بعد الانفجار الأخير في ميناء بيروت، وما أكثر الانفجارات فيها، أبدت الفنانة الراقية ماجدة الرومي مخاوفها من المصير الأسود الذي ينتظر لبنان، وشكها في وجود أصابع إسرائيل فيما وقع، ودللت على ذلك بأن والدها أحضر لها وهي صغيرة كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» (وأخطأت في اسم الكتاب)، وكيف أنها تأثرت به وبحديث والدها عنه، وبأن الصهيونية لديها خطة لتفكيك العالم ووضعه تحت حكومة واحدة، وأن اليهود وراء كل الشرور!
***
كلامها أفضل صك براءة لسياسيي لبنان، فطالما أن إسرائيل هي السبب، وهي التي كانت تطلب من اللبنانيين، التصويت وانتخاب الزعماء نفسهم، جيلاً بعد آخر، فما ذنب زعماء لبنان؟
***
من السخف إعطاء اليهود كل هذه الأهمية الخرافية، والدور التآمري العالمي الخطير، ثم عدم تصديق قصة تسرب نصوص الكتاب منهم! فمن يضع مثل هذه الخطة الجهنمية للسيطرة على العالم، لا يمكن أن يرتكب هذه المخاطر، ومن المضحك فعلا الاعتقاد أنهم كتبوه، وكأنهم ينتمون لكوكب آخر، فما فائدة الأرض والسيطرة عليها إن نجحت خطتهم في تخريبه، بأكمله؟
يتفق الباحثون على أن الكتاب من وضع المخابرات القيصرية الروسية «الأوخرانا»، وكان جزءاً من حملة تهدف لتشويه سمعتهم، وكتبه رجل المخابرات «ماثيو جولوڤينسكي» (1865 ـــ 1920) في أوائل القرن العشرين.
لقد كذبوا علينا بمصدر هذه البروتوكولات وصدقهم الكثيرون، مثلما صدقوا كذبة أن هدف إسرائيل إقامة دولة من الفرات إلى النيل، وأن الخريطة معلقة في الكنيست. لا نقصد هنا تصوير اليهود، وإسرائيل بالتالي، بالحملان الوديعة، بل أغلبنا «الكباش» التي تصدق كل شيء! فالحق الفلسطيني، والعربي أو الإسلامي بغير حاجة لمثل هذه الأكاذيب الساذجة، كما أن ممارسات إسرائيل تكفي لتعرية أهدافها التوسعية، وليس الركون لمحتويات كتاب مفبرك. كما أن الكتاب مملوء بالخرافات. وغالبية من صدق أنه من وضع الحكماء اليهود سمع بذلك من غيره، ولم يكلف نفسه حتى رؤية غلافه، ولم يستفد ماديا غير دور النشر العربية، التي أسهمت في رفع الذنب عن اكتافنا ووضعه على أكتاف «الصهاينة»!
وسبق أن قام الصناعي والمليونير الأميركي هنري فورد (1863 ــ 1947)، الذي اشتهر بمعاداته لليهود، بشراء ربع مليون نسخة من البروتوكولات وتوزيعها مجاناً. ولو كانت الصهيونية بتلك القوة، كما ورد في الكتاب، لما عاش فورد ليقارب التسعين من العمر، ولتحولت إمبراطوريته إلى رماد.
***
يقول الصديق والقارئ خالد ناصر إن أجزاء من البروتوكولات سرقت من روايات عدة منها Dialogue in Hell لـMaurice Joly. وسرقت أجزاء أخرى من روايات الفرنسي الكساندر دوماس!
وسبق أن قام الاديب الاوكراني ڤاديم سكوراتوڤسكي Vadim Skuratovsky عام 2001 في كتابه: The Question of the Authorship of: The Protocols of the Elder of Zion
بإجراء دراسة تعد الأفضل منهجا وتحليلا، لتاريخية البروتوكولات، دحض فيها كل ما نسب لمصدرها اليهودي، معتمدا على مجموعة من الادلة والوثائق، تتطابق مع استنتاجات المؤرخ الروسي الكبير ميخائيل ليپخين Mikhail Lepekhine التي نشرها عام 1999، بعد السماح له بالاطلاع على الارشيف القيصري الروسي.
إن عجزنا التام هو الذي يدفعنا لتصديق مثل هذه الادعاءات عاما بعد آخر، فلا تفسير لهوان حالنا غير إلقاء اللوم على قوى خارجية مخيفة!
a.alsarraf@alqabas.com.kw