لا أستطيع ان انأى بنفسي عن الأحدات في السعودية، برغم اغترابي عنها سنين. لا يسعني الا التفاعل مع قضاياها وأخبارها. اقول هذا في معرض المستجدات الداخلية و السجالات الدائرة بعد كلمة الشثري التي تحمل تبعتها بخسارته لمنصبه.
لا تعاطف لي مع الشثري على فقده مركزه. لقد فعل الرئيس ما بدا له جراء خلاف بينه و بين مرؤوسه لانتقاده اياه علنا في قضية هامة.
ليس الشثري بالضحية ولا المظلوم المستضعف ولم يصدع بحق ولم ينصر دينا. وهو وإن كان قد عبر عن رأيه، فإنه قد أخطأ في جعلها كلمة عامة علنية ولم يحادث فيها الملك وهو الذي لا يعييه الوصول اليه بسبب مركزه.
.
إن كل المصادرالتاريخية تشير الى مشاركة المرأة حياة الرجل في عصر الرسول، ولم يتغير ذلك حتى عصور متأخرة. كانت المرأة كائنا قائما بذاته بكيانه واحترامه واستقلاليته في المعاملات وغيرها.
ليس الشثري بالعالم في مجال البيولوجيا ولا الطب حتى يطالب بهيئآت شرعية تشرف على ما لا علم لها به!! ولا أفهم هوس بعض الأشخاص بالهيئات الشرعية لمراقبة كل شئ.
السعودية دولة كغيرها. ليس لها خصوصية بشرية تفوق خصوصيات باقي البشر. فالناس كالناس، وإن إختلفت ثقافاتهم. مطالب الناس واحدة، وإن اختلفت تفاصيل المطالبة بتلك الحقوق ودرجاتها. فليست المرأة في السعودية اقل من غيرها، ولا الرجل فيها أخبث من غيره من رجال العالم. إن حكاية الفتنة هذه آن لها ان تمحى من الأذهان.
لو اصغى ملوك السعودية الأوائل لتعنت مشايخ زمانهم، الى أين كان الحال يؤول!
لا الإذاعة كانت ستؤسس، ولا التلفزيون. ولا كانت السيارات ستدخل البلد. و لم يكونوا ليسمحوا بأدوات التصوير الفتوغرافي، ولا كان تعليم البنات في المدارس سيتم، ولا كنّ سيدخلن الجامعات فيما بعد، ولا كن زاولن الأعمال التي يزاولنها في هذه الأيام، على قلّتها.
وكل ذلك كان محرما شرعا ومستنبطاً من بطون الكتب ومرتكزاً إلى حديث مشايخ ذلك الزمان وجل همومهم. فكيف اصبح بقدرة قادر كل ذلك حلالا شرعا ومطلبا دينيا و يستدل بالكتاب و السنّة على فرضية تعليم البنات وقد كانو يستدلون قبلها بعكس ذلك؟ لا ننسى كذلك الإذاعة والتلفاز اللذين كانا محرمين من قبل، وأصبح المشايخ اليوم دائمي الظهور في قنواتهما.
إن أكثر هم المشايخ منصبّ على المرأة. فهي عورة وفتنة ومثلبة من مثالب المجتمع. ويكثرون الكلام عن ان المرأة المسلمة المنقّبة او المحجبة المنعزلة عن الرجال يمكن لها التقدم و المشاركة الفعالة العالمية و لإسهام في تطوير العالم الذي نعيش فيه!
أين هن هؤلاء النسوة؟ ولم لا نسمع بهن ولا بإنجازاتهن؟
ان مهازل الكلام التى نسمعها يوميا مثل ما طرحه الشثري مرفوض كليا. من أذن له ان يستسخف بنات المسلمين ويقلل من شأنهن كأنهن دمى؟ أيظن أن الجامعة مركز فتنة وفسوق؟ هل زار جامعات العالم و رأى كيف يعمل الرجل الى جانب المرأة؟
كيف سمح لنفسه، وكيف يسمح له المهللون، بتلك الإهانات والإتهامات الضمنية التي وجهها الى المجتمع السعودي كله بشقيه، ذكورا وإناثا، بعدم العفة وقلة الشرف و المروءة.
أيظن أن الرجل في الإمارات يمشي يترصد المرأة في الشارع ليتسلى بواحدة في الظهر وبأخرى في المساء؟ هل الرجل في عُمان فاسق والمرأة منحرفة ؟لماذا يتخيلون ان السعودية ستقع في بحر من الفتن لم تقع فيه باقي دول الخليج؟
لم لا يفتح المشايخ اعينهم ليروا العالم على حقيقته، لا العالم المتخيل الموجود في أذهانهم.
لقد نشأتُ في السعودية وحُمِّلت -بضم الحاء و تشديد الميم- همّا قبل سفري للدراسة في الخارج، هم فتنة النساء و كيدهن، بدءا بإمام المسجد الى الأصحاب وغيرهم كثير اسمعوني كلاما لا يستقيم ولا معنى له.
الى ان سافرت و تغرّبت و عشت وحيدا في شقتي مباحا لي كل ما أريده، فما وجدت مما يقولون شئاً. عملت مع متدينات وغير متدينات، مع منقبات وسافرات فلا بدا منهن ولا مني ما يسئ الى المروءة ولا ما يخدش الحياء. ولم يكن حالي هذا بدعا من بين باقي الطلاب، بل كان أكثر المبتعثين مثل ذلك.
من كانت له علاقات غرامية، لم تكن تلك العلاقة طارئا ولم تكن تحت ضغط الإغراء ولا من كيد النساء. بل كانت إختيارا شخصيا لم يعدم مثله عندما كان في السعودية قبل سفره، وهذا مشاهَد ولا ينكره الا معاند.
