(الصورة: رئيس الحكومة السورية الدكتور يوسف زعيّن يصافح الرئيس جمال عبد الناصر، وخلفه اللواء صلاح جديد)
بين البعثي السنّي الساذج الآتي من الريف والعلوي الماكر الآتي من القرداحة والباحث عن غطاء لنظام اقلّوي… ضاعت سوريا. الساذج هو الدكتور يوسف زعيّن الذي كان رئيسا للوزراء حتّى العام 1970. والماكر هو حافظ الأسد الذي عرف كيف يضع كلّ الرفاق البسطاء من نوع زعيّن ونور الدين الأتاسي وصلاح جديد في السجن بعدما تبيّن ان الفارق بين عقله المركّب وعقولهم البدائية ذات الرؤية الأحادية فارق كبير، بل كبير جدّا.
لا يشبه هذا الفارق سوى المسافة التي تفصل بين الحلم والحقيقة وبين الخيال والواقع. لم يكن من مجال لأيّ مقارنة من ايّ نوع بين حافظ الأسد وخصومه. كان متفوّقا عليهم في كلّ المجالات والميادين، ان من ناحية الذكاء الحاد والشيطاني الذي يُستغل في مجال الهدم او من ناحية المعرفة بالتعقيدات الإقليمية والدولية وكيفية التعاطي معها.
كان خصوم حافظ الأسد اقرب الى نكتة من ايّ شيء آخر مقارنة مع شخص عرف كيف يبني على كلّ خطأ ارتكبه هؤلاء وصولا الى تحوّله الى لاعب اقليمي مستفيدا حتّى، والى ابعد حدود، من خصمه العراقي صدّام حسين الذي كان يعرف في كلّ شيء ما عدا في السياسة وفي ما يدور في الإقليم والعالم.
اذاب حافظ الأسد خصومه في كوب، وشربهم مع الماء الذي في الكوب وراح يتفرّج عليهم في السجن او في المنفى، كما حال العلوي الدكتور ابراهيم ماخوس الذي فرّ الى الجزائر بعد انقلاب السادس عشر من تشرين الثاني ـ نوفمبر 1970، وهو الإنقلاب الذي قاده حافظ الأسد واحتكر بعده السلطة واقام نظاما خاصا به.
قبل ايّام، انطفأ يوسف زعيّن الذي خرج من السجن الأسدي في العام 1981 بعدما اصيب بمرض عضال واظهرت التقارير ان موته مسألة ايّام. لكنّ الأطباء في بريطانيا والسويد استطاعوا معالجة السرطان. انتقل زعيّن بعد ذلك للإقامة في بودابست حيث امضى السنوات الأخيرة من حياته في غرفة متواضعة.
عاش اكثر من نور الدين الأتاسي وصلاح جديد اللذين قضيا في السجن واكثر من ابراهيم ماخوس الذي توفّى في منفاه الجزائر في العام 2013. اي بعد ثلاثة واربعين عاما من خروجه من وزارة الخارجية السورية.
حكمت المجموعة التي ضمّت الدكتور نور الدين الأتاسي والدكتور يوسف زعيّن والدكتور ابراهيم ماخوس واللواء صلاح جديد واللواء حافظ الأسد سوريا بين 1966 و 1970. تجمع بين الخمسة المسؤولية عن حرب 1967، حين كان الأسد وزيرا للدفاع.
دمّر الخمسة سوريا، كلّ على طريقته، علما ان الأتاسي وجديد وماخوس وزعيّن كانوا اقرب الى السياسيين الهواة من اي شيء آخر مقاربة بحافظ الاسد الذي عرف كيف يتلاعب بهم الواحد تلو الآخر.
جمع بين الاطباء الثلاثة نورالدين الأتاسي ويوسف زعيّن وابراهيم ماخوس انضمامهم الى الثورة الجزائرية في خمسينات القرن الماضي والعمل الى جانب الثوّار في معالجة الجرحى، وذلك قبل عودتهم مجددا الى سوريا وشغل مناصب عليا في الدولة بعد انضمامهم الى حزب البعث.
