أن تكون بلدة الاستقلال على موعد مع انتخابات بلدية يغيب عنها “التوافق” المفروض قسراً، تحت ستار “المتغيّرات” و”التحوّلات” التي تستدعي مراجعة الحسابات، يعني أن راشيا بألف خير.
في الأيام القليلة الماضية، حاول المعنيون بالشأن السياسي أن يُمرّروا “قطوع” الانتخابات البلدية والاختيارية في راشيا من دون معركة انتخابية. الأجواء التي سادت البلدة منذ أسابيع بدت للحظة وكأنها زوبعة في فنجان مصيرها الزوال، والجهد الاستثنائي الذي قام به شباب راشيا برضى ودعم النائب عن المنطقة وائل أبو فاعور في طريقه إلى نهاية دراماتيكية، لا ترضي طموح أحد من اللذين أرادوا “التغيير”.
الرواية باختصار، أن “حزب الله” تدخّل مع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط للعمل على توافق بين اللائحة التي يرأسها العميد المتقاعد مروان زاكي والمدعومة من “التقدمي” وأنصاره وكل من هواه يلتقي قلباً وقالباً مع هوى 14 آذار السيادي، ولائحة أخرى يرأسها رئيس البلدية الحالي زياد العريان والمدعومة من قوى “الممانعة والتصدي والصمود”، قوى 8 آذار.
جرت محاولات “محدودة” للمضي قدماً في هذا التوافق، إلا أن ما جرى بين الوزير أبو فاعور والعريان من حوار للاتفاق على “بدعة التوافق”، كان أبعد ما يمكن عن العقلانية من جانب رئيس البلدية الحالي، الذي وعلى طريقة “حزب الله”، قالها بالحرف الواحد: تريدون التوافق، فلتنسحبوا من المعركة، أي “ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم”. جواب العريان “السلبي” كان كافياً ليقرر زعيم “التقدمي” المضي قدماً في المعركة ودعم لائحة “الشباب والتغيير”.
غريب. التوافق بنظر العريان يعني أن يصل هو ومن معه إلى “العرش البلدي”، فكيف لا؟ وهو الذي أعاد راشيا إلى الخارطة السياحية والاقتصادية والثقافية(!). كيف لا يطالب بحقه وهو الذي لولا محافظته على “قلعة الاستقلال”، لكانت راشيا أشبه بمنفى لكل من يريد “العزلة” ويهوى “الإنعزال”. كيف لا يُجنّد نفسه للإنماء، وهو الذي سمح عن قصد أو غير قصد بأن تتحول الأحراج إلى أرض قاحلة ليس فيها “الأخضر” كي يوحي بالحياة. سنوات مرّت، “ألمع” ما فيها أن المجلس البلدي طالب بلدية شبعا أن تعبّد الطريق الممتد من راشيا إلى شبعا!
ردة الفعل الأولى على مسعى التوافق هذا، أتت من شابات البلدة وشبابها الذين رفضوا “الفكرة” جملة وتفصيلاً، وأوصلوا رأيهم إلى من يعنيهم الأمر، ومع إيصال رأيهم، قرّروا المضي قدماً في معركتهم على طريق “التغيير”. قرروا بكامل إرادتهم، أن يكملوا رحلتهم مع السيادة، التي لهم فيها الكثير.
لعلّ أبرز ما في معركة راشيا الانتخابية، أنها المواجهة شبه الوحيدة في القضاء، بين من يؤمن بمبادئ 14 آذار وأولئك الذين يقولون بـالتبعية للسلاح وأهله، للممانعة وأسيادها. هي معركة فريدة برسائلها السياسية أولاً، والإنمائية ثانياً.
أن يتدخل “حزب الله” في اللحظات الأخيرة لصالح لائحة مدعومة من النائب السابق فيصل الداوود، يعني أن الأمور على الأرض لا تجري كما تشتهي رياح زعيم “حركة النضال”، الذي على ما يبدو كان يحاول تلافي خسارة واقعة، في آخر معاقله في المنطقة: مجلس راشيا البلدي.
ساعات مضت، كانت فيها راشيا تصارع بين “الاستزلام” أو “الثورة” على طريق “تغيير” أمر واقع أُريد له الاستمرار.
بكل الأحوال، ومهما تكن نتائج الانتخابات البلدية في “بلدة الاستقلال”، يُسجل لأبنائها أنهم قرّروا عن أنفسهم، ومشوا لتثبيت ديموقراطيتهم ومبادئهم، وتأكيد ثابتة غابت عن أذهان الكثيرين، مفادها أن الإقتراع أسمى علامات الحرية.
هنيئاً لراشيا.
ayman.sharrouf@gmail.com