تختزل صورة مفبركة، او مركّبة، مرتبطة بالاحداث التي تشهدها المدن الأميركية هذه الايّام السذاجة السائدة في معظم المجتمعات الدول العربية، وليس كلّها لحسن الحظّ.
بل تختزل الصورة المفبركة عن طريق استبدال شعار بشعار آخر، جانبا مهمّا من المأساة العربية. يتمثّل جانب من المأساة في رفض طرح سؤال في غاية البساطة. لماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه؟ ولماذا نحن في حال هروب مستمرّة الى امام والقاء المسؤولية على الآخرين بدل البدء بمحاسبة انفسنا اوّلا؟
ظهرت في الصورة المفبركة امرأة من بين المحتجين على قتل شرطي أميركي لمواطن اسود أميركي يدعى جورج فلويد في ولاية مينيسوتا وهي ترفع لافتة كتب عليها “لسنا عربا كي تقتلوننا ونبقى صامتين”.
بالعودة الى الصورة الحقيقية، تبيّن انّ ما كتب على اللافتة كان الآتي: “توقّفوا عن قتلنا”. كان واضحا ان الصورة مركّبة نظرا الى ان الأشخاص نفسهم ظهروا في الصورة الحقيقية. في الصورتين ظهرت ايضا لافتة “أرواح السود يجب ان يحسب لها حساب”. هذه اللافتة لم تتغيّر.
ثمّة من تلاعب بالصورة الاصلية بغية اثارة الغرائز وإظهار العرب في مظهر من لا يستطيعون الردّ على الذين يرتكبون جرائم في حقّهم. لم يسأل المتلاعب بالصورة التي نشرت بشكل واسع في وسائل التواصل الاجتماعي من يقتل العرب ومن يسكت عن قتل العرب ولماذا يقتل العرب عربا آخرين في معظم الاحيان؟
اذا وضعنا جانبا ما يحدث في فلسطين، حيث قضية عمرها ما يزيد على قرن، وهي قضيّة محقة تظهر ان الشعب الفلسطيني شعب حيّ ولن تتمكن إسرائيل يوما من ازالته من خريطة الشرق الأوسط ومن حرمانه من حقوقه، لا مفرّ من مواجهة الحقيقة والواقع.
استنادا الى الحقيقة والواقع والارقام، من يقتل العرب هم عرب آخرون في معظم الأحيان. من قتل العراقيين غير العراقيين والميليشيات المدعومة من ايران ومن قتل السوريين غير النظام السوري الذي يخوض حربا مع شعبه بدعم إيراني قبل الدعم الروسي؟ من وراء تخريب لبنان غير اللبنانيين انفسهم، خصوصا أولئك الذين قبلوا ان يكونوا مطيّة لإيران؟
لا يمكن تجاهل انّ الاميركيين ارتكبوا في الماضي جرائم كثيرة في العراق. لا يمكن نسيان استهداف الاميركيين لمواقع مدنية في بغداد وغيرها. لا يمكن نسيان جريمة ملجأ حي العامرية التي ارتكبها الاميركيون وذهب ضحيتها عشرات المدنيين. هذه الجرائم كانت في ظلّ حرب على العراق من اجل تغيير النظام. الاهمّ من ذلك كلّه، ان هذه الحرب كانت بالتنسيق مع الجانب الإيراني الذي امعن لاحقا في الانتقام من العراقيين، خصوصا من ضباط الجيش والطيّارين الذين خاضوا حرب السنوات الثماني. اكثر من ذلك، امعن الإيرانيون وميليشياتهم، ان في سوريا والعراق، وقبل ذلك في لبنان بممارسة سياسة تقوم على الترهيب. ما نوع السياسة التي يمارسها الإيرانيون في اليمن عن طريق الحوثيين، الذين يسمّون انفسهم “انصار الله”؟ هل من وصف آخر لهذه السياسة غير كلمة الترهيب؟
هناك ظلم لاحق بالعرب، لكن الظلم الأكبر هو ظلم عربي بحق العرب الذين لا يخجلون أحيانا من الاستعانة بالاجنبي كي يبقوا في السلطة. هذا ما تفعله حكومة الوفاق في ليبيا التي تستعين بالتركي الذي يستعين بدوره بسوريين مغلوبين على امرهم وجدوا نفسهم مجبرين على ان يتحوّلوا الى مرتزقة. حبّذا لو فكّر مفبركو الصورة الأميركية في ما تفعله تركيا في لبيبا او في ما يفعله النظام السوري في سوريا بدعم من الميليشيات التابعة لإيران. حبّذا لو فكر هؤلاء بالظلم اللاحق بالشعب اللبناني حيث “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”.
ما ليس مفهوما هو ذلك الإصرار العربي لدى كثيرين على لعب دور الضحيّة والتهرّب من المسؤولية. هناك مثال يمكن الاستعانة به في كلّ وقت للتأكيد انّ التحايل على الحقيقة والواقع بصورة مركّبة من هنا واخرى من هناك لا يفيد في شيء. هذا المثل هو تونس حيث قرّر زين العابدين بن علي في مطلع العام 2011 الخروج من البلد عندما اكتشف ان أكثرية شعبية لا تريده. فعل ذلك بمبادرة منه… او اجبر على الرحيل؟ وحدها الايّام المقبلة ستكشف ذلك. المهمّ انّه رحل ووفر دماء كثيرة على التونسيين وخراب كبير على تونس.
ثمة حاجة عربية الى التوقف عن لعب دور الضحيّة. ثمّة حاجة الى تغيير جذري في العقلية. ثمّة حاجة الى نوع من الشجاعة والتوقف عن الاستعانة بصورة مركّبة للهرب من الواقع لا اكثر. قد يحتاج ذلك الى تغيير في الثقافة العربية. سيكون مثل هذا التغيير صعب التحقيق في غياب ثورة تعليمية تحتاج الى أجيال واجيال يصبح فيها المواطن العربي العادي قادرا على التمييز بين صورة مركّبة وصورة حقيقية.
تقول الصورة الحقيقية ان الولايات المتحدة تواجه مشاكل داخلية كبيرة، بل ضخمة، لكنّ هموم السود الاميركيين شيء ومصير العرب شيء آخر. ما يحل بالعرب آخر ما يهمّ السود في اميركا… الى اشعار آخر.