في ٢٢ أيلول/سبتمبر ١٩٨٨، وقّع الرئيس أمين الجميّل مرسوم تعيين قائد الجيش ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية مهمتها انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً له! انقلب عون على قرار تعيينه، وسعى للإستيلاء على السلطة لنفسه (وانقلب بعد أشهر، في ١٩٨٩، على اتفاقه مع سمير جعجع، بعد أن وعده بأن يترك له المناطق غير الخاضعة للجيش السوري!).
بعد ٣٣ سنة، أعلن ميشال عون « البلاغ رقم ٢ »، في جريدة تموّلها إيران: « أخشى تعذّر انتخاب خلف لي، فيكون على الحكومة القائمة تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، لأنها صاحبة المسؤولية المنوطة بها دستورياً. أخشى أن ثمة مَن يريد الفراغ. أنا لن أسلّم إلى الفراغ»!
بكلام آخر، عون لن يسلّم السلطة إلى حكومة تقدم استقالتها، كما جرى العُرف، بعد إجراء الإنتخابات النيابية فتصبح حكومة “تصريف أعمال » فقط..! ولن يسلّم السلطة لرئيس لا يمثّل ما يعتبره هو رئيساً مارونياً يمثّل الأغلبية المسيحية، على غرار « كِذبة الأغلبية المسيحية » (« واستطلاعات الرأي المزوّرة » والمدفوعة الثمن!)، التي ضمّت « التيار العوني » و « والقوات اللبنانية » قبل أكثر من ٥ سنوات!
لا « يفهم » عون أن أي « رئيس ماروني » يصبح تلقائياً، بمجرد انتخابه، « رئيس الجمهورية اللبنانية » وليس « رئيس المسيحيين »! والأهم، فهو لا يلاحظ أنه رئيس « السلطة التنفيذية »، وليس رئيس « السلطة التشريعية » ولا رئيس « المجلس الدستوري » لكي يقرّر، هو، « مواصفات الرئيس الذي سيأتي بعده »! (كيف يمكن أن يفهم « جنرال » مثل هذه الفوارق الدقيقة؟ المثل الفرنسي يقول « ليس ضرورياً ان تكون أهبل لتصبح جنرالاً، ولكن الهَبَل يُحسَب لك »! هذا حسب ترجمة « لطيفة »!)
عبارة «لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي » هي « إعلان إنقلاب » على الدستور اللبناني، وعلى الأعراف السياسية اللبنانية! والأخطر إنها « إعلان إنقلاب يرتكز إلى إحتلال إيراني للبنان »!
الفكرة « المُضمَرة » التي يرفضها ميشال عون هي تسليم السلطة في حالة الفراغ (كما حدث في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل) إلى حكومة عسكرية يرأسها قائد الجيش، جوزيف عون! بكلام آخر: « كلّه إلا الجيش »! حزب الله ولا الجيش!!
إلى من سيستند ميشال عون إذا قام بـ« انقلابه الموعود » ورفض تسليم السلطة؟ الجواب واضح: سيستند إلى « حزب الله »! أي إلى قوة دينية-طائفية خارجة على القانون اللبناني وعميلة لدولة اجنبية! بقاء ميشال عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته لن يكون بقوة « الحرس الجمهوري »، ولا بقوة الجيش اللبناني، بل بسطوة « السلاح الإيراني »!
يمهّد ميشال عون لانقلابه بتقديم « ضمانات » لإسرائيل ولسفراء الدول الغربية والعربية! هل سيعلن حزب الله، فعلاً التزامه، بـ« القرار الدولي ١٧٠١ »؟ وهل سيعلن أنه لن يقوم باغتيال أي سفير غربي او عربي؟
الأهم، بالنسبة لنا، هل طلب ميشال عون من الحزب الإيراني « ضمانات » بالتوقف عن اغتيال المعارضين اللبنانيين، مثلما اغتال صديقنا لقمان سليم؟ أم أن « بند اغتيالات اللبنانيين » سقط سهواً (وبالأحرى « عمداً »، و « عن سابق تصوّر وتصميم »؟) من « دفتر شروط الضمانات » التي ناقشها هو (او صهره « الإيراني جبران باسيل ») مع الحزب الإيراني؟ هذا « تفصيل » يهمّنا نحن، « مون جنرال »، لأننا « معارضون » و« لبنانيون »!
تبقى بعض الملاحظات: أولاً، نحن نؤيد بالمطلق دعوة وليد جنبلاط لميشال عون « لاتباع الأصول، والتقيّد بالدستور »! لأننا « دستوريون » ولسنا « إنقلابيين »!
ثانياً، إذا نفّذ ميشال عون « إنقلابه الموعود » فسيفقد الشرعية الدستورية التي تفرض على الجيش إحترام قراراته! هل حصل ميشال عون على « ضمانات » بأن قيادة الجيش سترضح لانقلابه غير الشرعي؟ وماذا سيفعل إذا تمسّك الجيش بالأصول الدستورية، وطلب منه مغادرة القصر؟ او إذا ما قرّر اللبنانيون أن يصعدوا إلى قصر بعبدا لطرده منه؟ هل سيطالب حزب الله بحماية قصر بعبدا من الجيش اللبناني؟ أم، هل سيهرب إلى.. سفارة إيران؟
وماذا سيفعل الجنرال « الفراري » « إذا اجتمع مجلس الأمن الدولي وأصدر قراراً باعتبار الرئيس الذي لن يسلم السلطة « إنقلابياً » وخارجاً على الشرعية اللبنانية والدولية؟ وإذا ما اعتبر مجلس الأمن الدولي أن لبنان « بلد محتلّ » يرأسه إنقلابي تابع لإيران؟
ملاحظة أخيرة: معظم المسيحيين باتوا يعتبرون ميشال عون « ماروني تايواني »، أي « تقليد »! ومعظم اللبنانيين، والمسيحيون كذلك بأغلبيتهم الساحقة، متمسّكون بوطنهم، ودستورهم، وقوانينهم، ولن يسمحوا بـ« مغامرة عونية » جديدة تتسبّب بمزيد من الدمار والمآسي في لبنان!
