بعد قراءة الخبر التالي، ننصح القارئ بالعودة إلى مقالٍ كان “الشفاف” قد نشره في ١١ مارس ٢٠٠٥ للراحل العظيم جمال البنّا (الشقيق الأصغر لمؤسّس “الإخوان المسلمين”، حسن البنّا) بعنوان “الشيخ بو زيان” (نعيد نشره أدناه)، وكان ردّاً على مقال مدهش نشره “الشفاف” بعنوان “ قرآنيون فقط: ردّ على جمال البنا“، بتوقيع “الشيخ الزياني” الذي نعتقد أنه كان إسماً مستعاراً.
ولا بدّ أيضاً من التذكير بأن الطاغية جعفر نميزي، ووزير عدله آنذاك حسن الترابي، أمرا بإعدام المُصلِح الإسلامي، الأستاذ محمود طه، في في يوم 18 يناير 1985، وأمرا بدفنه في مكانٍ ليس معلوماً حتى الآن! أدين الأستاذ محمود طه بتهمة الردة عن الإسلام. وهي تهمة نفاها طه، الذي أصر حتى النهاية، أنه ليس مهرطقا، أو مرتدا عن الإسلام، وإنما مصلح ديني، ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية، والطريقة التي فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري..”.
كلما واجه نظام سوداني مأزقاً، ومقاومة من الناس، كلما لجأ إلى تهمة “الردّة” لإرهاب الناس.
الشفاف
*
وكالة الصحافة الفرنسية- وجّه قاض سوداني تهمة الردة الخميس الى 25 مسلما سودانيا من “طائفة القرآنيين” وهي عقوبة قد تصل الى الاعدام في حال ادانتهم المحكمة بهذه القضية.
وقال القاضي عبد الله عبد الباقي مخاطبا المتهمين “اتهمكم بانكم تعتقدون بافكار مخالفة للمعتقدات الاسلامية وتجاهرون بها في الساحات العامة (…) لقد خالفتم القانون الجنائي السوداني”.
وهؤلاء الرجال ينتمون الى “القرآنيين” او الطائفة القرآنية وهي مجموعة صغيرة تعترف بالقرآن كمصدر وحيد للتعاليم الدينية الاسلامية وللتشريع وترفض أي نصوص أخرى مثل الحديث والسنة النبوية.
ووفق قوانين الشريعة المطبقة في السودان منذ عام 1983 فان المتهمين قد يحكم عليهم بالاعدام في حال ادانتهم بموجب المادة 126 من القانون الجنائي التي تشير الى عقوبة الردة عن الاسلام.
وصدر الاتهام بعد عدة جلسات في الاسبوعين الماضيين مثل خلالها سبعة وعشرين رجلا من طائفة القرانيين .
وقرر القاضي في جلسة الاربعاء شطب الاتهام عن اثنين من المجموعة التي اعتقلتها الشرطة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وردا على الاتهام، قال المحامي احمد علي احمد ان هؤلاء “غير مذنبين”.
واضاف “لم يخرجوا عن الدين الاسلامي (…) نشأوا على هذه الطريقة المتوارثة من ابائهم واجدادهم. انهم يمارسون حقهم في حرية الاعتقاد والعبادة المكفول بموجب الدستور والمواثيق الدولية والاقليمية التي وقع عليها السودان”.
وغالبية المتهمين من صغار السن وظلوا هادئين اثناء جلسة المحكمة التي انعقدت وسط اجراءات امنية مشددة.
ووقف افراد من شرطة مكافحة الشغب خارج قاعة المحكمة حاملين هراوات بينما قام ضباط بتفتيش الداخلين الى قاعة المحكمة.
وكان احمد قال لفرانس برس الاسبوع الماضي ان 27 رجلا اعتقلوا بضاحية مايو في جنوب الخرطوم الشهر الماضي.
وستعاود المحكمة الانعقاد الاثنين المقبل حيث سيقدم الدفاع عن المتهمين مرافعته.
*
نص مقال جمال البنّا:
11 مارس 2005
الشيخ بوزيان
جمال البنا
سلام عليكم. لقد دهشت لقراءة تعليقكم على مقالي “قرآنيون ومحمديون أيضاً“، المنشور بموقع شفاف الشرق الأوسط، لأن ما تضمنه من معلومات جديد عليّ تماماً. فالقرآنيون في القاهرة كان البارز فيهم الدكتور صبحي منصور والدكتور مشتهري (ابن الشيخ مشتهري الذي كان رئيسا للجمعية الشرعية) وكل واحد منهم آوى إلى الظل بعد فترة من النشاط وليس لدي أي فكرة عن تنظيمكم.