كيف يعمل السعودي خارج وطنه بلا مشاكل مع الجنس الآخر ولكنه ما أن يعود حتى تتبدل الموازين و المفاهيم؟
قرأت هذا الأسبوع تعليقات من قالوا ماذا أفاد الإختلاط -تلك الكلمة البغيضة- مصر و سوريا و لبنان؟ هل هم في مصاف الدولة المتقدمة علميا؟
ان من يريد تبسيط الأمور إلى هذه الدرجة من السخف فليفعل، ولن نحتاج الرد عليه. لكن المشاهَد ان علاقة الجنسين في هذه البلدان أكثر طبيعية و صحية من مثيلتها في السعودية، حيث التوجس وانعدام الثقة والريبة والنظرة الدونية الى المرأة في أكثر فئات المجتمع.
هل رجال السعودية ذئاب لا يملكون لجم شهواتهم و نزواتهم؟ أكل إمرأة يراها الرجل سيرمي عليها شباكه؟ هل ستهش المرأة وتبش لكل من صادفها في الجامعة؟ هل ستقع فريسة نزوات وشهوات كل رجل صبّحها بالخير؟
هل المرأة مسلوبة الإرادة و الهمة و الأخلاق، فلا تستطيع دفاعا عن نفسها ولا ردا لمعاكس أو مشاكس؟
يا جماعة ارحمونا لوجه الله و أقلعوا عن هذه الخزعبلات. من كانت أمه عورة فأنا أمي ليست بعورة – العورة من العور وهو انتقاص من شيء و عيب فيه او نقص-! ومن كانت زوجته عاراً فزوجتي ترفع الراس! ومن كانت أخته دونه ولا يأمنها على شرفه، فأنا أختي ندّي و تشرفني في كل ما تفعله.
و كفاية كدا اللعب بالعقول و الإستخفاف بالناس وتوجيه الإتهامات الى المجتمع ضمنا او صراحة.
ليس رجال الدين اليوم بحراس الله على أرضه، وليسوا ورثة انبيائه بوضعهم الحالي. كل هذا انقضى مع جيل من المشايخ المتنورين الذين عرفوا مصالح المجتمع وقادوه الى التجديد والتقدم مع الحفاظ على الأخلاق و الهوية الدينية. كانو أكثر وعيا وفهما من بعض حافظي المتون ممن لا يعملون فكرا ولا عقلا و يتوجسون من كل شئ و كل إنسان.
من أراد نصرة الحق فليتكلم عن الرشاوي و المظالم، عن نهب المال العام و إغتصاب اراض من لا يملكون دفعا عن انفسهم ضد بعض أكابر القوم. لماذا كل الحديث عن المرأة؟ ألأن المرأة مقدور عليها؟ ألأن هؤلاء الأكابر لهم جاه و سطوة، ام لأن عاقبة الكلام شديدة ولا يصبح صاحبها بطلا وفارسا ومجاهدا في سبيل الدين؟
لما لا يتطرقون الى العنف الأسري و المشاكل الزوجية والعلاقات المشوشة بين الرجل وزوجته في بعض شرائح المجتمع؟
لماذا لا يشن المتدينون وجمهرة المشايخ الحملات تلو الحملات ضد الظلم الواقع على العمالة المستقدمة من جنوب غرب آسيا، أو الوافدين العرب. لم لا يتحدثون في خطب الجمع عن احوال الهنود والبنغال الذين يعيشون في شقق مؤجرة بالغرفة، يسكن ٦ او ٧ أشخاص في كل غرفة ومرتباتهم ٥٠٠ او ٧٠٠ ريال شهريا؟ نعم، ليس هناك خطأ مطبعي: الراتب خمس مائة الى سبع مائة ريال. لم لا يتحدث اكثرهم عن الإهمال في العمل والحضور المتأخر والتسيب و عدم الإنضباط؟ لماذا جل الإهتمام على المرأة فقط؟
إذا تأخر العامل عن عمله ١٠ دقائق فقط كل يوم يكون في نهاية العام قد غاب عن العمل مقدار اسبوع كامل مدفوع الراتب: اليس هذا سرقة مال عام؟ احلال هذا ام حرام؟
لا تعاملوا الحلال و الحرام بإنتقائية، رجاء. هناك ما اهو اكبر -نعم أكبر – في نظر الشرع و الدين من رؤية رجل وجه امرأة او من فتنة مدعاة متخيلة في عقول الكثيرين.
الى الشيخ الشثري: زر جامعات العالم فصولها ومختبراتها، مكتباتها ومقاهيها، ثم أخبرنا اين الفتنة؟
الجامعات يا سيدي ليست حانات، ولا مراقص، وللمنتسبين اليها-أغلبيتهم العظمى- مشاغل ومهام وهموم اكبر بكثير من معاكسة هنا او نزوة هناك.
و بارك الله في “كاوست”، مؤسسة و صرحا.
doctor.nassar@googlemail.com
“كاوست” جامعة وليست ملهى
الحرية لا تتجزء ولا تتبعض. وجود مساحة كبيرةتتسع لكل الناس بمختلف مشاربهم.حرية الرأي هي الدرع الواقي من التمترس في الجحور والجبال والكهوف.
“كاوست” جامعة وليست ملهى
السكمة تفسد من الرأس( آل سعود) , يجب تغيير النظام وليس نغير المفاهيم في ظل تعسف ديني شرس – سعودي- ضد المرأة وكأنها قادمة من كوكب آخر وليس ام ,اخت ,زوجة ,بنت , زميلة دراسة .