كشفت “جريدة الأحد” (“لو جورنال دو ديمانش”) الباريسية النقاب عن شبكة تبييض أموال مخدرات ابطالها لبنانيون يتهمهم الأميركيون بصلات مع “حزب الله”. وكشفت الجريدة أن هنالك 7 لبنانيين تم اعتقالهم في بين فرنسا وألمانيا، وتحدثت عن “مصرفيين لبنانيين” وعن “تواطؤات على مستوى عال” في مطار بيروت!
وفي السياق نفسه، ترد أسماء المحامي اللبناني الباريسي “بشاره طربيه” و.. فهد وسعد الحريري! علماً أنه يصعب تصديق أن يكون لآل الحريري صلة بمثل هذا الملف!
قام “الشفاف” بترجمة مقال “لو جورنال دو ديمانش” كاملاً بدون تعليق، بانتظار ما سيرد من معلومات!
*
“على حدّ علمك، هل كان مصدر الأموال التي تم جمعها هو تجارة المخدّرات”؟
“كلا”، يجيب اللبناني “محمد نور الدين” (٤١ سنة)، “أنا أعمل بالأموال، وليس بالمخدرات… ظننت أن بعض الأشخاص كانوا يريدون إيداع أموالهم في بلد آخر، كنت أعتقد أن المسألة كانت مسألة تهرّب من دفع الضرائب”.
دار الحوار السابق بين محققي جهاز “المكتب المركزي لمحافحة الجنح المالية الكبرى” في الجلسة التاسعة لاستجواب “محمد نور الدين” منذ توقيفه في مطار “رواسي”، في يوم ٢٤ كانون الثاني/يناير، فور وصوله بالطائرة من بيروت. ومكان الحوار هو “مستشفى أوتيل ديو” بباريس الذي نُقِلَ إليه “نور الدين” لأنه يعاني من “السكّري”.
.وحينما كرّر المحققون الفرنسيون السؤال، بحضور زملائهم من وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، كان جواب المتّهم “أفضل الإحتفاظ بالصمت”!
محور باريس-بيروت
لقد تصفّحت “جريدة الأحد” (“لو جورنال دو ديمانش”) ملفّ تبييض الأموال الدولي، الذي تختلط فيه أسماء مهرّبي مخدّرات كولومبيين، ومصرفيين لبنانيين، وعملاء لـ”وكالة مكافحة المخدرات” (“دي إي آي”) الأميركية. ملف يتعلق بملايين اليورو التي يتم تجميعها في أنحاء أوروبا قبل “تبييضها” بين باريس وبيروت بفضل نظام بارع للمقاصة يقوم على تجارة السيارات المستعملة وساعات اليدّ الغالية. وتم اعتقال 5 لبنانيين، بينهم “محمد نور الدين”، في باريس في شهر يناير. ووُضع 3 منهم قيد الإعتقال المؤقت. ثم انضمّ إليهم، في الأسبوع الماضي، اثنان آخران كان قد تم اعتقالهما في ألمانيا، وذلك بعد مثولهما أمام القاضي الفرنسي “بودوان توفينو”، المسؤول عن “ملف الأرز”!
نقطة البداية: جهاز مكافحة المخدرات الأميركي
كان كل شيء قد ابتدأ قبل سنة، في يناير 2015، حينما قام ضابط الإتصال في “وكالة مكافحة المخدرات” الأميركية بإطلاع زملائه الفرنسية على الخطوط الكبرى للشبكة: أي، كيف يقوم مهرّبو المخدرات الكولومبيون بتحصيل الأموال الناتجة عن بيع “الكوكايين” في أوروبا؟
وحسب موظفي الجهاز الأميركي، فإنهم كانوا يعتمدون، منذ العام 2013، على نظام لتجميع الأموال يتّسم بطابع دولي لأنه يمتد من اميركا الجنوبية، إلى أوروبا، وإلى الشرق الأوسط. وكان لدى الأميركيين إثباتات. فبفضل “عملائهم” الذي تسلّلوا إلى الشبكة، فقد تمكّنوا عدة مرات من ضبط عمليات نقل اموال، بينها عملية نقل 8 مليون يورو في هولندا وبلجيكا، في الأشهر الأخيرة. وطالت العملية الأخيرة “علي ابراهيم شيخ علي”، وهو ألماني من أصل لبناني، عمره 53 سنة، وتم اعتقاله قرب “روتردام”. وعثرت الشرطة، في حقيبة “أديداس” موضوعة خلف مقعد السائق في سيارة “تويوتا” مسجّلة في ألمانيا، على مبلغ ٥٠٠،٠٢٠ أور (خمسمئة ألف و20 أورو). وكان معظم المبلغ مؤلفاً من أوراق نقدية بقيمة 20 أو 50 يورو.
