اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ أنّ سلوك نواب ﺍﻟﺘﺄﺯﻳﻢ ﻭﻧﻮﺍﺏ ﺍﻟﺼﺮﺍﺥ، أو نواب الكراسي البيضاء لا الكراسي الخضراء، هم ﺳﺒﺐ الأزمة ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ التي نواجهها، ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻔﺘﻘﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﺪﺍﻗﻴﺔ، ﻭﻳﻤﺜّﻞ ﺭﺅﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ. ﻓﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ والبرلماني ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ والمعارضين، أو بينها وبين أنصار الحراك، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﺒﺒﻪ ﺫﻟﻚ، بل يجب توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة وأنصارها لأنهم وراء اﻟﺘﺮﻭﻳﺞ لذلك ﻹﺑﻌﺎﺩ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﻋﻦ ﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ.
فربط الصراع بالسلوك، هو تسطيح لا معنى له وأسطوانة مشروخة وانتهى مفعوله منذ أن تمّت محاربة « الحراك » و« الحراكيين » ومنذ أن جرى إقصاء المعارضين، بل حتى هذه المزاعم وإن كانت أمرا واقعا في المشهد السياسي، هي جزء من الأﺳﺒﺎب الهاﻣﺸﻴﺔ.
ﻓﺠﻤﻴﻊ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺣﻠّﻬﺎ، ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ وبين النواب والمعارضين والحراكيين، انحصرت أسبابها ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺃﺧﺮﻯ يمكن تلخيصها في عبارة “ﺿﻴﻖ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ الديمقرﺍﻃﻴﺔ” ﻛﻤﻔﻬﻮﻡ ﻭﻧﻬﺞ ﻭﻣﻤﺎﺭﺳﺔ وآليات ﻭﺃﻃﺮ ﻭﺷﺮﻭﻁ. ﻭﻟﻌﻞ ﺃﺑﺮﺯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻣﺎ ﻳﻨﺪﺭﺝ ﺗﺤﺖ عناوين ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪّﺩﻳﺔ ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﺍﻟﻤﻜﻔﻮﻟﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻲ.
إن ممارسة ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ والتشريع بصورة ديمقراطية حقيقية، والسعي للكشف عن الفساد والمفسدين، من المسائل المزعجة للسلطة والحكومة، ومن الأﺳﺒﺎﺏ الرئيسية للأﺯﻣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، باعتبار أنها تضيّق على السلطة والحكومة الاستئثار شبه المطلق بالقوى والسيطرة على الواقع والتحكّم بشروط اللعبة السياسية.
وقد ساهمت بعض مخرجات ثقافة ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﺗﻴﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍلحكومة ومجلس الأمة، ما أدخل ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻓﻲ أتون ﺃﺯﻣﺎﺕ عدة، كان من نتائجها إفراغ الدستور من محتواه. وﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ في ظل مثل تلك الأجواء ﺃﻥ تتجه ﺍلظروف ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻘﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺃﻭ ﺣﻞ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﺔ أو تعليق الدستور، ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ، ﻣﺎ جعل المشهد ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺃﻣﺎﻡ احتمالين: إما ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺎﻟﺪيمقرﺍﻃﻴﺔ بشروطها ﺍﻟﻤﻜﻔﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ، وﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ بإصلاحات تخدم تطويرها، أو ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺗﻌﻄّﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﺻﻼﺡ ﻭﺍﻟﺘﻄﻮّﺭ ﻭﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ.