ما يجمع بين الدكاترة الثلاثة وصلاح جديد نظافة الكفّ والتقشّف والجهل بالعالم وبكيفية بناء الدول الحديثة وبالمعادلات الإقليمية. لعلّ اهمّ ما ميّز هؤلاء تجاهل موازين القوى ورفضهم اخذ العلم بها. وهذا ما سهّل الى حد كبير خسارة الجولان في حرب 1967.
لا شكّ انّ زعيّن، الآتي من الريف، من البوكمال (محافظة دير الزور) على الحدود العراقية تحديدا، كان يمتلك كلّ النيات الطيبة بدليل انّه لعب دورا اساسيا في انشاء سدّ الفرات، ابتداء من العام 1968، بمساعدة سوفياتية. لكنّ المأساة كانت، في جانب منها فقط، في مشروع الإصلاح الزراعي الذي عمل على تطبيقه عندما كان وزيرا للزراعة.
ادّى الإصلاح الزراعي، الذي قام على مصادرة اراضي كبار الإقطاعيين والمالكين وتوزيعها على صغار الفلاحين، الى القضاء على الزراعة في سوريا ومنعها من التطوّر. نشر الإصلاح الزراعي الفقر والبؤس في سوريا. هرب اصحاب الثروات، فيما لم يمتلك الأصحاب الجدد للأرض اي خبرة في مجال الزراعة. لم يكن كافيا ان تكون عملت في الزراعة عند صاحب الأرض كي تصبح خبيرا زراعيا وكي تمتلك الإمكانات التي تسمح لك باستغلال الأرض. كانت تلك بديهيات لم يفهمها زعيّن ورفاقه الذين بدا ان الحقد على اصحاب الثروات والاملاك يعمي قلوبهم. كانوا مجموعة هواة تتعاطى في الإقتصاد والسياسة…
هناك معادلات بسيطة لم يستوعبها الدكتور زعيّن ورفاقه من المنتمين الى اليسار الطفولي الذي استكمل التأمينات في مجال الصناعة بموازاة السير في سياسة خارجية من النوع المضحك ـ المبكي وصلت برئيس الوزراء السوري وقتذاك الى مهاجمة لبنان حيث الديموقراطية المزدهرة التي كانت تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية في مجلس النوّاب بقارق صوت واحد.
استأهل زعيّن في العام 1968 او 1969، لست اذكر التاريخ تماما، رسما كاريكاتوريا من بيار صادق، رحمه الله” صدر في جريدة “النهار”. كان صاحب فكرة الرسم الكاريكاتوري الصحافي الراحل ميشال ابو جوده، وظهر فيه مغن بثياب القروي اللبناني يعزف على العود مردّدا: “ميّل يا زعيّن… يا زعيّن ميّل… ميلّك ميولة، ايّلك ايلولة، تشرب فنجان قهوة، نعملك تبّولة”، وذلك على وزن الاغنية المشهورة “ميّل يا غزيّل”.
كان كاريكاتور “النهار” بمثابة تذكير لزعيّن وامثاله بان معظم الذين حكموا سوريا في الماضي، انتهوا لاجئين سياسيين في لبنان. وهذا ما يفسّر ذلك الحقد لدى ما يُسمّى بـ”بعثيي سوريا” على البلد الجار، وهو حقد تجلّى باقبح مظاهره في عهد حافظ الأسد، ثمّ في عهد الأسد الإبن.
اكتفى يوسف زعيّن ورفاقه في تخريب سوريا من داخل. لم يستطع هؤلاء حتّى تخريب الأردن عندما سعوا الى ارسال دبابات مموّهة في العام 1970 لنجدة المسلحين الفلسطينيين، غير آبهين انّ تلك كانت مساهمة في اطالة الحرب الداخلية في المملكة الهاشمية وارهاق مزيد من الدماء من جهة واستخفافا بقدرة “الجيش العربي” على تلقينهم درسا لا ينسى من جهة اخرى.