محصّلو أموال في “الفرن” و”الطاحون”!
وحسب المحققين الأميركيين، فإن “المشرف” الرئيسي على العملية يدعى “أليكس”، وهو يعتمد على شبكة من مكاتب الصرافة والسماسرة في لبنان، وفي كولومبيا. من جهته، ركّز التحقيق الفرنسي الأوّلي على دور “المنسّق”، وهو “محمد نور الدين”، وعلى صهره “حمدي زهر الدين”، الذي يعمل محاسباً في شركة “ترايد بوينت إنترناشينال”، وكذلك بصورة خاصة على محصّلي الأموال الذين تمّ التعرّف إليهم بفضل عمليات “التنصّت” على أرقام الهاتف العديدة التي كان “محمد نور الدين” يستخدمها. وتم فتح ملف قضائي يتعلق بـ”تبييض الأموال”، و””المخدرات”، و”جمعية مجرمين”، في فبراير 2015.
وقضى المحققون الفرنسيون وقتاً طويلاً للتعرف على “الرموز” التي تستخدمها الشبكة. مثلاً، “فولفو 75” تعني 75000 أورو. أما “كميون” فتعني 1 مليون أورو. أما “الساعة” فتعني 100 ألف أورو. و”نصف ساعة” تعني 50 ألف أورو.
من جهة أخرى، هنالك شبكة”الطاحونة”، أي هولندا، وشبكة”الفرن”، أي بلجيكا، ويرمز “الفرن” في الواقع إلى صالون حلاقة في مدينة “أنفير”.
وتنصّت رجال الشرطة لأعضاء الشبكة وهم يتذمرون من الأوراق المالية الصغيرة (110 بينها 80 زبالة”(أي 80 ألف أورو كلها اوراق 20 أورو). ولتمييز أعضاء الشبكة المفضّلين الذين يورّدون أوراق 50 أورو، فإن أحد أعضاء الشبكة يقول “هذا مقاسه 50 دائماً”!
ومن بيروت، كان “محمد نور الدين” وصهره “زهر الدين” يعطيان التعليمات: “هذا، قل له فقط أنك من طرف “الحاج”! أو تعليمات بالحذر، مثلاً حينما يتم “فتح خط جديد”، وحينما يمكن أن تكون البضاعة “غير عالية الجودة”. كما كانا يتفاوضان حول عمولتهما (2،5 بالمئة من زبون يتحدث عن تحصيل 1 مليون أورو أسبوعياً)، أو يتولّيان توزيع الأموال التي يتم تحصيلها.
وفد نجحت الشرطة الفرنسية في تعيين مالكي أرقاام الهاتف التي كانت ترنّ في كل أنحاء أوروبا، كما نجحت خصوصاً ف تحديد أسماء فرق العمل: مثلاً، “حسن طرابلسي”، ولقبه “سمير”، وهو صاحب كاراج في “دوسلدورف”، ومعه أقرب مساعديه، “جمال خليل”، ولقبه “جيمي”، الذي كان قد جهّز مخبأ للأموال تحت مساحات الزجاج في سيارته، والذي تبيّن أنه كان يختلس٥٠٠٠ أورو من كل عملية “تحصيل”! وبمعدّل عمليتي تحصيل في الأسبوع، تبيّن لرب عمله أنه كان يختلس ٤٠ ألف أورو شهرياً.
