النظير الإيراني للبناني “حسان اللقيس”!
بقلم/ علي هاشم
لم يكن “حسن صياد خدايي”، العقيد في الحرس الثوري الإسلامي الذي قُتل بالرصاص في سيارته خارج منزله في طهران، شخصيةً بارزة. فحتى اغتياله على أيدي مسلّحَين اثنين على دراجة نارية في 22 مايو/أيار، لم يكن أحد على ما يبدو يعلم من هو!
كذلك، حتى بعد مقتله، فإن المجموعات الإيرانية على تطبيق الهاتف الذكي الشهير “تلغرام”، حيث تنتشر أخبار الشخصيات العسكرية و”محور المقاومة” الذي تقوده إيران، بسرعة، لم يتمكن أحد من معرفة اسمه الحركي.
وفي لبنان، قالت مصادر أمنية لموقع “أمواج.ميديا” من دون الكشف عن تفاصيل إضافية، أنه “معروف باسم آخر”!
وأكد مصدر إيراني مقرّب من فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، متحدثًا شريطة عدم الكشف عن هويته، أن اسم خدايي البالغ من العمر 49 عامًا لم يكن حتى مدرجًا في قائمة الأفراد المحتمل استهدافهم، التي يتم تحديثها باستمرار. ومن الناحية العملية، يعني هذا الأمر أنه لم يتمتع بالحماية التي يوفرها “أنصار المهدي”، وهي وحدة الحماية الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني. كما لم يرافقه أي من الأجهزة الأمنية الأخرى في إيران المكلفة بحماية الأهداف المحتملة لجهاز المخابرات الإسرائيلي، “الموساد”.
الأغرب من ذلك، أن وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني اتخذت خطوة غير عادية عندما نشرت صوراً لجسده الذي اخترقه الرصاص في سيارته المتواضعة من نوع “سايبا” محلية الصنع!
مهمة خاصة
أكدت مصادر أمنية تحدثت لأمواج.ميديا أن خدايي عمل في سوريا تحت لواء فيلق القدس. وقد تم بالفعل نشر هذه التفاصيل على نطاق واسع حيث أشارت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية إليه على أنه “مدافع عن الحرم”” وهو اللقب الذي يُمنح للقوات التي تقودها إيران الملتزمة بالدفاع عن النظام في دمشق. أما ما أضافته المصادر، وما لم يظهر للعلن بعد، هو أن الضابط الكبير في الحرس الثوري الإيراني كان نشطًا في بلاد الشام حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.
وفي حين صورت وسائل الإعلام الإسرائيلية “خدايي” على أنه المسؤول عن التخطيط لهجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في جميع أنحاء العالم، زعم مصدر إيراني مقرب من فيلق القدس أنه كان في الواقع مسؤولًا عن نقل التكنولوجيا ليس فقط إلى سوريا لكن أيضًا إلى لبنان. وتركزت خبرته على وجه الخصوص على الطائرات المسيّرة التي ارتفعت الأصوات الإسرائيلية حولها بشكل متزايد مؤخرًا.
وتحدثت مصادر أمنية شريطة عدم الكشف عن هويتها لأمواج.ميديا فقالت إنه بالإضافة إلى لعبه دورًا مهمًا في مجال الطائرات المسيرة، فإن من بين مهام خدايي التأكد من إيصال التكنولوجيا التي تهدف إلى تحسين دقة الصواريخ غير الموجهة إلى حلفاء إيران في بلاد الشام. وجمع حزب الله في السنوات الأخيرة ترسانة متزايدة من الذخائر دقيقة التوجيه، بما في ذلك الصواريخ القادرة على ضرب أهداف في العمق الإسرائيلي بدقة. وأوضحت المصادر أن هذه القدرات كانت نتيجة مباشرة لمهمة خدايي المتمثلة بتمكين الحركة اللبنانية من استخدام صواريخها الخاصة بقدرات استهداف دقيقة.
