وضعت مصادر امنية واسعة الاطلاع عمليات الخطف المتنامية في بعض المناطق اللبنانية، وخاصة في محافظة البقاع، ضمن اطار مخطط “ذكي” صاغته اجهزة مخابرات النظام السوري كورقة “رابحة” من الاوراق التي انتشلها من جيبه حتى الان لاثارة حال من عدم الاستقرار على مستوى امن المواطن، وبالتحديد اصحاب رؤوس الاموال والمغتربين، تسير في موازاة اعتداءاته على السيادة اللبنانية بين الحين والاخر.
وتلفت الى خيوط باتت في حوزة مراجع أمنية لبنانية معنية بمتابعة ملف يصنف بأنه “الاخطر” على مستوى العبث بالاستقرار الوطني، ولربما شكل في أمكنة ديمغرافية محددة او مختارة، مقدمة ذات ابعاد مذهبية لا يعرف قرار لها. وتكشف التحقيقات المتعلقة بغير عملية خطف ان معظم “المجموعات” المنفذة سبق و “مرّت” بعلاقات ذات ابعاد استخبارية مع المخابرات العسكرية السورية اثناء امساكها بلبنان. ولم تنقطع هذه العلاقة حتى بعد خروجها من لبنان في اعقاب اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري عام 2005.
وتشير مصادر واسعة الاطلاع الى تركيبة معقدة للمجموعات المتخصصة بالخطف، بحيث يصعب الربط فيما بينها على المستوى الميداني، لان “المشغّل”، أدهى من ان يسقط في هذا المطب الامني! وهو يمسك بكل مجموعة على حدة، بواسطة أفراد مدربين وموثوقين، لهم تاريخ غير نظيف من الناحية القانونية، وذلك تحسبا لانكشاف اي خيط يودي الى معرفة “المشغّل” الاساس! اي ان اي انكشاف يدفع ثمنه المسؤول عن تحريك هذه المجموعة او تلك لسهولة اغراقه قانونيا بملفاته السابقة، وتاليا الصاق نتائج اي عملية به، الامر الذي يقطع اي خيط يوصل الى الاستخبارات السورية، على اساس ان من ينفذ تلك العمليات هم من “الزعران” واصحاب السوابق.
والادهى في عمل المجموعات المذكورة، تتابع المصادر، انها تعتمد في اختيار اهدافها على ارشيف أمني دقيق يرجع الى عقد من الزمن وربما اكثر! فضلا عن توفر امكانات حديثة تتيح لها متابعة كل جديد بشأن الهدف اسواء بالنسبة الى تحركاته، او اوضاعة العائلية والمادية وعلاقاته الشخصية، ما يعني ان هناك جهازاً محترفاً يتمتع بامكانات هائلة يوصل ما يريد من معلومات الى المجموعات الجاهزة بواسطة الشخص المكلف. وهذا العامل، “الجهاز المحترف”، قادر على توجيه مجموعات الخطف الى أي اتجاه يريد، وبما يناسب التوجهات العامة للنظام السوري ـ بمعنى اقتناص هدف من طائفة او مذهب معين واثارة ما يمكن اثارته حول العملية والتحكم بتفاصيلها وصولا الى اشعال “مشكل كبير” اذا ما اراد ذلك. لأن ما حدث حتى الان على صعيد عمليات الخطف ليس سوى “بروفات” تنتظر لحظة صدور قرار من النظام السوري بتوسيع دائرة الانفجارات المتنقلة!
وماذا عن دور حلفاء النظام السوري؟
يجيب المصدر عينه ان نظاماً مثل النظام السوري احترف الامن، داخليا وخارجيا، ونفذ وينفذ منذ عقود اربعة صفقات أمنية لافراد ودول عربية واجنبية، ليس غبيا الى درجة اقحام حلفائه بشكل مباشر في مثل هذه العمليات. فالمخطط يهدف الى توسيع دائرة الفلتان الامني وزيادة عدد الملفات المرتبطة بهذا المخطط، لاثارة رأي عام محلي وعربي ودولي يقول بتفشي ظاهرة الارهاب والفوضى في لبنان، وانعكاسه على الداخل السوري، ولاظهار ان خروجه من لبنان ادخل لبنان بمتاهات امنية ذات اوجه مختلفة! اما الحلفاء، فان اداءهم السياسي والاقتصادي يتقاطع مع المسار العام للمخطط، وبالتالي لهم دور مستقبلي يقومون به عند الحاجة وبشكل مباشر! أما في هذه المرحلة، فالمطلوب اضفاء “البراءة” على دور حزب الله وحلفائه. فالفوضى تدب في معظم المناطق اللبنانية، فلماذا اللعب بورقة لم يحن اوانها بعد؟
خطف الأستونيين السبعة: خيط للمخابرات السورية
وتورد المصادر امثلة كثيرة عن عمليات خطف تفضح الدور السوري. ومنها عملية اختطاف الاستونيين السبعة العام المنصرم، حيث اتحفنا النظام بكرمه الزائد! فسلّم السلطات اللبنانية بعض المشاركين في مرحلة ما بعد تسليم المخطوفين، واتبعها بخطوة مماثلة منذ فترة وجيزة، ما يدفع الى السؤال: هل منفذو العملية كانوا بهذا الغباء للاحتماء في سوريا؟ أم ان المخطط في حينه رسم وأريدَ له ان ينتهي على ما انتهى اليه؟ ويجيب عن تساؤله بالاشارة الى ان المنفذين لم يخرجوا عن الاطار المرسوم للعملية بحسب الروايات والوقائع المتتالية، وتوجهوا بالمخطوفين الى حيث الامان الذي يعتقدون! وكانوا ينفذون أوامر صريحه وواضحة، كانوا بالتاكيد مطمئنين الى مصدرها!