ولهذا السبب، تمّ استبداله بـ”علي زبيب”، الذي كان يعشق شراء ساعات اليد المرتفعة الثمن في ألمانيا، والذي كان يتولّى عمليات التحصيل بمساعدة إبن “صديقته”، “علي منصور”…
كما كشفت الشرطة وجود شبكة لبيع السيارات، ولنقل الأموال، في “ساحل العاج”. وتنصتت الشرطة على أحد اللبنانيين الذين تم اعتقالهم وهو يقول لمراسله في “ساحل العاج”: “قل لي، هنالك أغراض في باب سيارة “ياريس”! فيجيبه مراسله في إفريقيا: لا تقلق، استخرجتها”!
كما كشفت الشرطة الفرنسية وجود “تواطؤات على مستوى عالٍ” في مطار بيروت..!
وبفضل نظام “جي بي إس”، كان يتم تتبّع كل عملية تسليم أموال، وكانت عمليات “التنصّت على الهاتف” تؤكّد صحة معلومات”جي بي إس”: ١٣ مليون أورو في العام ٢٠١٥.
١٢٥ ألف أورو من “وكالة مكافحة المخدرات” الأميركية
لكن الأموال التي كان يتم تحصيلها لم تكن تذهب كلها إلى لبنان. فبفضل نظام مقاصة غامض، تم تحصيل ٥٠٠ ألف أورو في بلجيكا في ديسمبر ٢٠١٥، وتم توزيع أكثر من نصفها إلى مراسلين في ألمانيا، وإلى محامي باريسي (أنظر لاحقاً ما يرد حول المحامي “بشارة طربيه”). أما بقية المبلغ فكان من نصيب “علي زبيب”.
وقال مصدر قريب من التحقيقات أن علي زبيب “كان يحصل الأموال نقداً في أوروبا، ويشتري ساعات لوكس لتصديرها إلى لبنان حيث يقوم شقيقه ببيعها في محل مجوهرات يملكه في بيروت. ثم يتم تسليم حصيلة بيع الساعات إلى “نور الدين”.
وتقدّر الشرطة أن “علي زبيب” كان ينفق ٨٠٠ الف أورو شهرياً لشراء الساعات في العام ٢٠١٤. وهنالك تفصيل طريف: فمع أن نقل الساعات كان يتم بواسطة أشخاص مختلفين، فإن “علي زبيب” كان يبدي حرصاً شديداً على إرسال علب الساعات الأصلية، وأوراقها، وشهادات إثبات منشأها، على حدة لتسهيل بيعها.
وبعد ذلك؟ لقد اعترف “محمد نور الدين”، الذي ينشط كذلك في تجرة الذهب والمجوهرات والعقارات، أنه كان يعمل تحت أوامر شخص يدعى “عبّاس ناصر”، المتزوج من إحدى نجمات التلفزيون والأغنية في لبنان، والذي يملك مكتب “صرافة” في نيجيريا…
بالمقابل، نفى “محمد نور الدين” أن يكون قد عمل مع “حزب الله”!
الأميركيون يتّهمون حزب الله
ولكن العلاقة مع “حزب الله” هي إحدى حجج الأميركيين الذين أعلنوا، في يوم اعتقال “محمد نور الدين” في باريس، عن تجميد أمواله كإجراء لمكافحة تمويل الإرهاب (“لو جورنال دو ديمانش” بتاريخ ٣١ يناير). كما قام الأميركيون بجمع معلومات في أميركا الجنوبية. إن “الكارتيلات” التي تتعامل مع الشبكة اللبنانية هي إما مكسيكية أو كولومبية. وتم تسجيل إتصالات هاتفية بين مهربي مخدرات من البلدين و”محصّل أموال” لبناني، خصوصاً أثناء عملية تسليم أموال حصلت في ضاحية “مونتروي” الباريسية في فبراير ٢٠١٥.
ولكن محصّلي الأموال اللبنانيين كانوا يرتادون منطقة “الشانزيليزيه” بصورة خاصة: حفلات غداء في مطعم “الفوكيتس” الشهير، وغرف في فندق “برانس دو غال”، وعمليات تسوّق في محلات “فويتون”..
