تباهى أحد القريبين من قيادة “حزب الله” في مجلس خاص بأن هذا الحزب منع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة من أداء صلاة الجمعة ( الماضي) في أحد مساجد الضاحية الجنوبية برفقة نحو عشرة من نواب “كتلة المستقبل” التي يترأسها.
وكشف المصدر القريب من قيادة الحزب أن كل الترتيبات كانت قد وُضعت من أجل حماية مبادرة السنيورة ورفاقه أمنياً وسياسياً بموافقة قيادة الحزب. لكن هذه القيادة غيّرت رأيها لاحقاً وأبلغت من يعنيهم الأمر من شخصيات روحية شيعية قرارها بأن عليها صرف النظر عن الموضوع.
وقال المصدر إن رأياً رجح في قيادة الحزب بعد البحث في الإحتمالات المتضاربة بعدم السماح لرئيس الحكومة السابق وصحبه بالصلاة في مسجد تابع لـ”جمعية المبرات الخيرية” التي أسسها الرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله. خصوصاً أن الرئيس السنيورة استنزف من الحزب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً من العمل الدؤوب لتشويه صورته لا بل تصويره عدواً للطائفة الشيعية في لبنان، لا سيما خلال حرب صيف الـ 2006 ، علماً أن وثائق “ويكيليكس” التي ورطت عدداً كبيراً من السياسيين الشيعة، أبرزهم الرئيس نبيه بري ومجموعة من المتحلقين حوله، قد برّأت السنيورة تماماً من أي شبهة . كما أن شهادة الرئيس بري بما ومن يمثل في الرجل لا تزال ماثلة في الأذهان ، وهو من وصف حكومته في عز المفاوضات على وقف الحرب وبعدها بأنها “حكومة المقاومة”.
وقد رأى بعض الذين تعاملوا في موضوع صلاة السنيورة في الضاحية من قيادة “حزب الله” أن مبادرة كهذه تساهم إلى حد كبير في القضاء على هواجس الفتنة السنية- الشيعية التي تؤرق كثيرين من اللبنانيين في ضوء ما يتردد عن حوادث ومخاوف تتخذ منحى طائفياً ومذهبياً في سورية.
لكن الرأي الآخر والذي غلب لاحقاً على ما يبدو اختصره سؤال: ماذا يجني “حزب الله” من تسهيل إظهار السنيورة ورفاقه في كتلة نواب “المستقبل” حمائم سلام؟ وماذا قدم الرئيس سعد الحريري إلى “حزب الله” في خطابه في “البيال” كي يسهّل له الحزب في المقابل الظهور مظهر الحريص على عدم وقوع الفتنة السنية – الشيعية لا بل الضامن لعدم وقوعها؟
وذكّر المعترضون بأن قراراً إتهامياً أشد قسوة على الحزب سيصدر عن المحكمة الدولية خلال أيام وربما أقل. وسيربط بين قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقضايا اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي ومحاولتي اغتيال الوزيرين السابقين مروان حمادة والياس المر. ومن الواضح أن القرار الجديد سيشكل إدانة معنوية مكررة لـ”حزب الله” في قضايا الإغتيال السياسي. فأين تكمن المصلحة وراء السماح بأداء السنيورة ورفاقه الصلاة في الضاحية؟
كذلك ذكّر هؤلاء المعترضون بأن الأمين العام السيد حسن نصرالله يتعرض منذ رده على خطباء احتفال “البيال” في ذكرى القادة الشهداء إلى هجومات لم تعد توفر شخصه خلافاً لما كان الأمر عليه سابقاً. ولا يجوز في مثل هذه الأجواء إعطاء الفريق الآخر أي هدية على سبيل التنازل له . وذكّروا بقول السيد نصرالله بأن “من لا يريد الفتنة عليه أن يسكت أولاً نوابه ووسائل أعلامه والمواقع الإلكترونية التابعة له” والتي لا تتوقف عن مهاجمة “حزب الله”.
