مراسل الشفاف “أمير مير” في لاهور:
أحبطت سلطات باكستان مخطّطاً لاغتيال الديكتاتور السابق الجنرال بيرفيز مشرّف كان أعدّه قاتل الصحفي الأميركي “دانييل بيرل”.
وكشفت لنا مصادر رفيعة المستوى في وزارة الداخلية أنه تم كشف المخطّط حينما تلقّى مشرّف إتصالاً هاتفياً تضمّن تهديدات على هاتفه النقّال (الموبيل) الشخصي، في الأسبوع الثاني من نوفمبر. وقال له المتحدث: “أنا سأهتمّ بك، إستعدّ للموت”. وكشفت التحقيقات اللاحقة أن الإتصال الهاتفي جاء من شخصٍ ما في سجن “حيدر آباد” المركزي. وحيث أن “شيخ عمر” يمثّل مشبوهاً نموذجياً في حالة كهذه، فقد أخضع للمراقبة قبل أن يتبيّن أنه هو الذي هدّد الديكتاتور السابق. ثم اكتشفت السلطات أن “شيخ عمر” وضع مخطّط تصفية الجنرال (المتقاعد) مشرّف بمساعدة عناصر من جماعة “عسكر جنغوي” Lashkar-e-Jhangvi (LeJ) كان على صلة بهم بواسطة الهاتف منذ مدة طويلة.
ومع متابعة التحقيق في تهديدات القتل التي وجّهها “عمر شيخ” لمشرّف، فقد اكتشفت السلطات أن لديه في زنزانته 3 أجهزة هاتف، و6 بطاريات هاتف، و18 بطاقة “سيم” (أي بطاقات لـ18 رقم هاتف). وكشفت مراجعة سجلات إتصالات الأرقام التي يملكها أنه قام باتصالات في كل أنحاء باكستان مع شركائه الجهاديين السابقين ومع أقاربه في لاهور وكراتشي وروالبندي وبيشاور. وعلاوة على هذه الصلات مع العالم الخارجي، فقد بيّنت السجلات أنه كان على صلة مع “عطاء الرحمن”، الملقّب “نعيم بخاري”، وهو أحد أبرز مجاهدي “عسكر جنغوي”، وكانت شرطة كراتشي قد اعتقلته في 5 يونيو 2007 بالصلة مع إغتيال الصحفي الأميركي دانييل بيرل في يناير 2002. وبناءً عليه، قامت الشرطة بتفتيش زنزانة “نعيم بخاري” في سجن “سكّور” المركزي، وعثرت على جهاز هاتف موبيل و3 بطاقات “سيم” كان يستخدمها للإتصال بـ”شيخ عمر” وعناصر من “عسكر جنغوي” في كراتشي وروالبندي.
وقالت مصادرنا أنه أثناء التحقيقات اللاحقة معه كشف “نعيم بخاري” أن مجاهدي “عسكر جنغوي” تلقّوا تعليمات من “شيخ عمر” باستهداف مشرّف إما في روالبندي أو في كراتشي، على أن تتم العملية بواسطة إنتحاري يقود سيارة محمّلة بالمتفجرات. وبناءً عليه، كان عناصر “عسكر جنغوي” يتابعون تحركات مشرّف تمهيداً لاغتياله إما أثناء انتقاله بين منزله العسكري في روالبندي ومزرعته في “تشاك شهباز” على طريق “أي-1 بارك رود” في ضواحي إسلام آباد الراقية أو لنسف سيارته على الجسر الواقع على “دريغ رود” أثناء زيارته المقبلة لكراتشي وفي لحظة وصول موكبه إلى الجسر قادماً من “مطار قائد أعظم الدولي” باتجاه “شارع فيصل”. وبعد كشف محاولة الإغتيال، قرّر مشرّف أن يغادر إلى لندن في يوم 22 أغسطس 2008 لمدة قصيرة، في ما يمثّل أول رحلة له منذ خروجه من الرئاسة في أغسطس 2008. ومع أنه عاد إلى باكستان، فما يزال مشرّف يقيم في منزله العسكري بسبب الإعتبارات الأمنية.
وبعد العثور على أجهزة الهاتف وبطاقات “سيم” مع “شيخ عمر”، اتخذت وزارة داخلية السند إجراءات مشدّدة كان بينها إيقاف مسؤول السجن المركزي في حيدر آباد، ويدعى “عبد المجيد صديقي” عن العمل إبتداء من 1 ديسمبر 2008، وكذلك نائبه “غول محمد شيخ” و4 آخرين من مسؤولي السجن بعد اتهامهم بممارسة إهمال إجرامي. وقد أفادنا المفتش الرئيسي لسجون السند أن مدير السجن المركزي ونائبه عُزِلا من وظائفهما بتهم فساد وسوء إدارة وأنه تم تعيين ضابط للتحقيق في هذه التهم.
