إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ينص القول المأثور التقليدي على أن “السياسة هي فنُّ المُمكن”.
الحكومة اللبنانية الجديدة، التي ولدت في 8 شباط/فبراير 2025، هي مثالٌ مثالي على ذلك. ويشير تشكيل الفريق المكوَن للحكومة إلى أنه، في السياق الحالي، هذا أفضلُ ما يمكن من الناحية السياسية، سواء من حيث السياسة الداخلية أو من حيث الاعتبارات الجيو ـ سياسية الخارجية.
بادئ ذي بدء، يجب الملاحظة أن حكومة نواف سلام ليست خالية تماما من وجود أعضاء أو مقرّبين للأحزاب سياسية التي احتجزت مصير البلاد رهينةً لحزب الله لفترة طويلة. كان الجميع يخشى دخول بيادق الثنائي الطائفي، “أمل” و”حزب الله”، إلى الحكومة، ولا سيما مطالبتهم وإصرارهم للحصول على حقيبة وزارة المالية. الوزير الجديد المسؤول عن هذه الحقيبة، ياسين جابر، هو بالفعل مقرّب من “حركة أمل”، بزعامة نبيه بري، بالرغم من أنه أعلن عدم إرتباطه عضويا بذلك التجمّع السياسي.
ومع ذلك، فإن التشريح الدقيق لمجلس الوزراء يسمح لنا بتمييز العديد من النتائج التي تخفّف من خيبة أمل أو تشاؤم في صفوف ما يسمى المعسكر السيادي.
أولا). لم تعد مجموعة الوزراء الشيعة، داخل الحكومة، تشكل كتلة متجانسة قادرة على فرض إملاءاتها التعجيزية، تنفيذا لأي “تكليف شرعي” صادر عن ملالي طهران. فالوزير الشيعي الخامس فادي مكي، الذي خرج من قبعة نواف سلام في اللحظة الأخيرة، يشكل حالة أستثنائيّة كحاجز وقائي ضد أي فيتو يشلّ الحكومة ويعطلها باسم الميثاقيّة. وهذا ما يمارسه الثنائي الشيعي منذ عام 2006، الذي افتتح المحنة الطويلة لعرقلة مؤسسات الجمهورية اللبنانية التي أفتعلها عمداً تحالف الثنائي أمل وحزب الله بفضل قِناعه المسيحي (التيار الوطني الحر – المردة) قبل كل شيء، كما أيضاً بفضل حلفائه من طوائف أخرى.
ثانياً). هل لم يزل ممكناً اليوم تصوّر تكتيكات المماطلة الطائفية والمذهبية للثنائي وحلفائه من حيث فعاليتها الكارثية في تفكيك الدولة؟ كل شيء يشير إلى أن القدرة الخبيثة لمثل هكذا ممارسات يتم احتواؤها بشكل كاف من قبل طريقة تكوين هذه الحكومة الحديثة الولادة.
ثالثاً). أضعفت الهزيمة العسكرية الساحقة التي عانى منها «حزب الله» إلى حد كبير قدرة الثنائي المعني على إحداث الأذى، على الرغم من الإيماءات الصاخبة التي ينغمسون فيها.
رابعا). إن الهجوم المناهض لـ«حزب الله» الذي أعلنته المبعوثة الأمريكية الجميلة “مورغان أورتاغوس”، والتي خلفت الوسيط عاموس هوكشتاين، رادعٌ بما فيه الكفاية لتوضيح أن واشنطن تراقب ولا تريد أن ترى الميليشيا الإيرانية تواصل دورها التخريبي للاستقرار.
خامسا). كل ما سبق عبارة عن مجموعة من القرائن المتقاربة التي تسمح لنا بالقول إن “الثلث المعطِّل” الشهير قد تمّ نزع فتيله على ما يبدو داخل الحكومة. لم يعد الثنائي الشيعي يمتلك أسلحته السياسية التقليدية حتى لو كان حزب الله رافضاً حاليا تسليمَ ترسانته العسكرية للدولة اللبنانية، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يقتضي تنفيذه رسميا بموجب اتفاق تعليق الأعمال العدائية، الذي تفاوض عليه نبيه بري وعاموس هوكشتاين. هذا القرار الشهير يشمل حكماً قرارات مشابهة، بما في ذلك 1559 و1680 على جميع الأراضي اللبنانية.
سادساً). ويمكن استخلاص عدة استنتاجات مما سبق
نتمنى حظا سعيدا للحكومة الأولى لعهد الرئيس جوزيف عون، بينما نطلب من رئيس الوزراء نواف سلام وضع اللمسات الأخيرة على البيان الحكومي دون السعي إلى بَرَكة أي حزب سياسي، ولا سيما “ثنائي أمل وحزب الله” الذي سيحفظ له تاريخ لبنان صفحات سوداء عديدة.