنا على أن نصدر هذا البيان الذي يوضح عقائدنا ومفاهيمنا وأهدافنا التي تصب في تحرير الإسلام الشيعي من الهيمنة والاستبداد والقضاء على كافة معوقات انسجام الشيعة مع أوطانهم وإخوتهم في الدين والوطن والأمة والإنسانية، وأننا نتمنى أن يوقع على هذا البيان أبناء الشيعة في كافة الدول العربية ليكون حجر الأساس لبدء عهدا جديد من العلاقة الايجابية المثمرة بين الشيعة العرب ودولهم الوطنية وإخوتهم المواطنين فيها، وامتدادهم الاممي والإنساني محليا وإقليميا وعالميا، ليكونوا قوة إنسانية وأممية ووطنية تساهم في بناء أوطانها وأمتها والبشرية جمعاء، بعيدا عن كافة سياسات التهميش والازدراء والانغلاق والطائفية والمذهبية وحمى صراعاتها التي لم تجلب سوى الكوارث على كافة الأمم والشعوب دون استثناء، ومن هذا المنطلق فإننا نعلن ما يلي:
1- نعتقد بان الله سبحانه وتعالى قد فرض علينا إخراج الخمس من فائض أموالنا، ولكن لم يوجب دفعه للفقهاء، وقد كان هذا الأمر ساريا قبل ظهور نظرية النيابة العامة للفقيه وما تفرع عنها من القول بنظرية ولاية الفقيه بجزأيها الحسبية والمطلقة، وإنها ليست سوى مجرد نظرية فقهية ذات بعد عقائدي ليست ملزمة لنا في أي من أبعادها وآثارها ونتائجها، وعلى هذا فإننا نرفض أن ندفع حق الخمس أو الزكاة أو أي واجب شرعي مالي لأي رجل دين بعنوان الولاية أو النيابة، وندعو أبناء الشيعة في كافة أنحاء المعمورة لدفع الحقوق الشرعية لمن يكفل وصولها لفقرائهم ومعوزيهم، وإنفاقها على تشييد المشاريع التي تساهم في تنمية بلادهم وتعمير أوطانهم، ونقترح إنشاء لجان اجتماعية مهمتها إنفاق عائدات الحقوق الشرعية في الصالح العام وبما يعاضد جهود مؤسسة الدولة في التنمية، وانه لمن المأساة أن تذهب الأموال للحواضر الدينية، بينما تعاني البلدان التي تخرج منها تلك الأموال من العوز والفقر والفاقة.
2- نعتقد بان نظام التقليد والمرجعية الحالي لم يظهر إلا في المائتين عاما الأخيرة فقط، وكان الناس قبلا يرجعون لأي رجل دين في مسائلهم الفقهية العبادية التقليدية من دون تخصيص، وان الفرد منا عندما يحتاج لأي حكم شرعي فيما يتصل بالأحكام العبادية المتعارف عليها كالصلاة والصيام والحج يرجع لأي رأي سديد من أقوال الفقهاء المعاصرين منهم والماضيين على حد سواء.
3- نرفض رفضا باتا قذف الخلفاء الثلاثة السابقين على الإمام علي ابن أبي طالب، إذ إن قذفهم أمر لا جدوى منه ولا خير فيه ومدعاة للفرقة والانشقاق وإشغال الألباب في قضايا لا طائل منها، ونطالب بتجاوز كافة عبارات الشتم والسباب واللعن الواردة ضدهم في التراث الشيعي وذلك باعتبارهم رموز تاريخية محترمة عند معظم المسلمين، كما ندعو إخواننا السنة إلى مثل ذلك.
4- نعتقد بان مفهوم العصمة الرائج حاليا في الوسط الشيعي تبلور في ظروف سياسية محددة وكان عبارة عن استجابة لحاجات اجتماعية وسياسية كما هو شان اغلب العقائد الدينية.
5- نعتقد بان أئمة أهل البيت هم الأولى من الأمويين والعباسيين بالخلافة، إلا أن ذلك لا يدفعنا إلى القول ببطلان كل من خالفهم في عقيدة أو فقه أو في تأسيس دولة مسلمة تقوم على تعاليم الإسلام وقيمه المتفق عليها بين مختلف المذاهب.
6- لا نعتقد بما يسمى ولاية أمر المسلمين أو النيابة عن الإمام المعصوم بأي عنوان، وولاؤنا فقط لأوطاننا وشعوبنا وامتنا.
7- نعتقد بان العلوم الدينية التي يتدارسها الشيعة منذ مئات السنوات، علوم إنسانية كغيرها من العلوم والمعارف ولا تحمل أي وجه من التقديس والعصمة، وتجري عليها السنن والنواميس والاجتهاد فيها وارد.