استفاد حافظ الأسد من اداء خصومه. بلور نظاما استمر بين 1970 و 2011، تاريخ اندلاع الثورة الشعبية التي تعاني من حصار عالمي ومن رغبة واضحة لدى اطراف عدّة، اقليمية ودولية، في الإنتهاء من الكيان السوري.
كان التخريب الذي تسبّب به يوسف زعيّن ورفاقه تخريبا موضعيا، في معظمه. استهدف هذا التخريب خصوصا نسيج المجتمع السوري، فضلا عن الحياة السياسية والإقتصاد على الرغم من انّه لا يمكن الإستهانة بما خلفته حرب 1967 على الصعيد الإقليمي.
في عهد البعث اليساري، الذي تعبّر عن عقمه وعن الفراغين السياسي والإقتصادي اللذين يعاني منهما خسارة الجولان في مقابل المحافظة على النظام وحمايته، لم تكن المذهبية والطائفية اطلّت بتلك الوقاحة التي اطلّت بها في عهد حافظ الأسد.
في عهد الأسد الأب، الذي ساعدته رعونة خصومه في الوصول الى السلطة وحكم سوريا التي صار اسمها “سوريا الأسد”، بدأت المنطقة تتغيّر، خصوصا بعد قيام الحلف الجديد بين طهران ودمشق مباشرة بعد الثورة الخمينية في 1979.
خاض هذا الحلف حربا مع العراق من منطلق مذهبي في العمق. كان الرابط المذهبي في اساس هذا الحلف الذي ما زال يعمل على تدمير لبنان بعدما قضى على كلّ امل لدى الفلسطينيين في تحقيق بعض ما يصبون اليه على صعيد قيام دولة مستقلة لهم. حارب حافظ الأسد القضية الفلسطينية عبر اغراق ياسر عرفات، اسير عقدة الجغرافيا، في حروب لبنان رافعا في الوقت ذاته شعار “القرار الفلسطيني المستقلّ (مجرّد) بدعة”. قتل من الفلسطينيين، هو وادواته اللبنانية والفلسطينية اكثر بكثير مما قتلت اسرائيل.
خدم يوسف زعيّن حافظ الأسد من حيث لا يدري. سهّل مع رفاقه انتقال سوريا من مرحلة السقوط تحت حكم المخرّبين الهواة الى حكم المخرّب المحترف والماكر الذي يصعب في السنة 2016 التكهّن بكمية الضرر الذي سيلحقه ابنه بالبلد نفسه وبالمنطقة كلّها.
مسكينة سوريا التي كانت، ولا تزال، تمتلك بعض افضل العقول في المنطقة كلّها، بدليل المشاركة في نهضة لبنان في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي في حقول التجارة والصناعة والمصارف والمقاولات والبناء.
شارك في حكم سوريا هواة من نوع يوسف زعيّن تمهيدا للوصول الى محترف من طينة حافظ الأسد عرف كيف يتاجر بالجولان وفلسطين وبعدائه لصدّام حسين، في حين كان يؤمن في قرارة نفسه بان الإنتصار على لبنان، وهو الإنتصار شبه الوحيد الذي كان يعني له شيئا، بديل من الإنتصار على اسرائيل!
يوءسفني ان أقول ان المقال ساذج جدا حيث أهمل الكاتب كليا اللاعب الغربي وبالأخص الثلاثي فرنسا، بريطانيا وإسرائيل… أضافه للولايات المتحدة لاحقا ومفهوم الذكاء وتعريفه عند السيد خيرالله فهو غريب حيث يصف السفّاح السوري الأب بالذكاء… يا سيد خيرالله الاسد الأب كان إنسانا يجمع بين الخبث والشر وسياسه خليفته التي دمرت سوريا هي إثبات لذلك…..كل سوري كان يعرف ان سياسه الاسد الأب في القمع والتهميش والطائفيه ستؤدي عاجلا ام اجلا الى ما وصلت اليه الان… من ناحيه تدميره للبنان فان دخول قوات النظام للبنان كان تنفيذا لاوامر اسياده الإسرائيليين ومن خلفهم أمريكا وإلا فمن رابع المستحيلات ان يسمح ‘بضم الياء’… قراءة المزيد ..