بدت عليه ملامح الإعياء والتدهور الجسدي عندما بلغ من العمر ٢١، تم تشخيصه بمرض نادر وهو العصب الحركي. مرض مميت لا علاج له، يتطور ببطء ويقضم جسم الإنسان بالتدريج. حينها قدر الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين، ومع ذلك صارع المرض لمدة ٥٤ عاماً حتى توفي وقد بلغ عمره ٧٥ عاماً. عندما نشر كتابه الأكثر شهرة “التاريخ الموجز للزمن” سنة ١٩٨٨، ساعياً إلى تبسيط الفيزياء للعامة، كان المرض أقعده نهائياً وعطل قدرته على الكتابة أو الجهد الحركي حتى توقف جسمه نهائياً عن الأداء ولم يبق فيه إلا العقل. قامت شركة أنتل بتصميم تطبيق خاص له يصل كرسيه المتحرك من خلال شريحة في خده، لكي يتمكن من التخاطب الرقمي مع الآخرين عبر صوت مولد إلكتروني بإصدار الأوامر عبر حركة عينيه ورأسه.
أما مواقفه العامة فكانت متسقة مع الحس الإنساني العام، الذي كان يراه لعالم يدمر نفسه بنفسه، لذا كان داعماً للمساواة بين البشر كمدخل لاستقرار العالم. فكان معارضاً لتغيير المناخ، وداعماً لبحوث الخلايا الجذعية، ومطالباً بالرعاية الصحية للجميع، ومناصراً لنزع الأسلحة النووية، ومعارضاً لغزو العراق في ٢٠٠٣، وداعماً لمقاطعة الأكاديميين لإسرائيل.
الظاهرة التاريخية الأهم، التي تشكلت فيه، هي أنه لم يبدأ إنتاجه العلمي في الفيزياء إلا بعد أن انتهى جسده عن الأداء بالكامل، فكانت كتبه المشهورة والمؤثرة عالمياً ومحاضراته قد صدرت بدءاً من ١٩٨٨، وانتهاءً بكتاب “تاريخي المختصر” في ٢٠١٣. ولم يتوقف عند إنتاجه العلمي بل أبحر في الكتابة للأطفال مع ابنته فأنجزا خمسة كتب، آخرها “جورج والقمر الأزرق” في ٢٠١٦.
ماذا لو كان شخص بقدرات ذهنية عالية بيننا وفي منطقتنا الموبوءة بالجراد الفكري، وقد أصيب بمرض أقعده وشل جسمه نهائياً؟ كيف كنا سنتصرف؟ كيف كانت مجتمعاتنا ستتعامل معه؟ إن كان محظوظاً فسيتم العطف عليه، وعزله اجتماعياً كمعاق لا جدوى منه، أو نتعامل مع ما يقوله على أنه مجرد تخاريف. أما إن لم يكن محظوظاً فربما يربط في شجرة أو عمود مظلم ليقضي بقية حياته يتجنبه الناس حتى يموت.
رحل ستيفين هوكنغ، وقضى أكثر من نصف قرن في الإنتاج العلمي دون جسد، مؤكداً “أن الذكاء هو القدرة على التكيف مع التغيير”، وأي تغيير جذري كان قد مر به وتمكن من التكيف معه. ربما كان المجتمع الذي تفاعل مع ذلك المعاق هو الذي أسهم في استمرار ذلك العقل الفذ في الإنتاج رغماً عن الكساح الجسدي الشامل، وربما صار علينا مراجعة المقولة التي تربينا عليها “العقل السليم في الجسم السليم”، وتطويرها وإعادة تدويرها وإنتاجها لتصبح “العقل السليم في المجتمع السليم”.