8- لا نعمل ببعض الأحكام الشرعية التي يقول بها الفقهاء والتي ثبت أنها تخالف كرامة الإنسان وحقوقه الأولية، وهي كثيرة منها ما يلي:
• جواز الرق وملك اليمين واستعباد البشر.
• غزو الشعوب والبلدان الأخرى بعنوان الدعوة إلى الإسلام.
• جواز الزواج من الطفلة الرضيعة والتمتع بها سائر الاستمتاعات وإرغامها بعد بلوغها على الجماع مع عدم أحقيتها في فسخ العقد.
• عدم ولاية المرأة على نفسها طوال عمرها في معظم شئون حياتها.
• عدم قتل الرجل بالمرأة إلا بدفع دية لذويه لأنها في منزلة اقل منه.
• نجاسة غير المسلم كما يفتي بذلك معظم الفقهاء.
• القول بكراهة السلام على النساء وغير المسلمين.
• قول بعض الفقهاء من المعاصرين بعدم جواز زواج المرأة الشيعية من الرجل السني.
9- لا نرى العقيدة التي تقول بان الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون باجمعه من أجل مجموعة من البشر أنبياء كانوا أو قديسين أو أوصياء، ونعتقد بان الله عز وجل خلق هذا الوجود لحكمة لا يعلمها إلا هو، وعالمنا نحن البشر جزء من العوالم التي لا يعلم أحدا عددها إلا الله.
10- نرفض تدخل الفقهاء ورجال الدين في كافة شئون الحياة تحت شعار “الإسلام دين ودولة” وندعوهم إلى عدم إقحام أنفسهم في شئون وتخصصات فقهاء العلوم الأخرى كالعلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والإدارية، وإنما يحق لهم إبداء الرأي كغيرهم من طبقات وفئات وشرائح المجتمع عبر المؤسسات الدستورية الشرعية.
11- نرفض العقيدة التي تقول أن الراد على الفقيه كالراد على الإمام، والراد على الإمام كالراد على النبي والراد على النبي كالراد على الله، وان الرد على الفقيه أمر مطلوب عندما يتجاوز حدوده ويفتي في شان عام من حق الأمة إمعان النظر فيه وتشريعه بما يوافق والمصلحة العامة التي يقدرها الحكماء والأذكياء، وليس للفقهاء إجبار شعوبهم على التقيد بحكم معين أو تشريع قانوني معين، بناء على إلزامية الحكم الشرعي والنيابة عن المعصوم، فكل ذلك لا أساس له ولا مصداقية ولا حقيقة له ولا وجود.
12- نرفض أن نعتقد ببطلان عقائد الآخرين من إخواننا المسلمين، ونعتقد بان الدين حق لكل إنسان الاعتقاد به كيفما يشاء، وندعو المسلمين كافة (سنة وشيعة) إلى عدم الانشغال بمناقشة القضايا التاريخية، ونطالبهم بالتفاعل مع قضاياهم المعاصرة والعمل من اجل مستقبل أمتهم.
13- نؤمن بان الإسلام دين الفرد والمجتمع لا دين النظام، وانه شان خاص لا شان عام بالضرورة، وندعو دولنا العربية إلى معاملة مواطنيها دون تمييز على أساس الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون أو العرق أو القبيلة، لتتمكن الأمة العربية من تجاوز السقطة الحضارية المهولة التي تعيشها والتي مصدرها الصراع المذهبي والطائفي.
14- نرفض التمييز في مجتمعاتنا بين ما يسمى بالسادة والعامة، ونعتقد بان السادة مواطنين لا فرق بينهم وبين الآخرين بأي شكل، وان الصدقات والزكوات والأخماس وغيرها من الواجبات المالية والمعنوية الفردية والجماعية تجري عليهم كما تجري على غيرهم.
15- نعتقد بان الإسلام دين يفهمه كل الناس حسب سعتهم، وان ما يدعو إليه الإسلام كدين هو ما تدعوا إليه كافة النظم والقوانين والتشريعات الإنسانية.
16- ندعو مصلحة الأوقاف الجعفرية في كافة الدول العربية إلى سن نظام رقابي محكم على الأوقاف لضمان عدم استغلالها لغير ما أوقفت لأجله.
17- ندعو مجتمعات الدول العربية إلى فرض رقابة ذاتية على التحويلات المالية لعدم استغلال أموالها من قبل المتاجرين بالدين.
