«أتحدى إسرائيل أن تفعل بنا، مثلما فعلنا بأنفسنا»
***
أعلنت الإمارات وإسرائيل عن اتفاق سلام، والرغبة في إقامة علاقات اعتيادية بينهما. وردا على عدة تساؤلات تعلقت بموقفي من هذا الموضوع الخطير، أود أن أبين أنني سبق أن أعلنت عن ذلك من قضايا تطبيع مماثلة في أكثر من مقال ومقام.
***
في المبدأ أنا مع الحق الفلسطيني، وأضع خطين تحت كلمة حق، وأعتبره غير مطلق.
كما أنني مع موقف حكومتي في النأي بالنفس، وعدم اتخاذ أي موقف من قضية التطبيع، الحالية أو ما سبقتها أو ما سيلحق بها، سلباً أو إيجاباً.
ولكن، منذ وعد بلفور وإضرابات 1936 وما تبعها من اضطرابات وحوادث وتالياً حرب فلسطين البائسة، وخسائرنا المتواصلة، ورفضنا لكل حلول واقتراحات اللجان والهيئات الدولية والإقليمية، ونحن جميعاً، ودون استثناء، نعلم علم اليقين أن إسرائيل تشكل خطراً على وجودنا الهش بطبيعته. وأن الصراع معها صراع وجود ووقوده التحضر والتقدم والأخذ بالعلم وتطوير الثقافة وبالاهتمام بكرامة الإنسان، وصحته العقلية والنفسية والجسدية!
ولكن، بالرغم من معرفة الجميع بهذه الحقائق، فإن كل الدول العربية، من ذوات الرسالة الخالدة أو من دونها، لم تسع يوماً للقيام بصورة جدية بالسير في طريق ردم الهوة الحضارية بينها وبين إسرائيل، بالرغم من أنها في اتساع يوماً عن يوم، بخلاف إعطاء بعض الاهتمام لقضايا التعليم، الأقرب لبرامج محو الأمية، ثم لتأتي الأحزاب الدينية وتقضي على أي أمل في تعليم متقدم.
وبالتالي، وعلى ضوء هذه الحقائق أجد نفسي مضطرا لأخذ جانب الاستسلام العقلاني، والقبول بإسرائيل دولة وجارة، فربما نستفيد منها، من منطلق الغيرة على الأقل، ونتعلم منها كيفية الاهتمام بكرامة مواطنينا من الخليج الثائر(!!) إلى المحيط الهادر، بعد زوال أسباب «الدعس» على رقابهم بحجة أن لا صوت يعلو على صوت قضايا الأمة.
لقد قامت عشرات الانقلابات العسكرية في عدة دول عربية من منتصف أربعينيات القرن الماضي، وحتى الأمس القريب، وغالبيتها ادعت أنها قامت لتعيد الحق لأصحابه، والكرامة للمواطنين، فلا الحق عاد ولا الكرامة عرفوا طعمها!
سبعون سنة ونحن نصدح «يا فلسطين جينا لك»، ومع هذا لم تتقدم الجيوش العربية خطوة واحدة للأمام، بل تزايد تراجعنا، وفقط زادت من حولنا «الغبرة» المتطايرة من كعوب «بساطير» جنودنا. وصلت إسرائيل لأرفع مستويات العلم والتحضر، وحتى «الإنسانية النسبية» في تعاملها مع مواطنيها، من يهود وعرب مسلمين ومسيحيين ودروز وكرد وشيشان وغيرهم، ووصلنا في الوقت نفسه لقمة التخلف في عدد سجوننا ومعتقلاتنا ومختبرات إهانة كرامات مواطنينا.
سأرفض الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي إن كان في عقل أي فرد منا ذرة أمل في أن أوضاع دولنا الـ20 أو الـ22 ستتغير للأفضل، ولو قليلا، في السنوات العشرين القادمة، وبغير ذلك فإنني مع السير في طريق التفاوض، وتحرير الإنسان العربي من كل أغلاله السياسية والدينية.
a.alsarraf@alqabas.com.kw