بعد أن كان الجناح المحافظ في إيران، بمعية رجال دين متشددين من خطباء صلاة الجمعة وشخصيات نافذة في الحرس الثوري (الباسداران)، يحمل لواء معارضة السياسات الداخلية والخارجية للرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني، وبالذات معارضة الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام ٢٠١٥ والذي كان يُعوّل عليه المعتدلون والإصلاحيون لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية وفتح صفحة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الغربية، حيث سعى المحافظون باستمرار إلى تغيير روحاني والهيمنة على الشأن العام.. بعد كل تلك الأحداث والتطورات، وإثر انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإتفاق، انتقلت وجهة معارضة استمرار روحاني في الرئاسة إلى جبهته السياسية التي ينتمي إليها.
فقد طالب حسين موسويان، وهو شخصية سياسية بارزة محسوبة على التيار المعتدل وسفير إيراني سابق في ألمانيا وعضو سابق في فريق التفاوض النووي، في لقاء صحافي هذا الأسبوع تعليقا على سياسات الرئيس الأمريكي وحلفائه تجاه إيران، بعد أن أوضح بأن الهدف الأساسي لهذه السياسات هو الإطاحة بالنظام الإسلامي والسعي لتقسيم البلاد، وتأكيده على وجود مساعي من قبل هؤلاء الحلفاء لجر أمريكا لخوض حرب مع إيران، ونفيه أن تكون سياسات ترامب مؤيدة لخوض الحرب.. طالب بتغيير الرئيس.
فقد شدد موسويان في حوار مع صحيفة “همشهري” (المواطن) على ضرورة تماسك الجبهة الداخلية الإيرانية، باعتبار أن ذلك أحد سبل مواجهة التهديدات الخارجية، وأوضح بأن أحد شروط هذا التماسك هو تغيير روحاني والدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة. وأكد على أن الانشقاق في صفوف النخبة الحاكمة في إيران، سبب رئيسي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها إيران وعامل أساسي في تبعثر المصالح القومية. أي أن موسويان، وبعبارة أخرى، طالب بالتضحية بروحاني باعتبار أن ذلك، حسب تصريحاته، سيساهم في تهدئة الأوضاع الداخلية وصولا إلى وضع حلول لها، وإلى تماسك الجبهة الداخلية من أجل مواجهة الأخطار الخارجية وإنقاذ النظام. لكن اللافت في موقف موسويان أنه لا يعتبر محسوبا فحسب على المعتدلين، بل هو من المقربين لروحاني.
وأحد الأصوات الإصلاحية البارزة المطالبة باستقالة روحاني، هي للمنظّر الإصلاحي البارز سعيد حجاريان، الذي أشار في لقاء مع صحيفة “اعتماد” قبل أيام إلى أهمية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة كأحد حلول مواجهة الظروف الداخلية. فكيف يمكن تفسير موقف موسويان وحجاريان، في ظل الصراع بين مرشد الثورة والحرس الثوري والجناح المحافظ من جهة والجناح المعتدل والإصلاحي من جهة أخرى، على إدارة البلاد؟!
وكان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد طالب في فبراير الماضي في رسالة وجهها إلى مرشد الثورة علي خامنئي بإقالة روحاني، ودعا إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، متهما الحكومة ومجلس الشورى بالفشل في مواجهة المشكلات الإقتصادية والمعيشية. وقد هاجم الإصلاحيون والمعتدلون نجاد، واعتبروا رسالته لمرشد الثورة مهينة وتصب مزيدا من الزيت على نار الأوضاع المتردية، وطالبوا بمحاكمته.
وتوقع أنصار نجاد، خلال الأسابيع الماضية، أن تساهم الأوضاع الداخلية، والتي تزامنت مع تظاهرات شعبية واعتصامات منذ ديسمبر الماضي، في استقالة روحاني، رغم أنهم اتهموا المرشح الرئاسي المحافظ ابراهيم رئيسي بإطلاق شرارة تأجيج الأوضاع ضد روحاني في ديسمبر.
يتحدث بعض المحللين عن تصاعد سيناريو قد يفضي إلى “إقالة” روحاني ومجلس الشورى، و”تعيين” حكومة بديلة يسيطر عليها المحافظون والمتشددون، و”تعليق” عمل البرلمان، وأن هذا الإجراء قد يكون بمثابة خطة إنقاذ طارئة لمواجهة تداعيات الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية التي تمر بها إيران. غير أنه إذا ما تحقق هذا السيناريو، فسيكون بمثابة “انقلاب عسكري” على حكومة روحاني وعلى الجناح المعتدل والإصلاحي، وسيؤدي إلى تحويل البلاد لحكم الحزب الواحد تحت إمرة المحافظين والمتشددين. لذلك، يعتقد المحللون، بأن مساعي بعض الشخصيات الإصلاحية في الدعوة لتغيير الرئيس في ظل الظروف الراهنة من خلال العمل على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، يهدف في واقع الأمر إلى قطع الطريق من أمام التيار المحافظ للإنقلاب على الحكومة والبرلمان ومنع هيمنته المطلقة على البلاد.
ويفيد المراقبون بأن التظاهرات والاعتصامات التي تشهدها إيران (وقد شهدت طهران اليوم الاثنين مظاهرات كبيرة احتجاجا على الوضع المعيشي وغلاء الأسعار وارتفاع سعر العملة) مؤشر على أن الأوضاع قد تخرج عن السيطرة ولا بد من سيناريو لمواجهتها، وبالتالي قد يكون “الإنقلاب” ضد روحاني أحد الحلول المطروحة بقوة على الطاولة.