وحينما نعود إلى التاريخ ونتمعّن في الأسباب التي ساهمت في ﺣﻞ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﺔ ﻋﺎﻡ 1985 ﻭما تبع ذلك من أﺯﻣﺔ سياﺳﻴﺔ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﺍلبلاد ﺁﻧﺬﺍﻙ، ﺳﻮﻑ ﻧﺠﺪ ﺑﻌﻀًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺄﺳﺒﺎﺏ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍلتي نعيشها حاليا. وحسب ﻣﺮﺍقبين ومؤرخين فإﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﻴﻦ المجلس ﻭﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ في 1985، ﻛﺎﻥ ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻲ ﺍﻟﻤﺘﺸﺪّﺩ ﻟﻠﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻭﺍﻟﺸﻔﺎﻑ للقوى السياسية تجاه ما كانت تشهده البلاد من فساد وتعدّ على المال العام، ما أدى ذلك إلى ﺣﻞ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ. ويمكن الإشارة إلى ﻣﺴﺄﻟﺘﻴﻦ في هذا الإطار، ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﻲ « ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ »، ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻲ، فيما تعلّقت المسألة ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ بظاهرة ﺗﻮﺍﻟﻲ ﺍﻻﺳﺘﺠﻮﺍﺑﺎﺕ ﻓﻲ المجلس. فحين تم تقديم ﺍﺳﺘجواب من طرف مبارك ﺍﻟﺪﻭﻳﻠﺔ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺮﺑﻌﻲ ﻭﺣﻤﺪ ﺍﻟﺠﻮﻋﺎﻥ ﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻟﺸﺌﻮﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ، ﻭﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻻﺳﺘﺠﻮﺍﺏ، ﻗﺪﻡ ﺍﻗﺘﺮﺍﺡ ﺑﺴﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺁﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺇﺳﺘﻘﺎﻟﺘﻪ ﻗﺒﻞ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻮﻋﺪ ﺍﻧﻌﻘﺎﺩ ﺟﻠﺴﺔ المجلس ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺪّﺩﺓ ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺖ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﺡ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﻪ. ﻭﻋﻘﺐ ﺫﻟﻚ ﻗﺪﻡ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ ﺛﻼﺛﺔ ﺍﺳﺘﺠﻮﺍﺑﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩ ﻗﺪﻣﻪ ﻧﺎﺻﺮ ﺍﻟﺒﻨﺎﻱ ﻭﺧﻤﻴﺲ ﻃﻠﻖ ﻋﻘﺎﺏ ﻭﺳﺎﻣﻲ ﺍﻟﻤﻨﻴﺲ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻭﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻭﻗﺪﻣﻪ ﻣﺸﺎﺭﻱ ﺍﻟﻌﻨﺠﺮﻱ ﻭﺟﺎﺳﻢ ﺍﻟﻘﻄﺎﻣﻲ ﻭﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﻲ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﻭﻗﺪﻣﻪ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻤﺮﺷﺪ ﻭﻓﻴﺼﻞ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺑﺎﻗﺮ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺎﻗﺖ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﺗﻪ ﺇﻓﺮﺍﻃﺎ ﻳﻬﺪّﺩ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺘﻴﻦ.
إن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻗﺐ ﻟﻠﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ الراهن ﻳﺸﺪّد ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺃﺩﺍء الحكومة، بسبب انتمائها سياسيا إلى أسرة الحكم وتمسّكها بالنهج السلطوي التاريخي، لن يختلف عن أداء مختلف الحكومات السابقة، والتي سعت جميعها وباستمرار إلى إضعاف التجربة الديمقراطية، في حين كان من المفترض على السلطة والحكومة قراءة المتغيرات العالمية الجديدة، لاسيما العلمية والتكنولوجية لا فحسب السياسية والاقتصادية، بصورة واقعية، إذ يُصعب في ظلّها تجاهل المطالب الإصلاحية. فهذه المتغيرات هيمنت على مختلف المشاهد السياسية حول العالم وأثّرت على مخرجات الكثير من الانتخابات وساهمت في مزيد من التفعيل لمختلف أنواع الرقابة وبالذات الشعبية.
إن عدم ثقة النواب اليوم في جديّة ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ في الإصلاح وفي معالجة ملفات الفساد، المتمثلة بغسل الأموال وتجارة البشر وصناديق الجيش والماليزي والاحتياطي العام، ﻭفي ﺗﺮﺩّﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ المتعلقة بالحقوق والحريات، كسجن الشباب ووضع المهجّرين، وفي سعيها لاستخدام المال العام لحل الأزمات السياسية في ظل تحدّيات متمثلة في انخفاض أسعار النفط، كالتوسع في العلاج بالخارج وتأجيل أقساط القروض، وفي تفريغ مجلس الأمة من محتواه التشريعي والرقابي… إن عدم الثقة هذا يُعتبر أمرا مشروعا، خاصة وأنه لا توجد أي مؤشرات تدل على أن الحكومة الحالية لديها خطط وتوجهات تختلف عن سابقاتها، فرئيسها الشيخ صباح الخالد كان وزيرا في حكومات فاحت رائحة الفساد منها لكنه لم يحرك ساكنا فيها. لذلك تُعتبر مشروعة، الاستجوابات المقدّمة ضده. فهو مصرّ على عدم قراءة نتائج انتخابات مجلس الأمة بصورة سياسية صحيحة، أو يتعمّد الترفّع عن مخرجاتها، إضافة إلى تجاهله المطالب بطرح برنامج عمل يحمل رؤية تنموية واقعية.
