(الصورة: لا ينقص السيد حسّان دياب سوى “الطربوش”، و”الكاريزما”، والزعامة، والإيمان بلبنان السيّد المستقلّ لكي يتقمّص.. رياض الصلح! لماذا لا يبدأ بـ… “الطربوش”؟)
في حال سارت الامور على ما يرام، سيباشر لبنان استخراج النفط والغاز من آبار في مياهه الإقليمية بحلول السنة 2029. من الآن الى حلول 2029، ومعرفة ما اذا كان البلد سيبقى على رجليه، يريد اللبنانيون العاديون سماع شيء آخر غير الخطب ذات الطابع الفولكلوري التي لا تقدّم ولا تؤخر بمقدار ما تكشف ضحالة ليس بعدها ضحالة. تكشف مثل هذه الخطب التي تعتبر اللبنانيين اغبياء، أي في مستوى المنتمين الى التيّار العوني، غياب ايّ وعي سياسي او فهم في الحدّ الأدنى لقواعد الاقتصاد وما يدور في المنطقة والعالم.
ما يريد اللبنانيون سماعه هو متى تفرج المصارف عن ودائعهم ومتى تستعيد دورها الطبيعي في مجال توفير النقد الذي يسمح بتحويلات الى الخارج. في غياب الدور الذي تلعبه المصارف، لا مستقبل للبنان ولا اقتصاد ريعيا او منتجا لا فارق. هناك فقط تكريس لحال الانهيار التي بدأت تأخذ بعدا جديدا مع بداية “العهد القويّ” الذي ليس سوى “عهد حزب الله”، وذلك ابتداء من خريف العام 2016.
هذا لا يعني ان الامور كانت تسير على نحو طبيعي قبل انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. كان التدهور تدريجيا، خصوصا منذ اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 وما استتبع ذلك من اغتيالات وانقلابات، بما فيها غزوة بيروت والجبل. توجت الانقلابات في 2016 بوصول مرشّح “حزب الله” الى موقع رئيس الجمهورية، وهو موقع مسيحي، ثم في 2020، حين أصبحت ايران، عبر “حزب الله”، تقرّر أيضا من هو رئيس مجلس الوزراء السنّي في لبنان.
ان دلت احداث الشهور القليلة الماضية على شيء، خصوصا منذ اندلاع الثورة الشعبية في السابع عشر من تنشرين الاوّل – أكتوبر على شيء، فهي تدلّ اوّلا على فراغ في السلطة على كلّ المستويات. لا يوجد في رأس هرم السلطة من هو قادر على التعاطي مع التعقيدات الداخلية او الإقليمية. هناك على العكس من ذلك سعي الى الهرب من الواقع. كان الاعلان عن بدء الحفر بحثا عن نفط وغاز آخر محاولة لجعل اللبنانيين ينسون ان بلدهم انهار وانّهم اصبحوا فقراء وان جني العمر، لدى الفقير والغني والمتوسّط الحال قد تبخّر.
ماذا ينفع النفط والغاز، هذا في حال وجد نفط وغاز، في حال لم يكن هناك بلد يمتلك اقتصادا قابلا للحياة بعيدا عن وهم الزراعة والصناعة. في النهاية، تبقى موارد الزراعة والصناعة محدودة لاسباب كثيرة، اللهمّ الّا اذا استطاع لبنان تطوير نفسه ودخول عالم التكنولوجيا الذي برع فيه شبان لبنانيون يعيشون خارج لبنان. هل يمكن ان يعود هؤلاء الى لبنان يوما وان يجدوا مستقبلا في بلد صار فيه المواطن شحادا ينتظر ان يوفّر له المصرف مئة او مئتي دولار في الأسبوع، ان لم يكن اقلّ من ذلك، من المال الخاص به؟
آخر ما يريد اللبنانيون سماعه هو اخبار النفط والغاز. يريدون أموالهم، لكنّهم يريدون أيضا ماء وكهرباء ومن يجمع النفايات. يريدون طرقات وبنى تحتيّة لائقة ومن يوفّر مستقبلا لاولادهم ومن يوفّر ادوية فعّالة، وليس ادوية، مستوردة من ايران، وأدوات طبّية حديثة كي يستمر عمل المستشفيات… وكي يكون الكلام عن سياحة طبّية في مكانه!
