ترجمة “فاخر السلطان”
هل هناك حقا إله أم لا؟ سؤال طرحه عليّ كثير من القراء وطلاب الدراسات العليا في الفلسفة وفي فلسفة الحياة. والنقطة الأساسية هنا أن الإجابة التي يريدها معظم الناس هي “نعم” أو “لا” مدوية.
لكنني أعتقد أن أفضل طريقة للإجابة على أي سؤال، هي مساعدة السائل للعثور بنفسه على الإجابة. وإزاء ذلك، لن يتم تقوية ملكة النقد والتفكير فحسب لدى الفرد، وإنما الإجابة التي سيعثر عليها السائل ستكون نتيجة لتساؤله، وهذا سيحقق للسائل فائدة وطمأنينة. لذا، بدلا من إبداء رأيي في الموضوع، أفضل أن أقسّم التساؤل لكي يتمكن كل واحد منا في أن يتخذ قراره المناسب بشأنه.
أحد الأسئلة التي ابتلي بها العقل البشري هو ما إذا كان الله موجودا أم لا. لم يتمكن العديد من الأشخاص من الإجابة على السؤال، وظلوا باستمرار في حالة شك، وقد عانوا من هذا الأمر. هناك مجموعات أخرى فضلت إغلاق نوافذ تفكيرها وسلمت قلوبها وعقولها لأحد الطرفين المتمثلين في الرفض غير المعقول لوجود الإله أو القبول المتعصب لهذا الوجود.. فما العمل؟ كيف يمكننا حل هذا اللغز الدائم وتحرير أنفسنا من التحيّز الضار والتردّد غير السار؟
الحقيقة والنظرية
بالطبع الأديان والمذهب أجابت بنعم على السؤال، ولكن هناك نقطة واحدة غالبا ما يتم تجاهلها في البحث والنقاش، وهي التمييز بين “النظرية” وبين “الحقيقة” (التسليم بأمر ما). فالحقيقة هي الأمر القطعي الذي خضع للإثبات، أو الشيء البديهي، مثل: “نقطة غليان الماء مائة درجة” أو: “الأرض تدور حول الشمس” أو: “جمع النقيضين، محال”. وعلى العكس من ذلك، فإن النظرية هي، عملية تخمين أو افتراض لوجود ظاهرة ما، حيث يمكن الوصول إلى نتيجة بشأنها من خلال الأدلة أو الحقائق. مثال على ذلك نظرية الانفجار الكبير، التي تحاول تفسير ظهور العالم المادي. هذه النظرية هي فرضية مستخلصة من الأدلة التي لدينا عن الكون، وعلى الرغم من أنها نظرية قوية جدا ومحتملة، إلا أنه لم يتم إثباتها بشكل قاطع. على هذا الأساس، يجب الإعتراف بأن القول “بوجود” أو “عدم وجود إله” ينتمي إلى عالم النظرية، ولا يجب الخلط بين النظرية وبين الحقيقة أو الأمر البديهي.
أحد الأخطاء التي يرتكبها معظم المتدينين، أنهم يعتبرون الاعتقاد بأن “هناك إلها” كحقيقة. يقولون للبشر “آمنوا بوجود الله”. ومع ذلك، فإن وجود الله هو مجرد نظرية إلى جانب نظريات أخرى تشرح ماهية الكون، فحتى لو كان رأيي ورأيك حول “وجود الله” يستند إلى إيمان راسخ بذلك، غير أنه لا جدال بأن هذا العبارة هي بطبيعتها تعكس النظرية (بالطبع، عندما نقول بأنه “يجب أن تؤمن” بعبارة ما، فذلك يعني أنها نظرية، وإلا فيما يتعلق بالحقائق فإننا لا نشير إلى الإيمان بها أو عدم الإيمان بها، لأن الحقيقة أمر بديهي والقبول بها لا يحتاج إلى إيمان. مثلا، لا معنى أن يقول لك شخص: يجب أن تؤمن بكروية الأرض! أو يجب أن تؤمن بأن الماء ضد النار!).
