(الصورة: الإهدار في موائد الإفطار)
لا تصوموا مثل المسلمين، مثل من ينسى الإسلام طوال العام ثم يأتي في شهر رمضان كي يزعجنا بإيمانياته ونفاقه وكذبه وعباداته في الشارع وأمام الناس وفي العمل وداخل المساجد.
لا تصوموا مثل المسلمين، مثل من يعتقد أن شهر رمضان هو للعبادة وأكل الطعام والشراب فقط، وأن الكذب والغش ومخالفة القانون والتعدي على الآخرين هي أمور لا تجرح الصيام أو تبطله. لا تصوموا مثل المسلمين، مثل من يطالب بأقسى وأقصى عقوبة لمن يجاهر بالإفطار في نهار رمضان دون مراعاة أن العصر الحديث الذي نعيش فيه يختلف تماما عن العصور السابقة من ناحية زيادة الأمراض لدى البشر ووجود الصغار وكبار السن ممن يحتاجون الي الطعام والشراب، بالإضافة الي انتشار مفهوم حرية المعتقد الذي يسمح للإنسان أن يمارس حياته الطبيعية دون أن يأتي اليه شرطي من الدولة كي يقبض عليه بتهمة سخيفة وهي الأكل وجرح مشاعر الصائمين.
لا تصوموا مثل المسلمين، فصيامهم هذا لا نفع فيه ولا فائدة ولا طائل من وراءه. فلم تتغير أخلاقهم منذ قرون، ولم تتحسن مخرجات تعليمهم وصناعاتهم وثقافتهم وسلوكياتهم. فما زالوا في الدرك الأسفل من الجهل والوضاعة والإنحطاط، وما زالوا يخوضون الحروب الطائفية والمذهبية والقبلية، وما زالوا يقتلون المرأة باسم الشرف والقبيلة، وما زالوا يحبسون ويجلدون ويقتلون الناس من أجل كلمة وحرف وتغريدة ومقال، وما زالوا ينظرون الي أسامة بن لادن وحسن نصرالله وابو بكر البغدادي بأنهم أصحاب النصر الإلهي وبأنهم أهل للخلافة وعودة الدولة الدينية، وما زالوا يكنون العداء للآخر المختلف بل ينظرون اليه بنظرة دونية واستعلائية فقط لانه غير مسلم ولا ينتمى لشرف جماعتهم الدينية، وما زالوا، ويا للمفارقة المضحكة، ينتظرون تحرير فلسطين وغزو العالم من جديد وإخضاع البشر تحت رايتهم وسلطانهم.
لا تصوموا مثل المسلمين، فمن يضرب ويقمع المرأة، ومن يؤدلج الأطفال دينيا رغم ارادتهم، ومن يغتصب براءة البنات الصغار بالحجاب هم مسلمين. ومن ينادي بتجريم العلمانية ومنع الحريات وتقديم النقل على العقل ونبذ الفلسفة والشك والسؤال هم مسلمين. ومن يمارس حياته الطبيعية خارج بلده كشرب الخمر وممارسة الجنس والتسكع بالبارات ثم اذا رجع الي وطنه أصبح صحابي جليل يدعو الي محاربة المنكر والأمر بالمعروف هم مسلمين. ومن يريد ديمقراطية اسلامية تنسف أسس الديمقراطية الليبرالية، ومن يريد هوية طائفية يستقوى بها ضد الآخر ويتسربل بها وقت الانتخابات، ومن يريد مرجعية قبلية تكون أقوى من الوطن والمواطنة والدستور هم مسلمين.
لا تصوموا مثل المسلمين، فالإيمان عنهم بعيد بينما الشكليات والمظاهر والرياء والتكسب بالدين هو الغالب. لا تصوموا مثل المسلمين، فهم يتركون الجوعى والمرضى والمحتاجين يموتون أمامهم، لا لشيئ سوى لانهم غير مسلمين. لا تصوموا مثل المسلمين، فصيامهم تبذير وتفاخر أكثر من كونه مشاركة بإحساس الفقراء. لا تصوموا مثل المسلمين، ففي هذا الشهر تمتلئ بيوتهم ومخازنهم وسراديبهم باحتفالات واستقبالات وموائد عامرة ومناسبات دينية، بينما الفقراء ينالهم الدعاء وبناء المساجد الفاخرة. لا تصوموا مثل المسلمين، ففي هذا الشهر يقل العمل وتنخفض معدلات الإنتاج ويهرب الموظف من العمل وتتكاثر الإجازات والمرضيات لكي ينام المسلم من تعب السهر وحتى يتفرغ للأكل طوال الليل. لا تصوموا مثل المسلمين، ففي هذا الشهر يريدون من كل العالم أن يمنحهم اجازات وتخفيضات ومراعاة لمشاعرهم وخواطرهم بينما هم يقتلون ويسجنون ويقطعون ويرجمون بناء على فتوى وحديث ونص ديني ضاربين بعرض الحائط معنى ومفهوم وقيم الإنسانية.
لا تصوموا مثل المسلمين، هو مقال لا أعمم فيه على كل العرب والمسلمين في العالم. ولكي أكون واضحا في إصابة الهدف من المقال أطرح المثال التالي: حينما أعمم الجهل والتخلف وسوء صيام العرب والمسلمين بشكل عام، فإنني أقصد بأن ذلك الجهل والتخلف وسوء الصيام موجود لدى نسبة لا يستهان بها من بين الشعوب العربية والاسلامية. فإذا كانت نسبة من السكان تتراوح مثلا بين 10 و 60 بالمائة تقوم بتصرفات سيئة ومسيئة ورثة، فهذا يكفي لكي نتكلم عن الجهل والتخلف وسوء صيام المسلمين كظاهرة عامة مجتمعية تعاني منها مجتمعاتنا العربية والاسلامية، ولكن أيضا وبنفس الوقت لا تعني هذه العبارة أن كل العرب والمسلمين متخلفين، فهناك من بينهم من يرفض التصرفات المسيئة، وهناك من بينهم الملحدين، وهناك من بينهم من لا يزال يبحث عن الحقيقة.
*عبد العزيز القناعي كاتب كويتي