خارج الشبكة
بينما ثبت أن خدايي لم يكن شخصية عامة معروفة، وهو حتى اليوم غير معروف في الدوائر الإيرانية التي تركز على المنطقة، أُفاد موقع أمواج.ميديا بأنه لم يكن معروفًا على الأرض أيضًا. وقال مصدر مقرب من فيلق القدس لأمواج.ميديا شريطة عدم الكشف عن هويته: “حتى الأشخاص في سوريا ومن بينهم من كانوا داخل قيادة الحرس الثوري الإيراني في البلاد، لم يعرفوا عنه.” وفي تقدير المصدر، يلقي هذا البعد الغريب لخدايي الضوء على اعتبار واحد مهم وهو أنه “من المحتمل جدًا أنه عمل في وحدة استخبارات فيلق القدس وليس في فيلق القدس بشكل عام. وهذا يعني أن الإسرائيليين تمكنوا من كشف اللغز.” ووفقًا لمنافذ إخبارية إسرائيلية، كان خدايي عضوًا في الوحدة 840 التابعة لفيلق القدس، وهي مجموعة عمليات سرية يُزعم أنها أُنشئت عام 2016 وهي مكلفة بتنفيذ هجمات على أهداف خارج إيران. ولا توجد إشارات واضحة إلى كيان معروف باسم الوحدة 840 في وسائل الإعلام الإيرانية.
إن من هم على دراية بهذا الملف، بدأوا بالفعل برسم أوجه تشابه بين خدايي و”حسان اللقيس”، المسؤول اللوجيستي الراحل لحزب الله و”العقل التكنولوجي” للحركة اللبنانية. في الواقع، من نواح كثيرة، يبدو مصير الرجلين وكذلك دورهما متداخلين بشكل ملحوظ.
فاللقيس كان من بين كبار القادة العسكريين لحزب الله في حرب إسرائيل ضد لبنان عام 2006، والتي شهدت إطلاق عدد غير مسبوق من الصواريخ بدقة على إسرائيل. كما أكدت مصادر أمنية لأمواج.ميديا أن خدايي خدم في بلاد الشام حتى قبل اندلاع الصراع السوري في العام 2011. وبالنظر إلى ما يقال عن أن اللقيس شغل منصب المسؤول الأعلى في حزب الله المعني بشراء الأسلحة بما في ذلك نقل التكنولوجيا، قد يكون خدايي من بين نظرائه الإيرانيين.
ويمكن البناء على هذا الأمر للمقارنة بين مقتل الرجلين العسكريين.
بعد سبع سنوات من حرب 2006 مع إسرائيل، تحديدًا في ديسمبر/كانون الأول 2013، أطلق مسلحون مجهولون النار على اللقيس من مسافة قريبة لدى وصوله إلى منزله في منطقة الحدث في بيروت. وتمامًا كما ألمح المسؤولون الإيرانيون إلى أن إسرائيل هي الجاني في عملية الاغتيال الأخيرة في طهران التي ألقي باللوم فيها على الموساد، صدر آنذاك بيان لحزب الله عقب مقتل اللقيس جاء فيه أن “العدو الإسرائيلي هو المسؤول بشكل مباشر بطبيعة الحال عما حصل… ويجب أن يتحمل هذا العدو المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء وما سترتبه من تداعيات”.
وبعد أن وجهت أصابع الاتهام إلى الموساد في قتل “العقل التكنولوجي” السابق لحزب الله، هل يمكن أن يكون الموساد قد حول تركيزه أخيرًا نحو نظيره الإيراني؟
انتقام محتمل؟
نقلت المصادر الأمنية التي تحدثت إلى أمواج.ميديا شعورًا مفاده بأن مقتل خدايي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعمله في نقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة بشكل خاص، والتي ظهرت كتهديد متزايد لإسرائيل. ووفقًا لأحد المصادر، لعب العقيد الراحل في الحرس الثوري الإيراني دورًا رئيسيًا في الصناعات الدفاعية المتنامية لإيران.