بطبيعة الحال، فإن الغرض من أن تكون عبارة “الله موجود” نظرية، ليس أن تكون عبارة غير مقبولة أو غير مهمة، بل المراد أنه لا يمكن التحقق من وجود الله بشكل موضوعي وعلمي، ولا يمكن أن نثبت ذلك كحقيقة دون أن يشك أحد بذلك – على الأقل لم يتحقق هذا الهدف حتى الآن. ففي الفلسفة، لم يتم التأكيد على ذلك بشكل قاطع. وحتى لو تم التأكيد عليه، لايزال الكثيرون غير مقتنعين بذلك وغير مطمئنين. لذا، القول بأنه “يجب أن تقبل بأن الله موجود” يتعارض مع العقل والمنطق. وواضح أنني لا أقول بأن الله غير موجود، وأساسا إيماني بالله ليس له أي تأثير في أصل البحث. ما أريد قوله هو أنك حينما تجبر شخصا على قبول شيء غير مثبت، فذلك أمر غير معقول وليس له فائدة. إذن ما هو الحل؟
من منظور الله
أود أن أسأل كيف يمكن لنا أن ننظر إلى المسألة من منظور الله؟ لنفترض (مجرد افتراض فقط!) أنك الله، الخالق والحكيم واللطيف والعادل. حسنا، حينما تخلق مخلوقا يفكّر، وتجعله فارغا من الأخبار والعلوم من جميع النواحي، وتطلقه وسط كون لا حصر له، وهو لا يملك علما بشأنه، فيما أنت تملك العلم المطلق والقدرة المطلقة، ستعرف بلا شك بأن هذا المخلوق سوف يكون مرتبكا، ستتنبأ جيدا أن مخلوقك سيسأل نفسه إلى الأبد: من الذي أتى بي إلى هذا العالم ولماذا أنا هنا؟
حسنًا، أنت، الخالق المبدع اللطيف العقلاني، هل تمنح مخلوقك الحق في أن يمارس الشك والتردّد والحيرة؟ تعرف بأنك أنت الذي أصرّيت بأن تكون “بعيدا عن ضوء الشمس” منذ البداية. وفي الأساس، فإن ذات الإنسان المتفكرة والباحثة من ناحية، و”عدم القدرة على رؤيتك” و”اختفائك” من ناحية أخرى، كانا جزءا من خطتك الإبداعية في مسألة الخلق. لذلك، لن تغضب من هذا العبد، بل ستعجب به، على صدقه ورفضه للامبالاة. لذلك، لا يمكن القول بأنك، أيها الإله، تنتظر من عبدك أن يؤمن بك من دون شك أو سؤال، لأنه في الأصل لم يكن مفترض ذلك. إذا كان الأمر كذلك، كان يمكنك إمّا حرمانه من قوة العقل والتشكيك، لكي تزال مخاوفه المتعلقة بوجوده في هذا الكون، فيصبح كالمخلوقات الأخرى يقضي حياته في مطاردة “الأكل والنوم والغضب والشهوة”. أو أنك ومنذ اليوم الأول ومن خلال إظهار نفسك، تتخلص من أي شك فتزيل أساس المشكلة. إذن ماذا يمكن أن تكون نواياك؟
الشك والذكاء
بالطبع، تتوقع من عبدك متابعة ما لا يشك فيه. والقرآن أيضا يحذر بوضوح: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ” (الإسراء – ٣٦)، أي لا يجب على العبد أن يقبل بشيء ويتصرف فيه إلا بعد أن يزيل الشكوك عنه. فبدلا من الإنشغال بالعقَد التي لا يمكن فتحها أو بالأسئلة التي لا يمكن حلها، لينظر بذكاء إلى ما يملك ويطمئن منه، لكي يستفيد من ذلك على أكمل وجه.
سيقول العبد العاقل لنفسه: إذا كان الله يريدني أن أراه، لكان كشف عن نفسه لي (كما فعل مع الملائكة)، لذلك من الأفضل الاستفادة الكاملة من ملكة “النقد” التي أمتلكها، لكي أستخدمها على أكمل وجه في تطوير الجانب الروحي والجسدي، وكذلك في تطوير العالم.
بالطبع، كان الله الحكيم والعادل يريد هذا الشيء أيضا. إذا وصلنا إلى نهاية العالم وسألوني: “لماذا لم تعبد الله؟” وأجبت بأنني “كنت أشك في وجود الله”، فسيقبلون مني هذا الجواب، لكن إذا سألوني: “لماذا لم تستفد بصورة صحيحة من الفرصة القصيرة، ومن الإمكانيات التي أتيحت لك والتي لا تعد ولا تحصى؟ ثم أقول: “لدي شكوك حول حياتي وإمكانياتي”، فمن غير المرجح أن يقبلوا مني هذا الجواب!
