رجال أمن مصريون يقفون على نقطة تفتيش في العريش بشمال سيناء يوم 31 يناير كانون الثاني 2015 – رويتررز
ال
القاهرة (رويترز) – هو عدد محدود وإن كان في غاية الخطورة من ضباط الجيش المصري السابقين الذين انضموا لصفوف الجماعات الإسلامية المتشددة الأمر الذي يضفي تعقيدات على جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي في التصدي للتطرف الذي يرى فيه خطرا على وجود الدولة.
وقد تزايدت المخاطر بفعل انضمام هؤلاء الرجال لحركة التمرد التي سقط فيها مئات القتلى من رجال القوات المسلحة والشرطة منذ أطاح الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي عام 2013.
ويتمثل خطر هؤلاء الضباط السابقين في معرفتهم بالجيش المصري أكبر جيوش العالم العربي وفي ما يقدمونه للمتشددين من تدريب وتوجيه استراتيجي بل وتنفيذ عمليات انتحارية تستهدف مسؤولي الدولة.
وقال خليل العناني الأستاذ المشارك في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز إنه منذ عزل مرسي انضم بعض الضباط السابقين إلى جماعة أنصار بيت المقدس الإسلامية وشاركوا بالتخطيط والتنفيذ في هجمات على الجيش المصري وعلى منشآت أخرى لا سيما في سيناء.
وقال العناني “لا يمكن أن نتحدث عن هروب واسع النطاق أو اتجاه عام باتجاه التطرف. نحن نتحدث عن حالات فردية يمكن أن يهرب أصحابها ويجدون ملاذا آمنا في سيناء. ومع ذلك فالهجمات مميتة وباهظة.”
والسيسي على علم تام بخطر الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية إذ أنه كان قائدا عاما للقوات المسلحة ومديرا للمخابرات العسكرية.
* رقابة لصيقة
وكانت خلية متطرفة من ضابطي الجيش عبود الزمر وخالد الإسلامبولي اغتالت الرئيس أنور السادات عام 1981. وبعد سنوات أصبح ضابط الجيش المصري السابق سيف العدل يشغل واحدا من أعلى المراكز القيادية في تنظيم القاعدة.
وقال مسؤول رفيع بالجيش المصري لرويترز إن الهروب من الخدمة ليس ظاهرة. وأضاف “من المنطقي والطبيعي أن نتابع كل فكر منحرف. فأي قوات مسلحة يجب أن تكون أفكارها سوية وعندها ولاء. ونحن نأخذ كل الإجراءات الضرورية … النسبة لا تذكر. يمكنك أن تعدهم على أصابع اليد الواحدة.”
وقال مصدر عسكري مصري إن الجيش به وحدة تتابع أي فرد يشتبه أن عنده ميلا للأفكار المتطرفة.
وأضاف “نعم هناك أفراد من أعضاء القوات المسلحة نكتشف أن لديهم أفكارا دينية متطرفة لكن أعدادهم قليلة جدا.. ربما اثنان أو ثلاثة في دفعة من 2000 فرد.”
ويحاكم أكثر من 200 شخص من بينهم عدد قليل من ضباط الجيش والشرطة السابقين بتهمة الانضمام إلى جماعة أنصار بيت المقدس.
وسمحت الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بحكم حسني مبارك عام 2011 للمتشددين بتأسيس معقل لهم في شبه جزيرة سيناء.
ومن الأمثلة البارزة على اعتناق أحد أفراد القوات المسلحة للفكر الجهادي هشام العشماوي ضابط القوات الخاصة بالجيش. فهو لم يكن يتكلم في السياسة قط بل ونادرا ما كان يؤدي الصلاة جهرا. وفي يوم من الأيام وبخ قاريء القرآن في المسجد المحلي لأنه أخطأ في التلاوة.
وكان هذا مؤشرا مبكرا على أن العشماوي سيأخذ المسار المتشدد الذي مازال يثير انزعاج السلطات المصرية بعد عشرات السنين من اغتيال السادات بوابل من الرصاص.
وأمثال العشماوي الهارب يخلقون مشاكل بصفة خاصة لمصر التي تبذل جهودا كبيرة لاحتواء خطر المتشددين في سيناء وخطرهم القادم من جهة الغرب في ليبيا.
ولم يشك جيران العشماوي في حي مدينة نصر بالقاهرة – وهو من الأحياء التي يسكن فيها عدد كبير من ضباط الجيش – أن جارهم قد يصبح على رأس قائمة المطلوبين في مصر.
وقال الشيخ حمدي الواعظ في مسجد صغير والذي كان العشماوي يسكن شقة فوق شقته “كان يبدو عليه أنه يكرس حياته بالكامل لعمله في الجيش.”
وفي مقطع فيديو أعدته وزارة الداخلية وناشدت فيه الناس تقديم أي معلومات تؤدي للقبض عليه ظهر العشماوي حليق الذقن في منتصف الثلاثينات من العمر ولم تظهر عليه أي من المظاهر التي تبدو على المتشددين.