ولو تحققت مبادرة الرئيس السنيورة إلى الصلاة في الضاحية لما كانت سابقة. فهو فاجأ جمهور “حزب الله” قبل عامين عندما تلقى التعازي إلى جانب نائب الأمين العام لهذا الحزب الشيخ نعيم قاسم، (الصورة المرفقة) في جامع الإمامين الحسنين في الضاحية الجنوبية، وذلك إثر مشاركة رئيس كتلة “المستقبل” النيابية في التشييع الكبير للمرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله في 6 تموز 2010 .
الحريري وعلي فضل الله
يُذكر أن المكتب الإعلامي للسيد علي فضل الله، وزع الخميس بياناً جاء فيه أنه «جرى اتصال هاتفي» بين فضل الله والرئيس سعد الحريري «تداولا خلاله في الأوضاع العامة، حيث جرى تقدير كل المواقف الداعية إلى وأد الفتنة في الساحة الإسلامية بخاصة، وفي الساحة اللبنانية بعامة»، وذلك دون أن يشير المكتب إلى صاحب المبادرة بالاتصال.
إلا أن الرئيس سعد الحريري كان صاحب السبق في المبادرة، إذ توجه إلى الشيعة اللبنانيين من باريس خلال كلمته المنقولة عبر الفيديو إلى مهرجان إحياء ذكرى والده الشهيد في “البيال” الثلاثاء 14 شباط الجاري. وخاطبهم بالقول : “أما للشيعة في لبنان فيقولون إن انتصار الثورة في سوريا سيتحول في لبنان هجوماً سنياً عليكم للثأر لدم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولتجريدكم من سلاحكم. نحن نقول بوضوح: إننا لا نحمّل إخوتنا الشيعة في لبنان أي مسؤولية في دماء رفيق الحريري، بل إننا نعتبر دماءه هي دماؤهم كما هي دماؤنا ودماء جميع اللبنانيين. وغني عن القول إننا اخترنا طريق العدالة لا الثأر وها هي العدالة تسلك طريقها بتحديد المسؤولين ومحاسبة المسؤولين وحدهم دون سواهم ودون تعميم المسؤولية لا على فريق ولا على طائفة ولا على مجموعة. كما نقول بوضوح: نحن لا نعتبر أن للسلاح هوية مذهبية أو طائفية، والواقع الحقيقي القائم في لبنان، أن هناك سلاحاً حزبياً، محدد الهوية السياسية، يتخذ من جغرافيا الانتشار المسلح، غلافاً واقياً لمذهبة السلاح، وهو ما نرفضه ونعترض عليه بالكامل، ونجد في استمراره خطراً كبيراً على المشاركة بين اللبنانيين. ونحن نعرف أن الشيعة اللبنانيين هم كما جميع اللبنانيين، مع السيادة والاستقلال والحرية والكرامة في لبنان، كما في سوريا، هم مع الديمقراطية في لبنان، كما في سوريا. الشيعة اللبنانيون طائفة أساسية تتساوى بالأهمية مع كل الطوائف في النسيج اللبناني والنظام اللبناني. ومصير لبنان، نصنعه معاً: بالاتفاق لا المجابهة، بالحوار لا الفتنة.
إنني من موقع التأكيد على أواصر الأخوة التي تربطنا بجميع اللبنانيين، ومن موقع المسؤولية تجاه دماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لحرية لبنان واستقلاله، أدعو قيادة حزب الله، إلى إجراء مقاربة جديدة لتعاملها مع المحكمة الدولية، لأن التشبث بحماية المتهمين لن يلغي قرار الاتهام. إن إصرار حزب الله على رفض تسليم المتهمين، أمر من شأنه تعميم الإتهام في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما لا يجوز لقيادة حزب الله أن تقع فيه، وأن تحوّل المحاكمة المرتقبة خلال الشهور المقبلة، إلى مضبطة اتهام سياسية واخلاقية ووطنية من الدرجة الأولى.
أنا سعد رفيق الحريري أتحمل أمامكم مسؤولية التضامن مع الشعب السوري وتأييد حقه في إقامة نظام ديمقراطي. كما أعلن أمامكم إستعدادي لتحمل كامل المسؤولية في منع الفتنة بين اللبنانيين عموماً ومنع الفتنة السنية- الشيعية في لبنان خصوصاً. هذه مسؤولية تحملتها في السابق وأتحملها أمامكم مجدداً اليوم”.