أريد أن أؤكد لك إني أؤمن بحرية الفكر إلى آخر مدى “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” كما قال القرآن وإني لا اعتبر الخلاف في الرأي سببا في عداء، بل أرى أن الاختلاف ضروري وأن الله تعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة بل أرى أن التناقض نفسه لا يكون دائماً بمعنى النفي، وقد يكون وجها آخر لعملة واحدة ولك أن تستأنس بقول الله (.. وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). {24 سبأ}..
وأنا اتفق معكم في نقاط عديدة واختلف منكم في نقاط أكثر عدداً. فمن النقاط التي اتفق معكم فيها الأخذ فقط بظاهر النص القرآني دون اجتهاد أو تفسير، وقد رفضنا كل ما قدم من تفسير للقرآن الكريم من ابن عباس حتى سيد قطب باعتباره افتياتاً على القرآن وإسقاطاً بشرياً عليه. ولأن القرآن يفسر نفسه بنفسه ويعطي أثره بالانطباع.
أنا اتفق معكم في استبعاد الحجاب وكذلك في استبعاد الحرب “الجهادية المقدسة” كائنا ما أطلقوا عليها. والحرب في الإسلام كما يقدمها القرآن هي دفاع عن حرية الاعتقاد والحيلولة دون فتنة المؤمنين عن دينهم، كما نرى أن المبرر الوحيد للقتل هو القتل العمد.
ونحن نستبعد رجم الزاني المحصن، كما أن القرآن والسُنة لم يقررا عقوبة على الشذوذ الجنسي وتركا ذلك للمجتمع فقال فيه الفقهاء ما قالوا.
وقد دخلنا في معركة مع شيوخ الأزهر لأن بعضهم أفتى “بسجن” تارك الصلاة.. وقلنا إن القرآن والرسول لم يقررا عقوبة دنيوية على ترك الصلاة. ولا تزال رحاها دائرة.
ونحن معكم أيضاً في أن غير المسلم لا يعد في هذا الزمن “ذميا” ولكن مواطنا له كامل حقوق المواطنة التي تنبثق من أن “المواطنة” إنما تنشأ عن اتخاذ الوطن أو الموطن. فكل من عاش على أرض هذا الوطن فهو “مواطن” دون أي تفرقة.
وأنا في الآراء أعتمد على القرآن، ولكني لا أعرف تخريجكم لرفض قطع يد السارق أو عدم وجود زنا، وهناك نصوص صريحة على ذلك في القرآن. يا حبذا لو افدتموني في هذه النقطة.
وأنا وإن لم أنكر السُنة، فلست بعيداً عنكم لأني في خضم التمييز بين الحديث الصحيح وغيره وضعت12 ضابطا مستمدة من القرآن. فما يتفق منها مع القرآن يمكن أن يكون منسوبا إلى الرسول. أما إذا اختلفت فلا يعد ملزما. وعلى هذا الأساس استبعدت حديث “من بدل دينه فاقتلوه” (عن عكرمة وجاء في البخاري) ورفضت أي حد على الردة أو الاختلاف في الاجتهاد.
وأخيراً فإننا نذهب إلى أن السُنة ليس لها تأبيد القرآن وأنها تستمر ما اتفقت مع التطور والمصلحة والعدل فإذا تخلفت عدل عنها وعدنا إلى القرآن.
ولا أعطي نفسي حق اقتراح لكم يتعلق بمعتقداتكم ولكني اعتقد أنكم لو سلكتم مثلنا لكنتم أدنى إلى النجاح وإلى تحقيق الخير من الأسلوب الذي اتخذتموه. لأن ما سلكناه يحقق تقريباً معظم ما انتهيتم إليه دون الدخول في معركة ستتبدد فيها الجهود، وجعلتكم تعيشون لألف عام كما تقول في سرية.
وهناك ناحية أخرى أشرت إليها في مقالي هي التفرقة بين الرسول وبين السُنة، فدور الرسول أعظم من السُنة.
ويا حبذا لو قرأتم كتابي “السُنة ودورها في الفقه الجديد” وهو الجزء الثاني من “نحو فقه جديد”
وأتمنى لكم التوفيق،،،