انتهت اللعبة « كش.. عون » وخذ نصرالله (وغادة عون) معك!
*
في ما يلي مقتطفات من مقابلة ميشال عون مع نقولا ناصيف في « الأخبار » الإيرانية الصادرة في بيروت:
عون عن الانتخابات: لن أُوقّع سوى مرسوم 8 أو 15 أيّار
لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي.
عندي ضمانات من الحزب بعدم مهاجمة إسرائيل، وعدم اغتيال السفراء الغربيين والعرب.. أما اليمن فشأن آخر!
في السنة الأخيرة في ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، تضاعفت الأعباء. أمامها استحقاقان دستوريان كبيران، هما الانتخابات النيابية العامة وانتخابات رئاسة الجمهورية. كلاهما يتربص بالآخر تبعاً لمعادلة: أي برلمان ينتخب الرئيس المقبل: الحالي بأن يُمدّد له، أم برلمان جديد منتخب؟
ما دامت المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الخلف ما بين آب وتشرين الأول 2022، أمام الأشهر التسعة المقبلة استحقاقات سياسية واقتصادية ليست أقل خطراً أو أسهل حلولاً…
……..
عندما يُسأل هل يُعزى الموقف السعودي السلبي، ومن خلاله الخليجي، إلى تحالفه مع حزب الله؟ يجيب: «هو أولاً تفاهم وليس تحالفاً. الجميع يعرف، العرب والأميركيون والأوروبيون، أنني لا استطيع محاصرة حزب الله الذي يحترم بالنسبة إليّ قواعد ثلاثاً أساسية لا غنى عنها: القرار 1701، الاستقرار الداخلي، عدم التعرّض لسفراء الدول التي صنّفته حكوماتها منظمة إرهابية أو رعاياهم كالأميركيين والبريطانيين والألمان ودول عربية. أما إذا كان الأمر مرتبطاً بما يجري في اليمن، فهو شأن آخر. لا خلاف بيني والسعودية……..ما أعرفه أن أزمتنا معها بدأت يوم انهارت علاقتها بسعد الحريري.. في تشرين الثاني 2017.».
لا يتحمّس لإقالة الوزير في مجلس الوزراء، ويفضّل أن يكون القرار شخصياً يتخذه قرداحي. يلتقي عون مع الرئيس نجيب ميقاتي على مقاربة مشتركة للنزاع الناشب من حول المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار: «ليس للسلطة الإجرائية التدخل في مسألة لا تدخل في اختصاصها. للقاضي مرجعية تحاسبه إذا أخطأ. هي المعنية ولسنا نحن. أنا مصرّ على تأكيد فصل السلطات».
بيد أنه يلاحظ أن لا رابط بين الخلاف على هذه المسألة وتعطيل اجتماعات مجلس الوزراء: «عندما يكون ثمّة مَن يصرّ على تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، لا أرى بداً من جلسات المجلس الأعلى للدفاع. كل الأجهزة ممثلة فيه لمعالجة المشكلات التي تئن منها القطاعات الحياتية».
الإنتخابات النيابية
يذهب عون من ثم إلى صلب المشكلة الآنية: «لن أوقّع مرسوماً يدعو الهيئات الناخبة إلى 27 آذار للاقتراع. إذا أتاني سأرده من حيث أتى كي يصار إلى تعديله. لن أوافق على انتخابات نيابية سوى في أحد موعدين: 8 أيار أو 15 أيار. بعد 15 أيار لا يعود أمامنا سوى أسبوع لانتهاء الولاية القانونية لمجلس النواب (21 أيار 2022)، ما يقتضي أن يكون انتخب برلمان جديد قبل الوصول إلى هذا اليوم….
… ليس لدى السفراء الذين يزورونني سوى السؤال عن الانتخابات النيابية والإصرار على حصولها. في كل مرة أُسأل أجيبهم: لا خطر على الانتخابات إلا إذا أراد أحد ما تعطيلها. فليفصح عن نفسه هذا الأحد».
عندما يُسأل هل يرى ترابطاً بين الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، يردّ بالإيجاب: «الانتخابات النيابية ستجرى، وهي الثانية في ولايتي، ولن يستطيع أحد وقف دورتها.
أما الانتخابات الرئاسية فشأنها مختلف. لن يأتي بعدي رئيس كما قبلي. لن يكون بعد الآن رئيس للجمهورية لا يمثّل أحداً، ولا يمثّل نفسه حتى، بل ابن قاعدته. إذا وصلنا إلى نهاية الولاية سأترك قصر بعبدا حتماً لرئيس يخلفني. أخشى تعذّر انتخاب خلف لي، فيكون على الحكومة القائمة تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، لأنها صاحبة المسؤولية المنوطة بها دستورياً. أخشى أن ثمة مَن يريد الفراغ. أنا لن أسلّم إلى الفراغ».
إذا لم تكن ثمّة حكومة أو حكومة تصريف أعمال؟
يجيب: «الكلمة عندئذ للمجلس النيابي الذي يقرّر».
وإذا لم يعد ثمّة مجلس نيابي؟
يجيب: «هل يُعقل أن لا يبقى هناك أحد؟».