ويمكن الإشارة هنا إلى أربعة أحداث جرت خلال الفترة الماضية تدلّل على ما تم ذكره.
فمنذ الجلسة الأولى لمجلس الأمة الحالي، ساهم الخالد في تأجيج الأوضاع السياسية من خلال لعبه دورا رئيسيا في إنجاح انتخاب مرزوق الغانم رئيسا للمجلس فيما كان غالبية النواب (28 نائبا) قد صوّتوا لصالح منافسه. ثم ساهم في التأثير على نتائج انتخابات لجان المجلس. وجاء بعد ذلك ليعبّر عن ارتياحه لما شهدته الجلسة الأولى من فوضى تنظيمية لصالح الغانم. كل تلك المواقف اعتبرها النواب المعارضون تصعيدا لا مبرر له على أرض الواقع، ورفضا لمخرجات نتائج الانتخابات. لذلك، تم تقديم استجواب له “لمخالفته الصارخة لأحكام الدستور” عند تشكيل الحكومة، و”لهيمنة السلطة التنفيذية على مجلس الأمة” في انتخابات الرئيس واللجان، “ولمماطلة الحكومة في تقديم برنامج عملها”.
لكنه لم يمثُل للاستجواب وقدمت حكومته استقالتها.
بعد أقل من أسبوع على إعلان حكومة الخالد الجديدة، تم تقديم استجواب آخر له عنوانه “الانتقائية في تطبيق القانون”، يتعلّق بإحالة وزارة الداخلية عشرات المواطنين، بينهم نحو 15 نائبا، إلى النيابة العامة لمخالفتهم التدابير الاحترازية لمواجهة وباء كورونا. لكن بلاغات الوزارة استهدفت النواب المعارضين، فضلا عن أن بعض البلاغات يعود لثلاثة أشهر مضت. لذلك، اعتبر المراقبون خطوة وزارة الداخلية تصعيدية ومقصودة. ورغم أن أحد هذه الاجتماعات كان لتأييد النائب بدر الداهوم قبل قرار المحكمة الدستورية بشطبه من مجلس الأمة، إلا أن عقد الاجتماع حصل على موافقة وزير الداخلية فيما كانت دوريات الشرطة تحاوط مكان انعقاده. ثم جاءت حادثة شطب الداهوم لتصب مزيدا من الزيت على نار الأزمة السياسية، وتبعها انسحاب 28 نائبا عن جلسة قسم الرئيس والوزراء في المجلس، والتي تم فيها الموافقة على تأجيل الاستجوابات السابقة واللاحقة ضد الرئيس لمدة عام ونصف تقريبا.
يُفهم من خطوات السلطة والحكومة وتحركاتهما ضد النواب المعارضين، أن الهدف النهائي لكل ذلك هو عرقلة خطوات مجلس الأمة الهادفة إلى تغيير خريطة القرار السياسي، بتفريغ مجلس الأمة من محتواه، أو بتأزيم ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ. بل هناك ﺇﺻﺮﺍﺭ ﺣﻜﻮمي ﻋﻠﻰ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﺘﺄﺯﻳﻢ ﻭﻓﻖ ﻣﻘﺎييس خاصة، ﺃﺣﺪها ﻫﻮ ﺭﻓﺾ ﺍﻻﺳﺘﺠﻮﺍﺑﺎﺕ ﺿﺪ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، واستغلال المال لتغيير مواقف النواب والتأثير على الرأي العام، ما ﻳﺆﺷﺮ ذلك إلى ﺿﻴﻖ ﺻﺪﺭ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ من كشف الحقائق، ﻭتضرّرها ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ.
في عام 2009 قدم النائب فيصل المسلم استجوابا إلى رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد تكوّن من محورين، الأول هو مصروفات ديوان رئيس مجلس الوزراء والثاني شيكات الرئيس للنواب. ووضع ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻔﻴﻠﻲ ﺃﺻﺒﻌﻪ ﺑﺪﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺡ هذا الاستجواب/ الأزمة، وتساءل: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺤﺪﺙ ﺿﺠﺔ ﻭﺃﺯﻣﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﺳﺘﺠﻮﺍﺏ ﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ؟ ﻭأكد ﺑﺄﻥ ﺃﻫﻢ ﺃﺳﺒﺎﺏ ذلك يتمثل ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﺳﺘﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ “ﺃﺯﻣﺔ ﻭﺧﻂ ﺃﺣﻤﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ”. ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺍﻻﺳﺘﺠﻮﺍﺏ ﺃﺣﺪ ﺍﻻﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ ﻟﻠﺤﻮﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻓﺮﺍﻃﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﺠﻮﺍﺏ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻀﻴﻖ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﺴﻴﺮ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺃﻱ ﺣﻠﻮﻝ ﺗﺬﻛﺮ”.
