التوازنات التي يتحرك وسطها رئيس وزراء العراق الجديد حيدر العبادي دقيقة ومعقدة للغاية وهو يواجه «إرث المالكية» نسبة إلى سلفه نوري المالكي ليس على الصعيد الداخلي فقط بل على مستوى دول الجوار أيضا.
عمان كانت الأسبوع الماضي المحطة العربية الوحيدة التي توقف فيها العبادي ليومين مزنرا بالهموم والملفات الصعبة وممارسا لأقصى طاقات «الود» على أمل كسب تأييد دول الجوار العربية السنية في معركته الداخلية.
العبادي وهو يتوقف على المحطة الأردنية إشتكى لشخصيات عراقية قابلها خلف الستارة مما أسماها»المالكية» التي تتوسع في إطار المؤسسات الأمنية والمسلحة في بلاده بالرغم من غياب رمزها الدكتور نوري المالكي الذي غادر الحكم والقرار لكنه لا زال قويا.
في عمان أيضا إستمع العبادي لتقييمات من مشايخ الأنبار وبعض رجال أعمالها عن صعوبة لا بل إستحالة مواجهة «داعش السنية العراقية» بنسخة «شيعية» من «داعش «تفرض بصماتها على الواقع وفقا لمعادلة فيزيائية تشير إلى أن تقلص حضور النسخة الشيعية من «داعش» يتزامن ويترافق حاليا مع صعود مقلق في النسخة الشيعية منها.
عند التفاصيل تطرق مشايخ ورموز الأنبار الذين سلموا العبادي في العاصمة الأردنية مذكرة مطالب محددة للميليشيات الشيعية المسلحة في أطراف بغداد وغيرها من المدن التي تعتقل وتغتصب وتقتل على الهوية الطائفية وتمارس حتى عمليات «قطع الرؤوس».
أحد الحضور طلب من العبادي مشاهدة عشرات اشرطة الفيديو التي تتضمن تصرفات وسلوكيات من جيش المالكي في المناطق السكانية تتضمن قطع رؤوس وتمثيل بالجثث وتعذيب بالسكاكين مع خطاب يذكر العبادي بأن السلوكيات على الأرض تختلف عن الخطاب العلني للرجل مما نتج عنه حواريا إنطلاق مقولة «المالكية».
ألمح الحاضرون إن المالكي عمليا «لم يغادر» الحكم ولم يعترض العبادي مصرا على إظهار مساحة من التفاؤل بالمستقبل.
مشايخ الأنبار أشاروا أيضا أن وزير الدفاع «لا يسيطر» في الواقع على العمليات العسكرية الميدانية وطالبوا بإلتزام واضح من حكومة العبادي بوقف الغارات العشوائية على مدن ومناطق أهل السنة ووقف سياسة هدم دور الأبرياء متحدثين عن «ذرائع» لا يمكن إنكارها يستخدمها المتشددون أو الإرهابيون من الجماعات السنية وبعض بقايا البعثيين.
الأردنيون وقفوا متفرجين ويراقبون الحوار الذي ساهموا في ترتيبه بين العبادي ومجموعة مشايخ الأنبار التي تتخذ من عمان مقرا لها.
وفي الجانب الرسمي من المباحثات تحدث رئيس وزراء الأردن الدكتور عبدالله النسور والملك عبدالله الثاني مباشرة بالقضية الأساسية التي تهم الأردن للحفاظ على الشراكة ضد الإرهاب.
وهي وقف سياسات التهميش والإقصاء التي تتعرض لها المدن والمحافظات السنية ليس فقط على صعيد التنمية الإقتصادية إنما على صعيد الإستهداف الأمني وترك المواطن السني وحيدا في مواجهة «دولارات» الإرهابيين والإستهداف الطائفي من جانب الحكومة المركزية.
المسؤولون في عمان تحدثوا بالموضوع بصراحة مع العبادي لكن التقييم الرسمي الأولي يشير أن الرجل- نقصد العبادي- رجل إيجابي عموما ويحضر بعقل منفتح ويدرك حجم المشكلات لكن الفارق باق بين ذهنيته وإمكاناته في الواقع.
المؤسسة الأردنية «إبتلعت» لإنجاح زيارة العبادي وتقديرا للرجل ملاحظة «بروتوكولية» يمكن في حال تفكيكها أن تعكس منسوب هوامش المناورة أمام العبادي في المعادلة الداخلية فالرجل حضر في زيارة رسمية مع مرافقين شخصيين وبعض الموظفين من الدرجة الثانية أو الثالثة ولم يحضر معه وزراء من الوزن الثقيل.
بروتوكوليا يمكن إعتبار غياب وزراء أساسيون عن زيارة العبادي للأردن مؤشر حيوي على «ضعف» معادلة «رئيس الوزراء» في تركيبة واقع الحكم والمشهد العراقي فالمالكي زار عمان عدة مرات وفي كل منها لم تظهر على الوفد المرافق له أي من مؤشرات هزالة التمثيل أو التواضع بالمرافقين.
بالنسبة لعمان مهمة العبادي معقدة وليست سهلة خصوصا وانه مؤهل للإخفاق في معالجة الهدف الرئيسي في خطط إحتواء إرهاب داعش وغيرها وهو «إشراك « اهل السنة وتغيير موقف وقناعة مشايخهم وقياداتهم الحالية حتى يصبح توظيفهم ممكنا في الإتجاه المضاد ل «داعش».
هذه المهمة تحديدا لا يوجد ما يثبت بأن العبادي قادر عليها..على الأقل هذه قناعة عمان الآن وإن كانت ستسانده بكل الأحوال.
بسام البدارين