خطف رجال أعمال ورجال دين
وتذكّر المصادر بعمليات اخرى احاط بها غموض واسع واثارت فوضى واسعة ايضا، شملت اختطاف رجال اعمال ومغتربين وشخصيات روحية وغير ذلك كانت تجرى تحت عنوان واحد ملتبس، “فدية مالية”، وتنتهي بتحقيق الهدف – الملهاة – واحيانا من دونه، وفي حالات كثيرة، تُقحم في المفاوضات بشأنها بشخصيات لبنانية وازنة، بينما اصحاب المخطط يراقبون من عيد!
وعمليات خطف ضد رجال الأعمال السوريين الهاربين من دمشق
وأكثر من ذلك، تتابع المصادر،: عند كل عملية اختطاف، يضج الشارع بأسئلة لافتة عن مذهب الخاطف والمخطوف! وهي لازمة تتكرر وعلى نطاق واسع ما يوحي بان هناك “ماكينة” مستنفرة وجاهزة للقيام بمواكبة اي عملية خطف مستقبلية يراد لها ان تأخذ منحى طائفياً او مذهبياً. ويلفت الى ان ادارة هذا الملف لا تشمل الشارع اللبناني فحسب، بل طالت الشارع السوري بعد ثلاثة اشهر من تفجر الثورة السورية، حيث تنامت عمليات خطف رجال اعمال سوريين فروا بأموالهم من بطش النظام السوري الى لبنان. وهذه العمليات نفذتها مجموعات لبنانية – سورية مشتركة، وكان الهدف منها بعث رسالة الى المتمولين السورين تقول بأن امنهم الشخصي والاقتصادي في سوريا فقط، ومن يريد المغامرة , فليذهب الى “حضن” مجموعات الخطف الجاهزة في لبنان.
وعلى الرغم من انتقال “عدوى” الخطف المنظم الى بعض الافراد في البقاع والضاحية على خلفيات عائلية او ثأرية، فان المراجع الامنية اللبنانية قادرة على التمييز فيما بين المشكلتين.
عائلات وعشائر “دخلت على خط” الخطف!
انما الامر الذي لم يكن في حسبان النظام السوري هو ان حال الفوضى المنظمة التي ارادها الى حين افلتت من يده في مناطق محسوبة على حلفائه وبخاصة حزب الله! فالغطاء والحماية الامنية وحتى القانونية الموفرة للمجموعات الممسوكة من المخابرات السورية تتموضع بغالبيتها في المربعات الامنية الحزب إلهية، و لا تخضع لسلطته. هذه الحماية شجعت آخرين لا علاقة لهم بالمخطط الاساس، ما انتج فوضى عارمة تضج بها الضاحية الجنوبية وبعض مناطق بعلبك – الهرمل، بحيث ادخلت حزب الله في ازمة لا يعرف لها قرار، خاصة وان افراد تلك المجموعات صاحبة “النية الطيبة” تنتمي الى عشائر وعائلات كبيرة لا تسمح لحزب الله وغيره بالتطاول على افرادها، حتى ان بعضهم “مش شايف حزب الله”! ورغم هذا المأزق المتاتي من المشروع السوري، فان قيادة حزب الله ممنوع عليها مراجعة القيادة السورية بشأن العمليات المنظمة، وشرح ما رتبته من خسائر غير عادية!
أما بشأن المجموعات التي دخلت على الخط، فعلى حزب الله ان “ينزع شوكه بيده”، لان هموم النظام المتهاوي اهم واكبر بكثير، وقد تبلغ به الازمة في مرحلة ما إلى اشعال كل الاوراق المتاحة بين يديه!
فهل يتعظ حزب الله؟