قبل أسبوعين سنحت لي الفرصة بالحديث مع واحد من المسؤولين في سجن المباحث العامة في القصيم، وكان مما يثير الصدمة الأعداد الكبيرة التي أصبح السجن يغص بها من المراهقين الذين يسمونهم الأطفال من سن الخامسة عشرة حتى التاسعة عشرة، وفيهم عائدون كثر من سوريا والعراق، ويبدو أن سنوات طويلة من التعاطي مع هذه الفئة قد أقنعت وزارة الداخلية مؤخراً بإشراك وزارة الشؤون الاجتماعية لتكون شريكاً في وضع البرامج التي تساعد هذه الفئة وإعادة تأهيلها. فالخبرة لدى وزارة الداخلية من التجارب السابقة لمن هم دون سن الثامنة عشرة بإحالتهم إلى دار الملاحظة الاجتماعية، أثمرت كثيراً من المشاكل، وأفرزت ظواهر سلبية وخطرة، حيث ضعف المتابعة، وسهولة الاحتكاك، وعدم وجود الرقابة الصارمة للأشخاص الخطرين ضمن هذه الفئة، وحسب أحد المسؤولين في مكتب حقوق الإنسان في الوزارة: «لقد أكدت خبرتنا أن انتشار الفكر الغالي ضمن هذه الفئة يسري كالنار في الهشيم كلما كانوا أبعد عن رقابة أجهزة الأمنية التي تكاد تتحمل وحدها هذا العبء الكبير، لكننا أشركنا الجهات الأخرى لتحمل نصيبها من العبء وخصوصاً الرعاية الاجتماعية لأهالي السجين وأبنائه».
وحسب ما ذكره لي مدير سجن الطرفية في منطقة القصيم، فإن تخصيص جناح لـ«الأطفال» -حسب وصفه- من سن 15-19 هو قرار أصبح أكثر جدوى من اختيار عينات يمكن مزجها مع بعضها بغض النظر عن التباين العمري بين السجناء. «بعد أن تعزل الكبار عن اليافعين يمكنك بعد ذلك أن تفرزهم وتكافئهم، لهذا أنشأنا الجناح الذي يمكننا أن نكافئ عبر امتيازاته أولئك الذين يبدون تحسناً مع الوقت». «لقد حرصنا أن نفجر طاقاتهم، ونشغلهم بالبرامج الترفيهية وصقل مهاراتهم في الفنون والنجارة وكل ما يمكن أن يعود عليهم بالنفع»، مؤكداً أن اصطياد متنمّر داخل العنبر واكتشاف تأثيره السلبي على السجناء ليس أمراً سهلاً، «احتجنا مدة حتى تمكنا من الحصول على أدلة تثبت أن واحداً من السجناء ذو تأثير مدمر على زملائه. كان قوي الشخصية، وذكياً ومتحدثاً لبقاً ومقنعاً للمسؤولين في السجن، لكن تأثيره المدمر على رفقائه، واستخدامه أساليب شريرة من التنمر والتهديد والضرب الذي لا يمكن للكاميرات أن تلتقط تلبسه به، كان تحدياً لنا، لقد مارس هو وأهله مرات الضغط على إدارة السجن عبر الشكاوى إلى الجهات العليا، ولكننا أوقعنا به أخيراً».
وفي إشارة إلى عتب على بعض الأحكام القضائية «المجاملة»، يعلق أحدهم: «لقد كان هؤلاء الموقوفون يأتون ملطخين بتهم متنوعة من التستر إلى الإيواء إلى التأثر بفكر داعش وتكفير الدولة والمجتمع، ولكنهم يعودون -بعد توصيات من اللجان بالإفراج عنهم والاكتفاء بالمدد التي قضوها- مرة أخرى ملوثين أحياناً بالدماء»، يشير مدير السجن: «لقد أصبحوا يعودون مجرمين! وهذا ما لن تسمح به قيادة هذا البلد».
«إننا سنمنحهم الفرصة ليكونوا أكثر اعتدالاً، كل وسائل الترفيه بين أيديهم، هم لا يحتاجون جرعة إيمان وتدين أكثر، هم يحتاجون أن يكونوا أكثر حباً للحياة وتشبثاً بها، وحين يختار الواحد منهم أن ينساق وراء رغباته ونزواته متخففاً أكثر فأكثر من الالتزام، فهذا لن يكون قصة حزينة لنا، لأنه شأن يخصه، ولأن الهدف الأسمى هو أن يكون مواطناً صالحاً، ليس أكثر».