حينما قدّمت الحكومة الكويتية السابقة برئاسة الشيخ جابر المبارك استقالتها في نوفمبر الماضي على وقع قضايا الفساد المالي وتم تحويل بعض المسؤولين إلى النيابة، كانت المهمة الرئيسية الملقاة على عاتق حكومة الشيخ صباح الخالد هي مواجهة مثل هذه القضايا وعدم التساهل معها، وقد ساهم الضغط الشعبي في تسريع استقالة المبارك، وإلى مطالبة الحكومة الجديدة بالجدّية تجاه مختلف عناوين الفساد، وبأن مصيرها في حال تخاذلت عن أداء دورها لن يختلف عن مصير حكومة المبارك.
ورغم أن سبب تفشي الفساد واستمراره قد يرتبط بطبيعة الدولة الريعية، أو بـ“ديمقراطيتنا“ المسماة بـ“العرجاء“، أو بـ“السياسات الحكومية“ التي فرضت على المواطن أن يطرق أبواب الفساد ليحقق مطالبه وينهي مشاكله، إلا أننا لا نستطيع أن نسد أعيننا عن فساد المواطن ايضا، ومن ثم عن إفساد الحياة العامة. لكن، هل المواطن والحكومة يتحمّلان بالتساوي مسؤولية تفشي الفساد، أم هناك دور أكبر يتحمله أحدهما؟
الواقع يقول إن الحكومة تملك غالبية المفاتيح التي يمكن من خلالها مواجهة الفساد ووقف تفشيه. فالفساد عادة ما ينمو ويكبر انطلاقا من فساد الحكومة، والأزمة الرئيسية التي تعاني منها الكويت اليوم تتعلق بالسلوك السياسي الحكومي، الذي لا يستطيع أن يتمكّن وأن يهيمن إلا عن طريق الفساد والإفساد، فالحكومة ومن خلال هذا النهج تحاول السيطرة على مفاصل الحياة السياسية وعلى التوازنات المرتبطة بها وكذلك على المصالح والمنافع المتعلقة بها.
يعي الشيخ صباح الخالد جيدا أسباب استقالة الحكومة السابقة واعتذار رئيسها عن تشكيل الحكومة، وإذا لم يدرك هو وحكومته مضامين هذه المسألة، أو تجاهلا رسائل الاحتجاجات الشعبية، فسيواجهان مصيرا مشابها لمصير الشيخ جابر المبارك وحكومته. فحينما نُظّم اعتصام في ساحة الإرادة مقابل مجلس الأمة في نوفمبر الماضي، كان الهدف هو الضغط على الحكومة السابقة لاتخاذ اجراءات للحد من تفشي الفساد.
ورغم أن استقالة حكومة المبارك كان لها علاقة بالرسائل الواردة من الإعتصام، وبخطوات وزير الدفاع السابق الشيخ ناصر الصباح تجاه “صندوق الجيش”، إلا أن استمرار ظهور المزيد من ملفات الفساد، خاصة ما يسمى بالصندوق السيادي الماليزي، من دون أن يواجَه بتحرك حكومي جدّي للمعالجة ومعاقبة المفسدين، سيكون بمثابة استخفاف بالاحتجاجات الشعبية. وإذا ما أوصلت السياسات الحكومية ضد الفساد الشعبَ إلى مرحلة فقدان الأمل في المعالجة، فإن ذلك سيكون بمثابة جرس إنذار سياسي واجتماعي.
وإلّا، فإن فسادنا يحتاج إلى معالجة سياسية، أي إلى إصلاح سياسي. فالمنظومة السياسية التي تدير شؤون الناس، والتي اعتدنا سلوكها، لا تستطيع أن تستمر من دون الاستعانة بنهج عدم محاسبة المفسدين، وكأنها تعتمد على ذلك وتستند إليه. والمعالجة السياسية قد تكون أسلم الحلول قبيل استفحال الأمور إلى ما هو أسوأ.
فلا يزال البعض يصرّ ويردد بأن الحكومة الشعبية فكرة خاطئة ولا تصلح، إلا أن الواقع يشير بأننا لا نحتاج إلى تغيير في النهج بقدر حاجتنا إلى حكومة تستطيع أن تقول للفاسد “لا“ بقوة القانون ومن خلال مراقبة ومحاسبة مسؤولة ومن دون أي إحراج. والحكومة الشعبية هي الأقدر على تحمل مسؤولية ذلك، فيما دأبت الحكومات ذات الشكل والتركيبة والنهج الواحد ولعشرات السنين على التنازل للفاسدين، لأنها لا تريد مواجهتهم، ولأن حماية الفساد نهج متبع عندها.