بقدر ما جددت حرب غزّة كون فلسطين هي القضية، فإنّها نبّهت إلى أن احتلال الأرض لا يختلف عن إحتلال السلطة، وبينت أن محتل الأرض، قد يكون أقل إجراماً وشراسة من محتل السلطة، بدليل أعداد ضحايا العدو الإسرائيلي، والدمار الذي يخلفه، مقارنةً بأعداد ضحايا النظام الأسدي والتدمير الذي يسببه.
يذكّر بهذه المقارنة محاولة أهل “المقانعة”، من مقاومة وممانعة، الإيحاء بأن ما يجري في غزّة يجب أن يصرفنا عن تأييد الثورة السورية، وحتى إقناعنا بتأييد النظام في مواجهتها مع التلميح إلى “وحدة المسارين” الغزاوي والأسدي، في افتعال يتجاهل أن الثاني استغل معارك الأول، لاسيما عامي 2006 و2008، ليلمّع نفسه مقاوماً، كما فعل في حرب إسرائيل على لبنان في تموز 2006.
وتذكّر المقارنة بالخلاف الناصري – البعثي في ستينات القرن الفائت : “حرية – إشتراكية – وحدة” أم “وحدة – حرية – إشتراكية”؟ والذي استمر حتى باتت الحرية حلما بعيدا، والوحدة ذكرى مريرة. وفي الراهن: هل مواجهة العدو الإسرائيلي يجب أن تكون لها الأولوية على مواجهة أنظمة الإستبداد والفساد، أم أن إسقاط هذه الأنظمة هو الطريق إلى النصر في هذه المواجهة؟
تؤكد الوقائع أن لا ضرورة للمفاضلة، خصوصاً أن التماهي بين عدوي العرب الإحتلاليَين، لايمارى، وهو بلغ التكامل، بعيد حرب العام 1973، حين اعتبر أهل حزب البعث، الذي تناسل منه النظام الأسدي، أن عدم سقوط النظام في دمشق، أهم من سقوط الجولان تحت الإحتلال.
لم تؤد هذه المفاضلة المعلقة بلاجواب منذ الستينات إلا إلى تكريس احتلال الأرض، وتوسعه، وتجذُّر أنظمة القمع وشل الإرادات. وتبادل الإحتلالان الخدمات باستمرار: سطوة الإحتلال الإسرائيلي بررت قول الأنظمة بتكريس كل الإمكانات تحضيراً لمواجهته، في موعد ومكان تقرره ولا يفرض عليها، (شعار نظام الأسد أبا وإبناً)، وتالياً كمّ أفواه الشعوب، وشلّ أفكارها، فيما إدعاء ارادة التحرير، واستعراض القوة المزعومة، برر للعدو الإسرائيلي حظوة لدى القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية، ترجمت دعماً بالسلاح والمال.
يزيد في اسقاط المفاضلة، تحديدا في ما يخص النظام في سوريا، أن حركة “حماس” عرّته، في الحرب الراهنة، من أي فرصة لادعاء أبوة معركة غزة، أو زعم البطولة على أنقاض بيوتها، وسيل دماء أبنائها، كما في 2006 و 2009، إذ أكد زعيمها خالد مشعل، أمس، استمرار التناقض مع الأسد تجاه الثورة السورية، في مقابل التنسيق مع مصر. فـ”حماس” تستند، في مقاومتها، إلى دعم شعبي واسع، كما قال الأمين العام لـ”حزب الله”، أخيرا، خلافا لقوله في صدد “مقاومته” أنها لا تحتاج إلى دعم كل الشعب؟!
للمرة الأولى، يخوض الفلسطينيون مواجهة من دون طفيليين يعتاشون عليها، ويدّعون ابوتها، ولو سعوا.
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار