ليس اصعب من الدفاع عن رياض سلامة وليس اسهل من ذلك. رياض سلامة هو حاكم مصرف لبنان (المصرف المركزي) منذ العام 1993 وقد لعب من دون شكّ دورا في الاستقرار النقدي الذي شهده لبنان منذ الحكومة الاولى لرفيق الحريري في العام 1992. هناك الآن انهيار اقتصادي لبناني، سعى رياض سلامة الى تأجيله مرات عدّة بطرق لا يوافق عليها الخبراء الاقتصاديون العالميون الذين يرون انّه لجأ الى اساليب ملتوية لتنفيذ غايته. شملت تلك الاساليب ما سمّي “الهندسات المالية” من اجل الحؤول دون افلاس مصارف كبيرة عن طريق ضخ أموال فيها.
لم تكن الأساليب التي لجأ اليها رياض سلامة سليمة بايّ شكل في المفهوم الاقتصادي، خصوصا انّ ثمن ادخال عملات صعبة الى النظام المصرفي اللبناني كان كبيرا جدا. توجب على هذه المصارف دفع فوائد عالية لاغراء المودعين… من جهة وتمويل دولة مفلسة بكلّ معنى الكلمة، هي الدولة اللبنانية من جهة أخرى.
هناك لائحة طويلة باخطاء، بل بخطايا، ارتكبها رياض سلامة الذي عمل في شركة “ميريل لينش” المشهورة التي تتعاطى في مجال الاسهم. ليس سرّا ان متموّلين كبارا عربا ولبنانيين كانوا بين زبائن رياض سلامة في “ميريل لينش”. كذلك، ليس سرّا انّ رفيق الحريري اختاره ليكون حاكما لمصرف لبنان في مرحلة بدأت فيها عملية إعادة الحياة الى بيروت، وهي عملية ما لبث “حزب الله” ان وضع حدّا لها عبر لعبه دورا أساسيا، استنادا الى القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، في اغتيال الحريري الاب. ما لبث الحزب ان استكمل حربه على بيروت عندما اغلق وسطها في الاعوام 2006 و 2007 و 2008.
من ابرز المآخذ على رياض سلامة تفادي الصراحة والصدق في تعاطيه مع اللبنانيين العاديين. لم يتوقف في الأشهر القليلة الماضية، التي سبقت تجميد أموال المودعين وانهيار النظام المصرفي، عن ترديد ان الليرة اللبنانية بخير وان لا خوف على الودائع. قال ذلك بالصوت والصورة، الى ان تبيّن ان الليرة اللبنانية ليست بخير خصوصا بعد خسارتها ضعفي قيمتها. يجري تداول العملة اللبنانية حاليا بنحو أربعة آلاف ليرة للدولار الواحد في حين ان سعرها الرسمي 1505 ليرة للدولار. اما أموال اللبنانيين والعرب بالعملة المحلّية والدولار فهي مجمّدة الى اشعار آخر. لا يوجد من يقول للمودع ما الذي حل بماله ولا يوجد من يقول للشركات والتجار وأصحاب المصالح متى سيستطيعون اجراء تحويلات الى خارج البلد وذلك كي يعود النشاط التجاري والمالي الى لبنان.
يمكن القول انّ سلسلة المآخذ على رياض سلامة لا تنتهي، لكن المدافعين عنه يمتلكون ما يرفع عنه المسؤولية. يقول هؤلاء في سياق دفاعهم الذي تنشره وسائل التواصل الاجتماعي:
هل هو مسؤول عن 52 مليار دولار هدر في الكهرباء؟هل هو مسؤول عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب في 2017 التي كلفت الدولة ملياري دولار؟هل هو مسؤول عن الهدر في المرفأ الذي يكلف الدولة خسارة ملياري دولار سنويًا؟
هل هو من قام بتوظيف 5300 مواطن في الدولة قبل إنتخابات 2018 وهذا امر يكلف الدولة 140 مليون دولار سنويًا ؟ هل هو من أساء إلى علاقات لبنان مع الدول العربية ؟ هل هو من ترك لبنان من دون حكومة لمدة تعادل الاربع سنوات في السنوات العشر الماضية؟ هل هو مسؤول عن الفراغ الرئاسي لمدة سنتين ونصف سنة ؟ هل هو من استورد لسوريا النفط الذي كان محظورًا عليها؟
هل هو مسؤول عن هروب السيّاح عن لبنان الذي كلف البلد خسارة اربعة مليارات دولار سنويًا؟ هل هو من قام بتوظيف أفراد عائلته الصغيرة والكبيرة في الدولة؟ هل هو مسؤول عن عدم تعيين أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان اخيرا؟
ما لم يأت المدافعون عن رياض سلامة على ذكره ان الرجل ليس سوى تفصيل في لعبة كبيرة ذات طابع سياسي. ازمة لبنان سياسية قبل ان تكون اقتصادية هذا ما لا يفهمه رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب، الذي يحاول تحويل رياض سلامة الى كبش محرقة متجاهلا انّ سلاح “حزب الله” غير الشرعي في أساس ما يعاني منه لبنان.
ما يعاني منه لبنان حاليا على الصعيدين المالي والاقتصادي ناجم عن الهرب من مواجهة الواقع المتمثّل في ان لا مستقبل لبلد تحوّل الى مستعمرة إيرانية تديره ميليشيا مذهبية اسمها “حزب الله” استطاعت امتلاك أكثرية في مجلس النواب اللبناني. يدفع لبنان بكلّ بساطة ثمن انتقاله الى الوصاية الايرانية مباشرة بعد تخلّصه من الوصاية السورية – الايرانية في العام 2005. حاول رياض سلامة شراء الوقت. اخطأ في ذلك؟ الجواب: نعم. كان مفترضا به الانسحاب باكرا والعيش سعيدا بالاموال التي جمعها، اللهمّ الّا اذا كانت لديه طموحات سياسية، مثله مثل أي ماروني آخر، جعلته يدخل لعبة السياسات الداخلية اللبنانية التي تبيّن انّه لا يستطيع التحكّم بها بوجود “حزب الله” والعقوبات الاميركية المفروضة عليه.
بقي رياض سلامة حاكما لمصرف لبنان ام لم يبق، ليس ذلك السؤال. السؤال من يخرج لبنان من ازمته السياسية ذات الشقين. الاوّل هو عزلته العربية والآخر غياب أي اهتمام أميركي بما يحلّ به. لم يعد لبنان همّا عربيا. لا يوجد بين العرب من يريد السماع بلبنان الذي يقول عنه كبار المسؤولين في منطقة الخليج العربي انّه “ساقط عسكريا وسياسيا”، اذ تتحكّم به ايران. امّا في واشنطن، المشغولة بامورها الداخلية ووباء كورونا الذي يمكن ان يحول دون عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض بعد انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر المقبل، فلبنان غائب الى اشعار آخر…
بدل تلهّي “حزب الله” والغطاء المسيحي الذي يستخدمه في التركيز على رياض سلامة، وبدل تهرّب حسّان دياب من مسؤولياته، من الأفضل استيعاب ان ازمة لبنان سياسية اوّلا وانّ انفجارا اجتماعيا بطابع دموي يهدّد البلد. الناس جائعة حقّا. الناس تريد ان تعرف لماذا لم تحصل الاصلاحات المطلوبة من اجل ان يتمكن لبنان من مساعدة نفسه؟ اين حدود انهيار سعر الليرة اللبنانية؟ أين أموال المودعين التي صارت اقرب الى مال مسروق اكثر من ايّ شيء آخر؟…
*