ﻟﻘﺪ ﻣﺮّﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ﻣﻨﺬ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻋﺎﻡ 1962 ﺃﺭﺑﻊ ﺃﺯﻣﺎﺕ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﺪيمقراﻃﻲ ﺃﺩّﺕ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ، ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﺎﻡ 1967 ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺯُﻭّﺭﺕ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ، ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻞ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﻭﻋﻄﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ 1976 – 1980، ﻭ 1986 – 1992، ﻭﺗﺨﻠّﻠﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻮﺍﺟﻬﺎﺕ ﺃﻣﻨﻴﺔ، ﻭﺧﺮﺟﺖ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ، ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮّﺿﺖ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺧﻼﻝ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﻞ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ ﻟلمجلس ﻟﻠﺘﻘﻴﻴﺪ ﻭﻓﺮﺿﺖ ﺭﻗﺎﺑﺔ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺤﻒ. ﻭﻣﻨﺬ ﻋﻮﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻐﺰﻭ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ، ﺍﻧﺘﻬﺖ العديد من المجالس النيابية إلى اﻟﺤﻞ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ. ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ العديد من ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺎﻇﻢ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻲ. ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻟﻜﻠﻤﺔ ﺭﻗﺎﺑﻲ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪ ضد سياﺳﺎﺕ السلطة وﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻭﺃﺳﻠﻮبهما ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺒﻼﺩ. ﻟﺬﻟﻚ، ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﻻﻳﺰﺍﻝ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺴﻄﺢ، ﻭﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﺘﻒ.
إن وراء ﺍﻷﺯﻣات ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ في الكويت ﻟﻴﺲ ﺗﻌﺪّﺩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻭﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﺔ، ولا الصراخ وتعمّد التأزيم، ولا المزاعم بعدم إعطاء رئيس الوزراء الفرصة للعمل، ﻭﻻ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺎﺭ ﺍﺳﺘﻘﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺃﻭ ﺣﻞ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻻ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﻻ ﺍﻟﻤﺮﺽ. ﻓﺘﻌﺪّﺩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺎﺕ ﻭﺳﺨﻮﻧﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻼﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺘﻴﻦ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﺗُﻌَﺪّ من الأمور الطبيعية، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﺳﻮﻳﺔ، وإنما ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻤﺮّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﺫﺍﺗﻪ. ﻭﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﺑﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﻄﺮﺃ ﺗﻐﻴّﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ، ﻭﺫﻟﻚ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺨﻠﻞ ﺍﻷﺻﻠﻲ ﻓﻲ ﺻﻠﺐ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﺣﻴﺚ هناك إصرار على استمرار عدم التوازن في توزيع القوي في المجتمع، بين جهة تمتلك غالبية هذه القوى وجهة تمثل الأغلبية ولا تمتلك إلا جزءا صغيرا منها.
وبصرﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻭﻣﺎ ﻳﺘﻴﺤﻪ ﻟﻠﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺳﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺃﻭ ﺭﺋﻴﺴﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻳﻈﻞ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ سمو ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﺒﻼﺩ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺭﻓﺾ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻭﺯﺍﺭﻱ، ﺑﻞ ﻭﺣﻞ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ.
ﻓﺒﺨﻼﻑ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﺭﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺻﻼﺣﻴﺎﺕ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻬﺎﻡ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻴﺔ، ﻭﻻ ﺗﻤﺘﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻼﺣﻴﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﺘﻌﺪّﺩ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺧﻼﻑ ﺃﻳّﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺠﻤﻪ، ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻗﻮﺓ ﻓﻌﻠﻴﺔ ﺗﻤﻜّﻨﻪ ﻣﻦ ﺇﺟﺒﺎﺭ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺟﻊ ﻋﻦ ﻗﺮﺍﺭﻫﺎ.