وفي أواخر أبريل/نيسان، قبل أسابيع فقط من اغتيال 22 مايو/أيار، تفاخر قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني بأن إيران نفذت مهمة ناجحة بطائرة مسيرة في إسرائيل. وبحسب قول قاآني، فشلت 41 طائرة مقاتلة إسرائيلية في اعتراض طائرتين إيرانيتين مسيرتين. وقبل شهرين، في فبراير/شباط تحديدًا، زُعم أن القوات الأميركية في شمال العراق أسقطت طائرتين إيرانيتين مسيرتين كانتا في طريقهما لتنفيذ مهمة أخرى في إسرائيل. وفي ما يتعلق بحادثة فبراير/شباط، أُفيد بأن قاعدة الحرس الثوري الإيراني في شمال غرب إيران التي انطلقت منها الطائرات المسيرة قد تعرضت لهجوم من قبل إسرائيل.
بعيد ذلك، تحديدًا في 13 مارس/أبريل، أمطر الحرس الثوري الإيراني بصواريخ باليستية منزل أحد الأباطرة الأكراد في صناعة النفط على أطراف أربيل، باعتباره “مركز إستراتيجي إسرائيلي”.
وفي سياق السلسلة الواضحة من حوادث الرد بالمثل، أخبرت مصادر أمنية أمواج.ميديا أن مقتل خدايي كان “انتقامًا” من قبل الإسرائيليين لفشلهم على ما يبدو في منعه من القيام بمهمته القائمة على نقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة والمعرفة الفنية لحلفاء إيران الإقليميين.
الصورة الكاملة
في ما وراء الدوافع “الانتقامية” المحتملة، هناك عناصر أخرى لا بد من مراعاتها عند السعي لتمييز الدوافع المحتملة لمصير خدايي النهائي. فإسرائيل التي استهدفت في الماضي علماء نوويين كبار في العاصمة الإيرانية، تستهدف اليوم ضابطًا في الحرس الثوري الإيراني له علاقاته في المنطقة في وضح النهار وفي قلب طهران. ومما لا يثير الدهشة، أن المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم شخصيات بارزة في الحرس الثوري الإيراني تعهدوا بـ “الانتقام القاسي” وهو المصطلح نفسه الذي استُخدم للإشارة إلى أعمال انتقامية تعهدت بها إيران عقب اغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس آنذاك قاسم سليماني عام 2020.
ويمكن ربط هذه الديناميات بالمأزق الإيراني-الأميركي بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
ففي حين تم بالفعل الاتفاق على اتخاذ الخطوات الفنية المتعلقة بإحياء الخطة، يبدو أن المأزق الحالي يركز على قضيتين رئيسيتين: تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية وإصرار واشنطن على أن تعلن طهران تخليها عن أي انتقام ضد مسؤولين أميركيين حاليين أو سابقين كردّ على اغتيال سليماني.
على هذه الخلفية، فإن مقتل شخصية مثل خدايي يوجه رسالتين محتملتين.
بغض النظر عما إذا كانت إدارة جو بايدن توافق على إلغاء التصنيف الإرهابي الذي اعتمدته إدارة ترامب السابقة للحرس الثوري الإيراني، وهو الجيش الوطني الوحيد المدرج على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، قد يكون ما قامت به إسرائيل إشارة إلى أنها ستواصل إجراءاتها ضد الجمهورية الإسلامية. وربما الأهم من ذلك، أن الانتقام لمقتل سليماني على يد الولايات المتحدة لا يزال موضوعًا ملحًا في طهران، ومع رفض إيران التراجع عن إصرارها على “الانتقام القاسي” فإن منحها سببًا إضافيًا للانتقام قد يهدف لإثارة رد فعل إيراني من شأنه أن يصعب على إيران والولايات المتحدة التوصل إلى تفاهمات.
إذا كان الأمر كذلك، فلن تكون هذه المرة الأولى التي تسعى فيها إسرائيل إلى إخراج المشاركة الإيرانية الأميركية عن مسارها وهو ما تعتبره تل أبيب تهديدًا استراتيجيًا أكبر بكثير من أي طائرة إيرانية مسيرة. ومن المرجح أن يتضح ما إذا كانت طهران وواشنطن ستسمحان لتل أبيب بلعب مثل هذا الدور التخريبي المحتمل في الأيام والأسابيع المقبلة.