* من صفوف الجيش إلى صفوف الجهاد
كانت المؤشرات توحي بأن العشماوي تنتظره مسيرة واعدة في القوات المسلحة. ففي عام 1996 اختير للانضمام لوحدة القوات الخاصة المعروفة باسم الصاعقة. غير أنه أثار الشبهات بعد أربع سنوات عندما بدأ يتحدث في السياسة والدين.
وقالت مصادر بجهاز الأمن الوطني الذي يجمع تحريات عن أعضاء جماعة أنصار بيت المقدس إن العشماوي نقل في البداية إلى أعمال إدارية ثم قدم لمحاكمة عسكرية بعد أن شوهد يجتمع بعدد من الضباط ويحدثهم في الدين ويحرضهم على عدم الانصياع لأوامر قيادات الجيش.
كما أضافت المصادر أنه تم ضبط كتب دينية تؤيد الفكر الجهادي كان يوزعها على المجندين في الجيش سرا. ثم طرد من الجيش بحكم عسكري في عام 2007.
وبعد ذلك عمل بالتجارة والاستيراد والتصدير لكن الأفكار الجهادية ظلت تلازمه.
وقالت المصادر الأمنية إن العشماوي كان يلتقي مع عدد من الأفراد ممن يعتنقون الفكر الجهادي بمسجد في حي المطرية في القاهرة قبل أن ينتقل إلى مدينة نصر ويستغل مسجدا بناه والده هناك في لقاء أصدقائه. ثم بدأ يجتمع مع عدد من ضباط الجيش.
وكوّن العشماوي خلية ضمن جماعة أنصار بيت المقدس تخصصت في تدريب أعضاء التنظيم على الأعمال القتالية. ويشرف العشماوي مع ضابط سابق آخر بالجيش على لجنة التدريب العسكري بالتنظيم.
وقالت المصادر إنه سافر في ربيع 2013 إلى سوريا حيث يقاتل متشددون الحكومة.
وطبقا لتحريات الأمن الوطني التي اطلعت عليها رويترز فإن “تلك الخلية من أخطر العناصر الإرهابية المشتبه بها في التخطيط لتنفيذ حادث العريش الإرهابي.”
وفي ذلك الهجوم الذي وقع في العريش في أكتوبر تشرين الأول الماضي سقط 33 من رجال قوات الأمن قتلى في واحد من أسوأ الهجمات.
* النار بالنار
ويدرك تنظيم أنصار بيت المقدس قيمة ما يحققه انضمام ضباط سابقين بالجيش إلى صفوفه من دعاية.
وفي مقطع فيديو سجل قبل هجوم انتحاري حاول فيه الضابط وليد بدر اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم ظهر بزيه العسكري وراح يفند أسباب مقاتلة الجيش.
ويصور هذا المقطع الجيش على أنه قوة تقهر الشعب والسيسي عدوا.
وقال وليد في هذا التسجيل “لقد أعلن الجيش المصري الحرب على ديننا فقتل الكثير من المسلمين وأسر الكثير واعتدى على بيوت الله…لماذا تستحون من المواجهة المسلحة. فمن الناحية العقلية لابد من مواجهة الحديد بالحديد والنار بالنار.”
وقد أبدى وليد ميولا إسلامية في أوائل حياته ومثل أمام محكمة عسكرية ثلاث مرات وسرح من الخدمة في عام 2005 رغم تحذيرات متكررة من والده.
وقال شقيقه الأصغر أحمد إن وليد سافر إلى السعودية لأنه “كان ناقما على البلد هنا وحجم الفساد الكبير”. وفي عام 2010 ظهر من جديد في القاهرة “يرتدي جلبابا ولحيته طويلة على الرغم من أنه لم يعتد ذلك. وأبلغنا أنه سافر إلى قطر من أجل العمل ثم عاد إلى السعودية مرة أخرى.”
وعاد بدر إلى القاهرة في عام 2012 وقد شجعه انتخاب مرسي أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين رئيسا للبلاد.
وقال أحمد “لم يكن عضوا في الإخوان ولكنه كان يراهم بداية لتحقيق الدولة الإسلامية في مصر.”
وبعد الإطاحة بمرسي في أعقاب احتجاجات شعبية واسعة على حكمه وحملة شديدة الصرامة على الإسلاميين اختفى وليد لفترات طويلة وظهر مرتين. وقال لأسرته في المرة الأخيرة إنه سيسافر إلى سوريا للانضمام للمعارضة الإسلامية.
وقال أحمد إن أخبار وليد انقطعت بعد ذلك “حتى فوجئنا بأجهزة الأمن تحضر إلى المنزل وتلقي القبض على والدي وعرفنا بعد ذلك أن وليد فجر نفسه في حادث وزير الداخلية.”
وبعد اغتيال السادات شنت الدولة حملة على المتشددين فسجنت البعض وحكمت بالإعدام على البعض الآخر. وحال ذلك دون سيطرة الإسلاميين المتطرفين على الحكم. لكن الخطر مازال قائما.
ويروي أحد المحامين المصريين الذين يدافعون عن أكثر من 200 شخص متهمين بالانضمام لجماعة أنصار بيت المقدس كيف سأل القاضي أحد الرجال عن سبب تحديقه فيه.
ويقول المحامي إن الرد كان “أدرس ملامح وجهك حتى أستطيع نقلها للناس في الخارج.”