جدير بالذكر أن مشرّف في كتابه الذي كان عنوانه “In the Line of Fire” يذكر أن الإستخبارات الخارجية البريطانية، أي جهاز “إم أي 6″، كانت قد جنّدت “عمر شيخ” في البداية لاختراق العمليات الجهادية. ويقول مشرّف في كتابه: “وفي نقطة ما، أصبح عمر شيخ عميلاً مزدوجاً”. إن “عمر شيخ” هو مواطن بريطاني من أصل باكستاني، وقد أمضى 5 سنوات في سجن دلهي في سنوات التسعينات بالصلة مع خطف 3 مسافرين بريطانيين في العام 1994. ولكن، تم إطلاق سراحه في الأسبوع الأول من العام 2000 إلى جان زعيم “جيش محمد”، “مولانا مسعود أظهار”، ثم أمّن له نظام الطالبان العودة الآمنة إلى باكستان بعد أن اضطرت الهند لقبول شروط خاطفي طائرة “أي سي-814” المدنية الهندية.
وبعد ذلك بعامين، في 12 فبراير 2002، سلّم “عمر شيخ” نفسه للبريغادير (المتقاعد) “إعجاز حسين شاه”، الذي كان مسؤولاً عنه في جهاز الإستخبارات الباكستاني المشترك (“أي إس أي”)، بعد اتهامه بخطف دانييل بيرل. وفي أول جلسات محاكمته، في أبريل 2002، اعترف “عمر شيخ” بجريمته قائلاً: “لا أرغب في أن أدافع عن نفسي. أنا فعلاً قمت بذلك… وسواءً كنت على حق أم على باطل، فقد كانت لدي أسبابي. أنا لا أؤمن بأن على بلدنا أن يؤمّن حاجات الأميركيين”. والواقع أن محكمة مكافحة الإرهاب في كراتشي كانت، قبل 5 سنوات ونصف السنة، قد حكمت على “عمر شيخ”- خرّيج “كلية لندن للإقتصاد”، الشهيرة، الذي تحوّل إلى إرهابي- بالإعدام في قضية إغتيال “دانييل بيرل”، ولكن الحكم لم ينفّذ.
وفي 15 يوليو 2003، أصدر القاضي “علي أشرف شاه” حكماً بالسجن مدى الحياة لـ”عمر شيخ” ورفاقه الثلاثة، وذلك بعد محاكمة جرت في قاعة محصّنة في قبو سجن حيدر آباد المركزي. ولم تسمح السلطات لأي صحفي بحضور المرافعات، بل وتم تغيير مواعيد المحكمة ثلاث مرات بسبب تهديدات بأعمال إرهابية. كما تم تغيير القاضي 3 مرات. وفي البداية، رفض خبراء الأدلة الجنائية حضور عملية إخراج جثة دانييل بيرل خوفاً من تعرّضهم للإغتيال. إن ضباط الشرطة الذين اعتادوا التعامل مع أنواع المجرمين المتوحّشين تصرّفوا كالنعاج أمام هذا المجاهد الإسلامي، وتعرّض ضباط الشرطة لتهديدات في المحكمة أمام القاضي.
وفور الإعلان عن الحكم في 15 يوليو 2003، أعلن “شيخ عمر”، الذي كان يُعتبر سجيناً خطراً ويُحتجز في زنزانة خاصة بالمحكومين بالإعدام، أنه سوف يثأر من السلطات بسبب الحكم. وفي رسالة قرأها محاموه خارج المحكمة، أعلن “شيخ عمر”: سنرى من سيموت أولاً. أنا أم السلطات التي دبّرت لي حكم السجن”. وبعد حوالي 6 أشهر، في ديسمبر 2003، تعرّض لاجنرال مشرّف لمحاولتي إغتيال في روالبندي. وتعتقد السلطات أن “شيخ عمر” كان على صلة بالإنتحاريين اللذين فجّرا أنفسهما في العمليتين، وأن المحاولتين كانتا للإنتقام من الحكم الصادر بحق “شيخ عمر”.
وحاليا،ً فإن حكم الإعدام الصادر عن محكمة مكافحة الإرهاب لم يُنَفّذ، وذلك بسبب التأجيل المتواصل لطلب الإستئناف الذي تقدّم به، والذي يظل عالقاً أمام محكمة السند العليا منذ سنوات. وتفيد تقارير من سجن حيدر آباد المركزي أنه يتم تغيير الحراس الذين يقفون أمام زنزانته كل يوم لأنه قادر على التأثير في كل من يتعاملون معه. والواقع أن “شيخ عمر” نجح في التأثير في 4 من ضباط الشرطة الذين يقفون أمام زنزانته، فقاموا بتربية ذقونهم بعد أيام فقط من تعيينهم لحراسته. ويبدو أن “شيخ عمر” قادر على التأثير في موظفي السجن كلهم. وهو، حالياً، منهمك بقراءة كتب التاريخ، وخصوصاً الكتب التي تتناول الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتاريخ الحرب الباردة، وحربي أفغانستان والعراق.
amir.mir1969@gmail.com