معيب ان يصل لبنان الى هذا الدرك. معيب اكثر غياب ايّ نوع من المنطق مع ما يعنيه ذلك من استيعاب لواقع يتمثّل في ان لبنان يعاني من انهيار اقتصادي في اطار ازمة سياسية ذات وجوه متعدّدة. في أساس الازمة السياسية تحوّل البلد الى مستعمرة إيرانية. كلّ ما في الامر انّ الوصاية الايرانية خلفت في 2005 الوصاية الايرانية – السورية التي اسّس لها السلاح غير الشرعي الفلسطيني ثمّ سلاح “حزب الله” المذهبي والميليشيوي.
لا مخرج للبنان من حال الانهيار في غياب الحدّ الأدنى من المنطق. ماذا يعني المنطق؟ يعني انّ لبنان لا يمكن ان يعيش على الاوهام، مثل وهم النفط والغاز. لن يستطيع لبنان الحصول على مساعدات في غياب سلطة قادرة على اجراء الإصلاحات المطلوبة داخليا. كان كافيا مراقبة تصرّف حكومة حسّان دياب في مواجهة ازمة “كورونا” للتأكّد من ذلك. هناك حال من الفوضى على كلّ المستويات وكلام غير مسؤول تتحكّم به الرغبة في مراعاة ايران الى ابعد حدود بعيدا عن مصلحة اللبنانيين.
الاهمّ من ذلك كلّه ان لا مساعدات عربية او أوروبية او أميركية للبنان، ولا تعاطي للمؤسسات الدولية معه بشكلّ جدّي من دون ترميم للعلاقات اللبنانية مع العرب اوّلا ومع الاميركيين ثانيا وأخيرا. ليست هناك دولة عربية قادرة على مساعدة لبنان ما دام البلد في ظلّ سلطة تعتبر نفسها جزءا لا يتجزّأ من محور الممانعة.
هذا ليس وقت البطولات المضحكة المبكية والرهانات الخاسرة مثل رهان ميشال عون على صدّام حسين في وجه حافظ الاسد في العامين 1989 و 1990 عندما كان على رأس حكومة موقتة ذات مهمّة محصورة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ان الرهان على ايران والنظام السوري في السنة 2020، رهان خاسر سلفا. بدل خوض مثل هذا النوع من المغامرات، لا بدّ من وجود وعي لما هو على المحكّ. اللبنانيون يريدون افعالا وليس احلاما. الخطوة الاولى في هذا الاتجاه واضحة كلّ الوضوح. ثمّة حاجة الى ترميم العلاقة مع العرب ومع الإدارة الاميركية. هل لبنان عضو في جامعة الدول العربية ام هو لسان حال ايران في مجلس الجامعة؟ هل لبنان، بالنسبة الى اميركا وأوروبا، منفتح على العالم ام انّه مجرّد تابع لإيران التي تفعل فيه ما تشاء؟
قبل الإجابة عن مثل هذا النوع من الاسلحة، لن تفيد لبنان أي وعود من ايّ نوع. هذا ليس وقت مواضيع الانشاء التي كنا نكتبها في الصفوف الابتدائية. هذا ليس وقت الأفكار الساذجة التي لا سوق لها في العالم ولا الشعارات الفارغة. لن تسمح اميركا في استخراج نقطة من النفط او حفنة من الغاز، في يوم من الايّام، في حال لم تعرف الى جيب من سيذهب كلّ دولار يدخل لبنان؟
يفترض ان يكون في لبنان من يعرف البديهيات، بما في ذلك ان العقوبات الاميركية على ايران ادّت مفعولها وهي ضربت المصارف اللبنانية بسبب استخدام “حزب الله” لهذه المصارف. لبنان يعاني انهيارا اقتصاديا في اطار ازمة سياسية في غاية التعقيد لا اكثر…