بغداد نجحت في أن توفر ساحة لاستضافة مباحثات بين السعودية وإيران
(وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب)
التقى وفدان من البلدين الخصمين الرئيسيين في الشرق الأوسط إيران والسعودية في بغداد في وقت سابق من هذا الشهر بعيدًا عن الأضواء، على ما أكد مسؤولون لوكالة فرانس برس الاثنين، وهي مباحثات تعد مهمة مع إعادة خلط الأوراق في المنطقة.
فالعراق الذي يجد نفسه، في وضع معقد بين جارته الشيعية الشرقية وجارته السنية إلى الجنوب، يسعى إلى لعب دور الوسيط على مستوى الشرق الأوسط منذ أنزل الهزيمة بجماعة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرفة نهاية 2017. ويدرك المسؤولون العراقيون أن الطريق طويل، ولكن إن لم يتمكن العراق من أن يمارس ضغوطًا كبيرة فإنه على الأقل وفر ساحة للحوار.
استضافت بغداد مطلع نيسان/أبريل الحالي، لقاءً جمع وفدا سعوديا برئاسة رئيس جهاز المخابرات خالد بن علي الحميدان وأخر إيرانيًا برئاسة مفوضين من قبل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، على ما أكد لوكالة فرانس برس مسؤول عراقي حكومي.
وقال دبلوماسي غربي من جانبه أنه “أبلغ مسبقًا بهذه المباحثات”، التي عُرضت عليه على أنها “تهدف لتخفيف حدة التوترات وخلق علاقات أفضل” بين إيران والسعودية.
تغيير القادة
ولا شك أن أي تهدئة في التوتر القائم بين طهران والرياض اللتين قطعتا علاقاتهما في العام 2016 متبادلتين الاتهامات بزعزعة استقرار المنطقة، سيعود بالفائدة على العراق الذي يعاني من الأضرار التي تلحقها هجمات بالصواريخ أو بعبوات ناسفة تنفذها بوتيرة أسبوعية فصائل تعد بطاقة بيد إيران تستخدمها في كل مفاوضات مع بغداد، بحسب مسؤولين عراقيين.
ولكن إلى وقت قريب، كان تقارب كهذا بعيدًا عن كل تصور.
ففي كانون الثاني/يناير 2020، وإثر أغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية في بغداد، ارتفعت حدة التوتر بين طهران وواشنطن، العراب الأكبر للرياض، الأمر الذي هدد حينها بتحول العراق ساحة للصراع.
لكن حكومة العراق تغيرت منذ ذلك الحين.
إذ استقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي أدخل فصائل موالية لإيران في عمق منظومة الدولة العراقية.
وتولى بعده مصطفى الكاظمي الذي أبقى على علاقة جيدة مع إيران رغم أن كثيرين يعتبرونه رجل واشنطن، كما أنه صديق شخصي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفي الجانب الأخر، غادر دونالد ترامب البيت الأبيض ليتسلم جو بايدن الذي يسعى للعودة إلى الاتفاق النووي الموقع العام 2015 مع إيران.
في ظل هذه الظروف، قال عادل بكوان المحلل في معهد دراسات وأبحاث البحر المتوسط والشرق الأوسط لوكالة فرانس برس إن “الرياض ترى نفسها ملزمة موضوعياً بخوض نقاش مع إيران”.
مباحثات يمنية
ويشير الخبير خصوصا إلى أنه في اليمن، حيث فشل التحالف العسكري بقيادة السعوديين منذ 2015 في كسر شوكة المتمردين الحوثيين، يمكن لطهران “المشاركة، إيجابًا أو سلبًا” في إيجاد مخرج للنزاع.
وفيما يُنظر إلى الحوثيين على أنهم يمثلون المحور الجنوبي للفصائل الموالية لإيران، كان التمرد الحوثي محورا رئيسيا في المباحثات التي جرت نهاية آذار/مارس في الرياض بين الكاظمي ومحمد بن سلمان.
ولم يكف الكاظمي عن التأكيد بأن العراق لا يمكن أن يتحول إلى منطلق لشن هجمات عدوانية ضد جيرانه.
في مقابل هذا الموقف، ضمن الكاظمي تعهد السعودية بتوظيف استثمارات تصل إلى ثلاثة مليارات دولار في العراق الذي يعاني منذ عقود من ضعف البنى التحتية للكهرباء والمياه وكذلك الخدمات الطبية والمدارس.
لكن في الوقت ذاته، يدرك ولي العهد السعودي أنه بدون تقارب مع طهران فإن أي استثمار في العراق سيواجه بحملات معادية.
ويرى عادل بكوان أنه قبل تحقيق تعايش في العراق ومناطق أخرى في المنطقة بين السعودية وإيران، لا بد من تسوية ملفات عديدة؛ هي بالنسبة للسعودية “الملف النووي الإيراني … والفصائل المسلحة في الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا ولبنان”، وبالنسبة للإيرانيين “مصير الشيعة في المحافظة السعودية الغنية بالنفط … وتمويل الرياض أعمال العنف المتطرفة في الدول التي لإيران حضور فيها”.
وربما تفسر حساسية كل هذه الملفات السبب وراء الصمت الرسمي حول لقاء بغداد الذي عقد خلف الستار.
ففي الرياض، سارعت الصحافة الرسمية إلى نفي المعلومات التي نشرتها في البدء صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
بالمقابل ذكر مصدر مقرب من الأوساط الموالية لإيران في العراق لوكالة فرانس برس أن “الإيرانيين اختاروا عدم التعليق احتراماً للموقف السعودي”.
ولكن يتم التداول في الكواليس أن الإيرانيين والسعوديين ما زالوا هنا.
وقال عادل بكوان بهذا الصدد، “في هذه اللحظة بالتحديد، تتفاوض مجموعات عمل مصغرة من الوفدين حول التفاصيل الفنية لجميع الملفات برعاية مصطفى الكاظمي”.