18- ندعو أبناء الشيعة إلى مراجعة ممارستهم لبعض الشعائر الدينية التي يمارسونها كل عام، كالضرب على الصدور والتطيير (ضرب القامة بالسيوف) والزنجيل (ضرب الظهر بسلاسل حديدية) والزحف ما بين الروضتين، ونرى أن هذه الممارسات لا تجلب سوى تنفير المسلمين وغير المسلمين من الإسلام والتشيع، وإنها ممارسات دخيلة لم يكتبها الله علينا ولم ترد في كتاب ولا سنة.
19- نطالب الشيعة العرب بالعمل الجاد لإنشاء مؤسسات ومرجعيات دينية وطنية في كل البلدان العربية التي يتواجد فيها الشيعة، لتساهم في بناء أوطانها وترسيخ دعائم هويتها ووحدتها الوطنية وبث قيم التسامح والمحبة والإخاء ما بين أبنائها.
هذا وآخر دعوانا أن يسدد الله سبحانه وتعالى خطى امتنا إلى طريق الحرية والكرامة والعزة والوحدة والتسامح والحمد لله رب العالمين أولا وأخرا.
هذا البيان صادر عن كل من:
1- د. علي جابر سلامة.. طبيب نفسي وكاتب حقوقي (السعودية)
2- الحاج احمد المهري.. كاتب وباحث إسلامي مقيم في لندن
3- طالب المولى.. كاتب وباحث ومدير شبكة تنوير الثقافية (الكويت)
4- محمود العلي.. كاتب وباحث عراقي مقيم في لندن
5- نذير الماجد… كاتب (السعودية)
6- احمد الكاتب… كاتب وباحث عراقي مقيم في لندن
7- علي شعبان… كاتب (السعودية)
8- بلال الحسن.. كاتب ومخرج مسرحي (السعودية)
9- جعفر البحراني.. قاص وكاتب (السعودية)
10- علي إبراهيم الرمضان.. عضو منتدى حوار الثقافي (السعودية)
11- رائد قاسم.. كاتب (السعودية)
* * *
إقرأ أيضاً:
نداء إلى المتصرفين بأموال الخمس في القطيف
“سهم الإمام يجب أن يصرف.. على ما فيه خير البلاد والعباد”
{نحو تصحيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي}
اوضح حالة واحدة ومهمة هي ان اكثر الشيعم العراقيون يكرهون الايرانيون وان من يقول غير ذلك فهو مخطئ .المليشيات صناعة ايرانية روجها الاحتلال والقاعدة بعقل فارسي وتنفيذ عربي متخلف فالمتطرفون العرب هم اول الادوات التي انتجت المليشيات
{نحو تصحيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي}
العالم يواصل تقدمه العلمي و نحن لانزال نتخبط في فتاوى شيعة وسنة وكأن شعوبنا بحاجة تقسيم ماهو مقسم اصلا اعطونا حلولا للشعب المغلوب على امره في كل العالم الاسلامي وكفى اختلافا على جنس الملائكة
{نحو تصحيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي}
ن عدم التعليق على بيان تصحيحي كهذا والاكتفاء بواحد والآخر يعود لي، لهو دليل صارخ على تدهور الوضع الفكري والأخلاقي وتدنّي الوعي العربي نحو انحدار لا قرار له… الظاهر مفيش فايدة. غطّيني يا صفيّة …
{نحو تصحيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي}هذه الثورة لأشراف المسلمين العرب مفخرة سيذكرها التاريخ. أتمنى أن تسارع كلّ الطوائف سيما أهل السنة والجماعة الى أصدار بيان مماثل يخرجنا من عالم فقه القرون الوسطى ويعيد الأعتبار للأسلام ويجعل من الدين عنصر قوة وعطاء وتفاعل في أوطاننا يجمعنا مع المسيحي وعابد الشيطان وعابد الحجر والملحد والبهائي في أطار أوطاننا…. وأشكر الشفاف على تقديم البيان بهذا الشكل …كما توقعت من الأستاذ الرائع بيار .. الى صاحب التعليق قبلي: لم يقولو نرفض الميليشيات بأنواعها. نعم يا أخي. لا ضرورة. فالبيان عام. ومن السياق نفهم أنّ هؤلاء القمم يرفضون قتل الانسان لاخيه الانسان بميليشيات… قراءة المزيد ..
{نحو تصيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي}
ان المفكر والفيلسوف محمد اقبال ذكر عن صناعة الانسان للاصنام البشرية والحجرية والنفسية التي تدمر البشرية منها عبادة القبور وعرق اهل البيت والمهدي المنتظر والطواغيت والقنابل النووية والعادات والتقاليد المخالفة للشرع والمنطق فقال: تبدل في كل حال مناة … شاب بنو الدهر وهي فتاة