نقطة أخرى مهمة وجذابة هي، كما ورد في القرآن، أن القول بوجود الله أو عدم وجوده، ليس له في حد ذاته قيمة كبيرة، بل الأساس هنا هو السلوك الصحيح والعمل الصالح، فالقرآن یدین أولئك الذين يؤمنون بالله الخالق، لكنهم يبتعدون عن إحقاق الحق. ورد في الآية ٨٧ من سورة الزخرف: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ”. كذلك ورد في الآية ٣٨ من سورة الزمر: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ”.
كلمة أخيرة
بغض النظر عما تم ذكره، لنفترض أن الله كشف عن نفسه لي ولك، وحلّ مشكلة وجوده إلى الأبد. ثم ماذا؟ ماذا توقّع منا؟ باعتقادي توقّع أن نستخدم أفضل ما قدمه لنا، وإلا فالذي يمتلك كل الوجود، ما الذي يحتاجه من صلاتنا وصيامنا، أو من ذهابنا إلي الكنيسة؟ أليس الإستفادة الجيدة من الإمكانيات المتاحة تكمن في بناء حياة صحية ومزدهرة وخالية من الاضطهاد والجهل؟ ولكن كيف يمكن لشخص ليس من أهل القراءة والمعرفة والتفكير، أن يعرف كيفية العثور على أفضل طريقة للعيش في الحياة؟..
*الأصل بالفارسية: https://3danet.ir/خدایی-هست-یا-خدایی-نیست/
**الدكتور ساسان حبيب وند، باحث ومؤلف إيراني، يسعى لتقديم نظرة جديدة لجمهوره من خلال جلب الفلسفة إلى الحياة.
حتى لو ووصلت البشرية للحقيقة او اوصلت الحقيقة لهم في نهاية المطاف فماذا ستفيد مليارات البشر السابقين
أستغرب من الكاتب استشهاده بآيات من القرآن يريد بذلك تمرير فكرة أن الله لا يهمه إيمان العباد به من عدمه متجاهلا الكثير من الآيات الدالة على ضرورة الإيمان به
أدهشني التناول والعرض
تفسرك….لايگفني
بسم الله الرحمن الرحيم
**على ضوء مقال الكاتب :
كيف يتصرف المرء؟!
و قبل ذلك لا يخرج القارئ بنتيجة واضحة (هل الله موجود أم لا؟!)
فمعنى هذا أن يبقى الشخص لا أدريا !!!
و سيتصرف في حياته (بالبركة)كالأعمى لا يدري إلى أين يسير ؟!
****المهم
أن قضية وجود الله ستبقى لغزا عصيا فهمه على البشرية جمعاء ، و من المفترض أن قضية كهذه أن تكون من الوضوح الشديد ؛لكن بدلا عن ذلك صارت أغمض قضية على الإطلاق في هذا الوجود ، و ستبقى البشرية في غصة من هذا الأمر !!!!!!!
الله موجود ويوجد أدلة كثيرة علي هذا
أنظر الي الصورة
نعم يوجد إله وهي ليست نظرية بل حقيقة إنها أعظم حقيقة ويوجد أدلة علي هذا الكثير والكثير لذالك لا تقول أنها نظرية بل هي حقيقة يعيش بها الكثيرون وأنا منهم فالله سبحانه وتعالي الذي نؤمن به نحن المسلمين يحي ويميت وهو الذي خلقنا وخلق هذا الكون الشاسع الذي نعرف منه فقط 10٪ والباقي نحن لا نعرفه وهذا أثبته العلماء والله الذي ليس له شريك في الملك ،الواحد الأحد ،الذي خلقنا لعبادته وللعمل الصالح ومن عمل عملا صالحا فله الجنة ومن عمل سيئا له النار ونحن المسلمون نتوكل علي الله ليحفظنا ونحن أيضا مؤمنون بكل الرسل الذين جاؤوا قبل سيدنا محمد… قراءة المزيد ..
فعلا… لقد أجبت عن السؤال .. ليس المهم أن يكون الإله موجودا أم لا… الأهم أن نستفيد من حياتنا القصيرة فوق الأرض في ما يفيدنا و يفيد البشرية و ينشر الخير و السعادة و الرفاهية…