اذا استثنينا الكلام ذا الطابع الفولكلوري لرئيس للجمهورية ميشال عون عن “يوم تاريخي” في لبنان في مناسبة توصّل الحكومة الى “خطة اقتصادية – ماليّة” للمرّة الاولى في تاريخ البلد، وهو كلام لا بشبه غير الوعد بتحوّل لبنان بين ليلة وضحاها الى “بلد نفطي”… واذا استثنينا الكلام الذي قدّم فيه رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب “الخطة الاقتصادية – المالية” الاصلاحية لحكومته، وهو كلام اقرب الى موضوع انشاء لتلميذ على وشك دخول المرحلة الثانوية من دراسته، يبدو المطروح على اللبنانيين كمّية كبيرة من الأسئلة من دون أي أجوبة واضحة من ايّ نوع.
لعلّ السؤال الاوّل في هذا المجال ماذا حلّ بودائع المواطنين والعرب والاجانب في المصارف اللبنانية، وما الذي يمكن ان يجعل مغتربا لبنانيا، من أي طائفة، او مستثمرا عربيا او اجنبيا يوظّف ولو دولارا واحدا في لبنان، اكان ذلك في المصارف او في مشروع مفيد من نوع ما يخلق فرص عمل للبنانيين ويوقف موجة الهجرة.
اكثر من ذلك، هناك خوف على النظام اللبناني الذي لا يزال عموده الفقري النظام المصرفي بعد كلّ ما تعرّضت له القطاعات الأخرى، بما في ذلك قطاع السياحة. ليس معروفا ما الذي يعد به “العهد القوي” غير الكلام الكبير الذي لا مضمون له. لعلّ اخطر ما في الامر انّ الكلام عن “الخطّة الاقتصادية – المالية لا يقول شيئا يمكن ان يكون له معنى على ارض الواقع في بلد انهار اقتصاده فعلا ولا توجد فيه قيادة سياسية على تماس مع ما يدور في الشارع ولا في المنطقة ولا في العالم.
هناك مكان واحد يمكن ان يذهب اليه لبنان. هذا المكان هو صندوق النقد الدولي الذي لديه شروطه الواضحة. في مقدّم هذه الشروط ممارسة الدولة اللبنانية سيادتها على كل ارضها وعلى كل المنافذ الحدودية، اكان ذلك على طول الحدود مع سوريا او في المطار والموانئ، على رأسها ميناء بيروت. ماذا تعني كلمة السيادة اللبنانية التي يستخدمها “حزب الله” لتبرير اعتداءه اليومي عليها. انّها تعني اوّل ما تعنيه عدم وجود قوّة أخرى غير الجيش اللبناني وقوى الامن محصور بها السلاح فوق الأراضي اللبنانية. تعني ثانيا تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة في آب – أغسطس من العام 2006 الذي أوقف الاعمال الحربية في لبنان بعد حرب “حزب الله” وإسرائيل التي انتهت بانتصار ساحق ماحق للحزب على لبنان واللبنانيين.
حالت الحكومة اللبنانية وقتذاك، وكانت برئاسة فؤاد السنيورة، دون صدور هذا القرار تحت الفصل السابع. كان ذلك خطأ كبيرا ارتكبته الحكومة، خصوصا ان القرار يشمل مراقبة الحدود اللبنانية – السورية، مثلما يشمل الشاطئ اللبناني وذلك بهدف التوصل الى منع تهريب السلاح الى لبنان.
نجد حاليا انّ الحكومة الحالية وهي “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله” تتفادى كل المشاكل الأساسية التي لا مفر من مواجهتها. ليس سرّا انّ “حزب الله” يقطف حاليا ثمار انتصاره على لبنان في حرب صيف العام 2006. ليس لبنان سوى “ساحة” بالنسبة اليه وذلك بغض النظر عمّا يحلّ بالبلد. المهمّ ان يخدم لبنان – الساحة استراتيجية ايران التي تصبّ في خدمة النظام السوري، النظام الذي تعتبر “الجمهورية الإسلامية”، من منطلق مذهبي، انّ المطلوب إنقاذه باي ثمن. لذلك كان لا بدّ من شراء المحروقات والنفط للنظام السوري لتلبية حاجاته بدولارات من السوق اللبنانية. صارت كمية النفط والمحروقات التي يستوردها لبنان تفوق، فجأة، اربع مرات حاجات السوق اللبنانية. قاد ذلك شيئا فشيئا الى فقدان الدولار في لبنان. أُغرقت السوق اللبنانية في مرحلة معيّنة بالليرة السورية التي بيعت فيه بسعر تشجيعي من اجل الحصول على الدولار.
يعرف معظم اللبنانيين أيضا بوجود سيطرة لـ”حزب الله” على المرافق العامة البرية والبحرية والجوية وتمرير البضائع دون دفع القيمة المضافة والضرائب الجمركية. ادّى ذلك الى افلاس التجار اللبنانيين الحقيقيين وضرب مبدأ العدالة والمساواة في المنافسة وحجب عن خزينة الدولة قسما كبيرا من عائدات الضرائب. حصل أيضا تدن للعائدات الجمركية منها.
لا داعي لاثارة موضوع ضرب السياحة في لبنان ومنع العرب من المجيء الى البلد وانحياز لبنان العلني ابتداء من 2016 الى “محور الممانعة” وتحوله الى جزء لا يتجزّأ من هذا المحور. من لا يفهم معنى العزلة العربية للبنان لا يفهم شيئا عن الأسباب التي ادّت الى وصوله الى ما وصل اليه.
ليس امام لبنان سوى صندوق النقد الدولي لانقاذه، خصوصا ان الدول العربية القادرة التي اعتادت في الماضي مساعدته، ليست مستعدّة لذلك لاسباب مختلفة من بينها الاقتناع بان الحكومة الحالية هي “حكومة حزب الله” وان العهد هو عهده. هذا من جهة. هناك من جهة أخرى سعر برميل النفط الذي يجعل كلّ دولة خليجية تفكّر في وضعها الداخلي اوّلا وأخيرا.
يذهب لبنان الى صندوق النقد وليس امامه خيارات أخرى. هل يستطيع تنفيذ شروطه؟ لم تجب الخطة الإصلاحية لحكومة حسّان دياب عن هذا السؤال مثلما لم تجب عن سؤال آخر عن امكان استعادة الثقة بالنظام المصرفي اللبناني الذي شكا بوضوح عبر جمعية المصارف من الخطة الإصلاحية ومن تعرضها للملكية الخاصة في لبنان ولاموال المودعين.
توجد محاولة لتغيير طبيعة لبنان وهوية اقتصاده وهوية البلد. اسم اللعبة حاليا الثقة بلبنان ونظامه المصرفي. ايّ مس بودائع اللبنانيين والعرب والأجانب هو مسّ بلبنان. لا اسم آخر للعبة. هل المطلوب انقاذ لبنان ام انقاذ “حزب الله” ومن خلفه المشروع التوسّعي الايراني لا اكثر ولا اقلّ؟