في العاشر من محرم من كل سنة هجرية يحيي الشيعة في مختلف أنحاء العالم ذكرى مقتل الإمام الحسين على يد جيش يزيد، الذي نصّب نفسه خليفة في الشام!
ومع الوقت تحول اليوم الى ذكرى حزينة ذات عبر، لمناسبة اختزلت فيها كل مراسم تعذيب النفس وإراقة الدماء وتعطيل المصالح وإغلاق المدارس، والمساهمة في زيادة تخلف المجتمعات والدول في كل مجال!
والمؤسف ملاحظة أن غالبية الذين يغالون في تعذيب أنفسهم، باللطم أو إسالة دمائهم، هم من الطبقات الأكثر بساطة، وكلهم أو غالبيتهم لا يعرفون حتى حقيقة الحسين ولم قتل؟ وما هي ظروف مقتله؟ ولا حتى كم كان عمره عندما قتل؟ ولم ترك المدينة ومعه أهله، وبينهم طفل رضيع، واتجه الى العراق؟ وكم يوماً عاش فيه قبل ان يقتل؟ ولماذا سعى يزيد الى التخلص منه؟!
كما أن لا أحد تقريباً يعلم متى وأين بدأت مراسم إحياء عاشوراء، وإراقة دماء النادبين عليه، وضرب ظهورهم بالسلاسل وتعذيب النفس وإذلالها، التي أصبحت المغالاة في تطبيقها تتزايد عاماً عن عام، بالرغم من تزايد أعداد رجال الدين المعترضين عليها، فإن لا أحد من أصحاب المنبر الحسيني، وخصوصاً المستفيدين من هذه التظاهرة السنوية، على استعداد لوقفها، وبالتالي فإن المشكلة ليست في إصرار العامة والدهماء على نهجهم، بل المشكلة فيمن يوجههم ويستثيرهم عاماً بعد آخر.
ويتساءل البعض بأننا لو افترضنا أن تاريخ إقامة هذه المراسم يعود إلى ما قبل خمسمئة عام، أكثر أو أقل، فما الذي تحقق خلالها من رقي وتقدم اجتماعي أو أخلاقي أو ديني، دع عنك التقدم والرقي الصناعي والإنساني والمعيشي في الدول، التي تحرص على إحياء هذه المناسبة بهذه الطريقة الحزينة؟
لا اعتراض طبعاً على محبة أو تقديس الرموز الدينية، فهذا حق إنساني لا يعترض عليه إلا جاهل، ومن الضروري، كما يرى البعض استذكار العبر من قصص الشهادة، وجعلها نبراساً يهتدي به.
ولكن ماذا عن عشرات أو مئات آلاف المصابين بمختلف الأمراض، الذين يموتون سنوياً بسبب نقص الدماء أو الأطباء أو المستشفيات وتهالك المباني وخراب المعدات، وتلوث المياه وسوء التغذية؟
ماذا عن الطرقات المتهالكة والمجاري الطافحة في كل شارع ومنطقة؟
ماذا عن نقص المدارس، واكتظاظ الموجود منها، وتخلف المناهج وندرة الكتب، وغياب المعلم؟
ماذا عن عجز الحكومات عن توفير الكرامة لشعوبها، واستعدادها في الوقت نفسه للصرف بسخاء لا نظير له على إقامة المراسم الدينية وحمايتها؟
لماذا نصيح «يا لثارات الحسين» عشرة أيام في العام، ولا نطلب الثأر ليوم واحد ممن خربوا الأوطان وهدروا الكرامات وأهانوا الأمهات والأخوات، وفشلوا في إقامة دولة شبه محترمة، وقاموا في الوقت نفسه بملء المعتقلات بالأبرياء؟
لم لا تحتل مثل هذه الأمور الأولويات لدى هذه الأمم والشعوب؟ ولماذا ترضى بهذا المستوى من المعيشة ولا تثور لكرامتها؟
لكل الحق في الاهتمام بآخرته، ولكن ماذا عن هذه الدنيا، ألا يجب أن نوليها ولو قليلاً من الاهتمام؟
من حق أية فئة أو فرقة التعصب لمذهبها، ولكن ليس على حساب أوطانها، فإن ضاع الوطن، وسبق أن ضاع وطننا لسبعة أشهر مخيفة، فلن ينفع التعصب في عودته بغير العمل الدنيوي الجاد وإعلاء كلمة الحق.
إن الخراب يعم تقريباً كل المجتمعات الشيعية، ولم ينج منه غير شيعة الكويت، فإن أرادوا بقاء الوضع على ما هو عليه والسعي لتطويره للأفضل فما عليهم سوى التفكير بعمق في ما أصاب بقية المجتمعات التي انجرفت نحو الصراع الديني.
كما عليهم التمسك بدستور الوطن وقيادته، وليس باتباع الفتاوى، والفتاوى المضادة الصادرة من هذه الجهة أو تلك.
كونوا شيعة، ولكن كونوا شيعة الوطن، كما كان دأبكم، فليس هناك ما هو أغلى من الوطن.
habibi.enta1@gmail.com
www.kalamanas.com