والواقع أن جهاز مكافحة المخدرات الأميركي نجح، في جادة الشانزيليزيه”، في نصب فخ لـ”مصرفي لبناني” في غرفة بـ”بالاس” كان قد تم تجهيزها مسبقاً بنظام لالتقاط الأصوات والتصوير.
وفي جادة الشانزيليزيه، أيضاً، تمّت تحت رقابة مشددة من الشرطة، عملية تسليم أموال نقدية بقيمة ١٢٥ ألف دولار. وكان المبلغ، الذي أمّنته وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، قد وصل قبل يومين من الولايات المتحدة.
ما دور المحامي بشارة طربيه.. وفهد وسعد الحريري؟
ماذا كان يقصد “علي زبيب” حينما أعلن أثناء استجوابه أنه “حيث أن الأموال كانت تمرّ بمحامي رئيس الحكومة اللبنانية، فلم يكن باستطاعتي أن أعرف أنها أموال قذرة”؟
وحينما استجوبته الشرطة حول رحلته الأخيرة إلى باريس في شهر يناير، قال: “التقيت مع صديقي عبد المحو وطلبت منه خدمة لي أن يذهب لتسليم مبلغ ١٠٠ ألف أورو للمحامي بشارة طربيه. وأشدّد على أنه محامي الرئيس سعد الحريري”.
ويؤكد صديقه، الذي يعرف عنوان مكتب المحامي في “أفينو ألفان” في الدائرة ١٦ من باريس، تلك الرواية مضيفاً أنه كان قد قام بتسليم مبلغ آخر في شهر ديسمبر: “قال لي علي زبيب بأنه محامي عائلة الحريري ولكنني لا أعرف الشخص الذي كانت الأموال موجّهة له”.
حينما طرحت الشرطة السؤال على “علي زببيب”، فقد أجاب بدون تردد “لسعد الحريري”! وأضاف: “إن المحامي هو الذي قال لي ذلك. كما أذكر أن “حسن طرابلسي” كان قد أخبرني أنه دفع للمحامي نفسه مبلغ ٧ مليون أورو لصالح سعد الحريري”.
طلب مواجهة
إن سجل الإتصالات الهاتفية يؤكّد، جزئياً، صحة أقوالهما. فقد تمكن المحققون من تحديد رقمي هاتف: رقم المحامي بشارة طربيه (الذي كان رقم هاتفه النقال موجوداً في سجل اتصالات “شيخ علي”، الذي كان قد نقل مبلغ ٥٠٠،٠٢٠ أورو والذي تم اعتقاله في ديسمبر ٢٠١٤)، ورقم “فهد الحريري”، شقيق سعد، الذي يقيم في “جادة فوش”.
لقد اتصلت “جريدة الأحد” بالمحامي طربيه الذي قال أنه مصاب بالذهول: علي زبيب، عبد المحو؟ “لا أعرف هذين الشخصين. ولكن إسم طرابلسي يعني لي شيئاً. هذا الشخص ألماني، وقد أوصته سفارة لبنان بالتعامل مع مكتبي لأنه كان يريد تقديم استئناف ضد حكم لقيادة سيارة بسرعة فائقة، ولكن ذلك ليس اختصاصي…”.
من جهته، قال فهد الحرري في بيان: أنا رجل أعمال وتنحصر مداخيلي في شركتي وف نشاطاتي الإقتصادية وكلها شفافة…”. وأضاف: “أنه مستعد للإستجابة لأية سلطة مؤهلة”.
أما سعد الحريري، فقد نُقل عنه أنه “لا يقيم أية علاقة شخصية أو مهنية مع المحامي طربيه.”!
“من المؤكد أن هنالك نقاطاً غامضة، ولا بد من جلائهان في هذا الملف”، حسب المحامي دوني تايي-إيشيلور، وهو محامي “عبد المحو. أما محامي “علي زبيب”، وهو المحامي إيفان إيتزكوفيتش، فقد طلب الإستماع إلى السيدين طربيه والحريري، ومواجهة المحامي مع زبونه علي زبيب وصديقه عبد المحو.