تساءلت الصحيفة الامريكية عن أسباب خلو خارطة دولة الدواعش من إسم بنغلاديش
منذ تسلمها منصبها رسميا كرئيسة لحكومة بنغلاديش في يناير 2009 في اعقاب فوز حزبها الساحق في انتخابات 2008 البرلمانية، لم تتوانَ “الشيخة حسينة واجد” عن ملاحقة التنظيمات الارهابية والمتطرفة في بلدها، خصوصا وأنها شخصيا كانت مستهدفة من قبل هذه التنظيمات في واحدة من أبشع الأعمال الإرهابية التي عرفتها بنغلاديش منذ قيامها. والاشارة هنا إلى ما حدث في أغسطس 2005، حينما قام “حزب المجاهدين” (تنظيم بنغالي متشدد تأسس في عام 1998 ) بزرع 500 قنبلة محلية الصنع في 64 موقعا مختلفا في طول البلاد وعرضها، من بينها تجمع إنتخابي عام لحزب “رابطة عوامي” (حزب الشيخة حسينة التي كانت وقتذاك زعيمة للمعارضة).
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها السيدة واجد في مجال مكافحة الإرهاب وإدانة أربابها وإصدار الأحكام القوية ضدهم، وعلى الرغم من الدعم الدولي والإقليمي الذي حظيت به، خصوصا في أعقاب ظهور زعيم تنظيم القاعدة المدعو “أيمن الظواهري” في سبتمبر 2014 في شريط فيديو وهو يدعو البنغلاديشيين إلى رفع أعلام الجهاد في جنوب آسيا، فإنه لا يمكن القول أن بنغلاديش في مأمن من مخاطر الإرهاب العابر للحدود، أوأنها لن تكون معبرا للمتطرفين إلى دول آسيوية آمنة.
ويمكن هنا الإشارة إلى عدد من الحوادث التي وقعت مؤخرا والتي تؤكد صحة قولنا. ففي يوليو الماضي تم اعتقال 12 شخص اشتبه بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة، وفي أكتوبر الماضي إعتقلت الشرطة عددا من البنغلاديشيين وهو يجندون الشباب للقتال مع تنظيم داعش في العراق وسوريا، وفي سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر المنصرم تبنى الدواعش العمليات الأربع التالية في بنغلاديش: طعن قس كاثوليكي ايطالي، وقتل عامل مساعدات إيطالي الجنسية واغتيال الياباني ” كونيو هوشي”، وقتل مواطن مسؤول عن موقع اليكتروني تابع للصوفيين. وبالتزامن مع كل هذه التطورات لوحظ أيضا تزايد أعداد المجموعات الميليشياوية المرتبطة بالمدارس الإسلامية المتطرفة أي على غرار ما كان يحدث في أفغانستان. ومن أشهر هذه المجموعات مجموعة “حفاظات إسلامي” التي تمثل تحالف مدرسي وطلبة المدارس الاسلامية التقليدية، وهي تلقى الدعم من حزب “جماعت إسلامي” ثالثة القوى السياسية في البلاد من بعد حزبي رابطة عوامي وحزب بنغلاديش الوطني.
وفي السياق نفسه، تجدر بنا الإشارة إلى أمر غريب وقع في نوفمبر المنصرم. فقد تطرقت صحيفة “ناشيونال انتريست” الأمريكية إلى أن تنظيم داعش نشر خريطة للدول والأماكن التي سوف يضرب فيها من أجل أن يرفع عليها علم دولته الإسلامية المزعومة، ثم تساءلت الصحيفة بدهشة عن أسباب خلو تلك الخريطة من إسم دولة ذات غالبية إسلامية كبيرة هي بنغلاديش. وقد قدمت الصحيفة بنفسها الإجابة زاعمة أن السبب يكمن أولا في وجود عدد معتبر من المواطنين الأوروبيين من ذوي الأصول البنغالية يعملون كمرتزقة في صفوف داعش. ويكمن ثانيا في مرور بنغلاديش بحالة من الغليان السياسي الذي قد يصب في مصلحة عناصرها وجماعاتها المتشددة المتوائمة مع الفكر الداعشي، وبما يجعل هذه البلاد وجهة مستقبلية للتنظيم دون عناء، خصوصا وأن بوابتيها الخلفيتان تتمثلان في بلدين يشهدان نفوذا داعشيا متناميا وهما أفغانستان وباكستان.
ولم يمر سوى أيام معدودات على كلام الصحيفة المذكورة، إلا وداعش يتبنى ــ من خلال إعلان من خمس صفحات على موقعه الالكتروني تحت عنوان “إحياء الجهاد في أرض البنغال” ــ هجوما مسلحا على مسجد للشيعة في “شيبغانغ” التي تبعد نحو 125 كلم الى الشمال من “دكا”، حيث قام أفراد مسلحون باقتحام المسجد اثناء صلاة المغرب وفتحوا نيرانهم على المصلين، فقتلوا المؤذن وأصابوا ثلاثة مصلين أبرياء.
وبطبيعة الحال فقد مرت هذه الحادثة مرور الكرام ولم تحظَ حتى بعشر معشار الإهتمام العالمي الذي منح لهجمات باريس الاجرامية. بل نسي العالم حقيقة أنه إذا كانت فرنسا هي بلاد التنوير والتسامح والديمقراطية في أوروبا، فإن بنغلاديش تجسد الشيء نفسه في جنوب آسيا. فهي منذ قيامها ككيان مستقل دولة ديمقراطية علمانية، وشعبها صاحب تاريخ طويل في التسامح وقبول الآخر بدليل مشاركة مكوناته المختلفة بعضها البعض في أعيادها الدينية، والغالبية العظمى من سكانها المسلمين ترفض العنف والتطرف، واضعة نصب أعينها هدفا واحدا هو تحقيق الرخاء الاقتصادي والارتقاء بالمستويات المعيشية.
وكي تحافظ بنغلاديش على هذه السمة الحضارية، وبالتالي تمنع الدواعش وأنصارهم من الحركات المتشددة والمتوحشة في جنوب ووسط آسيا من اتخاذها معقلا لهم للإنطلاق نحو المجتمعات الآمنة في آسيا، فإن المطلوب هو قيام المجتمع الدولي بجهود حثيثة لفرض نوع من التفاهمات بين الاحزاب السياسية المتصارعة وصولا إلى خلق حالة من الاجماع الوطني الكفيل بالتصدي للفوضى والعنف والانفلات. ذلك أن جزءا كبيرا من الأسباب التي ساهمت في بروز الجماعات الدينية المتطرفة على الساحة البنغلاديشية ــ إضافة إلى عوامل تفشي الفساد والفقر والبطالة وشعور الأجيال الشابة بالإحباط والتهميش ــ هو تناحر الأحزاب حول السلطة والذي خلق بدوره وضعا يستجدي فيه الحزب الحاكم أحيانا الدعم السياسي من أحزاب وجماعات صغيرة معروفة بالإرهاب والتطرف على نحو ما حدث قبل عدة سنوات حينما تحالف حزب بنغلاديش الوطني بقيادة رئيسة الحكومة السابقة خالدة ضياء مع حزب “جماعت إسلامي” صاحب التاريخ العنيف منذ حرب الاستقلال في عام 1971 ، والذي يمثل الفرع البنغلاديشي لجماعة الإخوان المسلمين.
* استاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh