العقوبات باقية ضد ”الحاج” سليماني، وشركات “الحرس”، و.. قطاع النفط!
ستجني مكاتب المحاماة الدولية أموالاً طائلة من عمليات رفع العقوبات عن طهران! فعملية رفع العقوبات أصعب بكثير من فَرضِها. والمشكلة متعددة الجوانب، وتخضع لـ”منطق” متعدد. مثلاً، حرص الأميركيون وحدهم على الإبقاء على حظر تعامل شركاتهم مع شركات النفط والغاز الإيرانية، وعلى منع نقل التكنولوجيا لها، ربما كأداة ضغط دائمة على الإقتصاد الإيراني رغم ما قد يسبّبه ذلك من خسارة للشركات الأميركية! ولكن هنالك جوانب أخرى. ولتبسيط الأمور:
أولاً، العقوبات على إيران ليست كلها مرتبطة بالملف النووي. فقسم منها يتعلق بالإرهاب، وهذه ستظلّ سارية المفعول ولن تسقط مع توقيع اتفاق فيينا.
ثانياً، هنالك ٣ فرقاء أساسيين فرضوا عقوبات على إيران، هم مجلس الأمن الدولي، والولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي. مجلس الأمن فرض عقوبات على ٤٠ شخصية إيرانية وعلى ٧٥ شركة فقط. الإتحاد الأوروبي فرض عقوبات على ١٠٠ شخصية وعلى ٥٠٠ شركة. أما العقوبات الأميركية فتشمل مئات الشخصيات والشركات والهيئات الحكومية الإيرانية.
ثالثاً، رفع العقوبات يتمّ على مرحلتين تفصل بينهما ٨ سنوات. فاتفاقية فيينا نصّت على “يوم تنفيذ” الإتفاقية، وهذا يرتبط بـ”شهادة” تصدرها وكالة الطاقة النووية في فيينا خلال ٦-٨ أشهر تؤكد فيها على التزام طهران ببنود الإتفاقية. وهذا يستتبع رفع قسم من العقوبات فقط. ثم على “يوم انتقالي”، بعد ٨ سنوات، ويستتبع رفع عقوبات أخرى.
رابعاً، حتى بعد “يوم التنفيذ” (خلال ٦-٨ أشهر)، فالعقوبات الدولية بموجب ما يسمّى قرار مجلس الأمن “الجديد”، والتي تطال هيئات تعمل في ميدان تطوير الصواريخ ستظل سارية المفعول. وحتى بعد رفع عقوبات وزارة الخزينة ووزارة الخارجية الأميركية عن بعض الهيئات الإيرانية بعد أشهر، فسيظلّ “محظوراً على الأميركيين” التعامل معها. وبالنسبة للأوروبيين، فسيرفعون معظم العقوبات بعد ٦ أشهر، “باستثناء الهيئات التي يعتبرون أنها أساسية في المشروع النووي العسكري الإيراني”!
خامساً، ولتفكيك ألغاز الإتفاق، فهو مصمّم، عموماً، بحيث تستفيد من رفع العقوبات الشركات الصناعية والبنوك الإيرانية، وحتى البرنامج النووي المدني في مرحلة أولى، على أن تستفيد منه المؤسسة العسكرية الإيرانية والحرس الثوري في مرحلة ثانية تفصلها عن الأولى ٨ سنوات على الأقل. إن إبقاء العقوبات على كل ما يتعلق بالحرس الثوري هو، حتماً، أحد أسباب نقمة “الحرسيين” على الإتفاق. ويمكن لجماعة “الحرس” أن يتّهموا فريق روحاني-ظريف بأنه “لم يدافع” عن مصالحهم العسكرية وحتى “التجارية”.
من يظلّ خاضعاً للعقوبات:
١- العقوبات الدولية على قاسم سليماني، وهي تعني “تجميد ما يملكه من أصول” ستظلّ سارية المفعول لمدة ٨ سنوات. ولن يتم رفع العقوبات التي فرضتها وزارة الخزينة ووزارة الخارجية الأميركية ضده. فـ”الحاج” قاسم سليماني متّهم بـ”الإرهاب”، وقضيته منفصلة عن الملف النووي. كما سيظل قاسم سليماني على قائمة العقوبات الأوروبية بصورة دائمة ومعه ٩٠ شخصية إيرانية متهمة بـ”الإرهاب”. وهؤلاء جميعاً لا تشملهم اتفاقية فيينا.
وستظل العقوبات الدولية قائمة ضد “بنك سيباه”، وضد شركة “خاتم الأنبياء”، وهي شركة بناء تابعة للحرس، وضد شركة “فارايند تكنيك” وضد “شركة قلاية للكهرباء”، وضد شركة “بارس تراش”.
٢- تسبّبت العقوبات الأميركية خصوصاً، والأوروبية كذلك، في قطع علاقة البنوك الأوروبية بالنظام المالي الدولي خلال السنوات الأخيرة. ماذا سيتغيّر؟ “بنك سيباه” المرتبط بالإنتشار النووي والمرتبط بالحرس الثوري سيظل على قائمة العقوبات الأوروبية والأميركية لفترة غير محددة. بالمقابل، سترفع أوروبا العقوبات ضد البنوك الإيرانية الأخرى، وبينها “بنك ملت” بصورة كاملة. أما أميركا فسترفع، بعد أشهر، الحظر عن البنوك الإيرانية، ولكن الحظر على تعامل الأفراد والشركات الأميركية معها سيظل قائماً!
٣- النقل البحري: سيظل الحظر الأوروبي والأميركي مفروضاً على الشركات البحرية الخاضعة لـ”الحرس”، وخصوصاً شركات النقل البحري التي قامت بنقل شحنات أسلحة لـ”حزب الله”. بالإضافة، سيظل الحظر الأميركي على ناقلات النفط الإيرانية قائماً لعدة سنوات، مما يعطي أميركا القدرة على “التحكّم” بتطور قطاع النفط الإيراني!
٤- الطيران المدني: كان أقل القطاعات تأثراً بالحظر لأنه لم يتعرّض سوى لعقوبات من جانب الولايات المتحدة وحدها. إجمالاً، ستسقط عنه كل العقوبات، باستثناء العقوبات الأميركية ضد شركات الطيران الإيرانية المتهمة بتهريب الأسلحة إلى سوريا وحزب الله بالنيابة عن الحرس الثوري وفيلق القدس التي ستظلّ قائمة.
٥- قطاع النفط والغاز: ستسقط عنه معظم العقوبات الأوروبية والأميركية، باستثناء الشركات التابعة لـ”الحرس الثوري” التي ستبقى خاضعة لحظر أميركي. مع استثناء أميركي مهم أيضاً: فسيظلّ محظوراً على الأشخاص الأميركيين والشركات الأميركية التعامل مع شركات قطاعي النفط والغاز في إيران!
٦- الطاقة النووية المدنية: باستثناء “شركتين” إيرانيتين ستظل العقوبات الدولية والأوروبية عليهما حتى “اليوم الإنتقالي”، أي لمدة ٨ سنوات (لدورهما في مشروع صنع قنبلة ذرية إيرانية)، فإن قطاع الطاقة النووية المدنية سيتحرّر من جميع العقوبات. وسيحق للأميركيين، وللشركات الأميركية، التعامل التجاري مع هذا القطاع الذي كان توقّف منذ سقوط الشاه.
٧- الجامعات: بصورة عامة، لم تخضع الجامعات الإيرانية لعقوبات كثيرة رغم دورها الحاسم في البرنامج النووي وفي برامج الصواريخ. في “اليوم الإننقالي”- أي بعد ٨ سنوات- سترفع أوروبا الحظر عن جامعتين، هما “جامعة الشهيد بهشتي”، و”جامعة شريف للتكنولوجيا” (التي كان عميدها السابق هو السيد “صالحي” نفسه). وسبب إبقاء الحظر الأوروبي عليهما لمدة ٨ سنوات إضافية هو علاقة الأول بالبرنامج النووي، وعلاقة الثانية بأبحاث أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. إضافة إلى ما سبق: يُرفَع الحظر الدولي عن “جامعة مالك أشتر” العسكرية، ولكن التجميد “الدولي” لأصولها يظل قائماً! كما ستبقى العقوبات “الأميركية” على كليتين عسكريتين مرتبطتين بالحرس الثوري.
٨- الهيئات العسكرية، ومؤسسات تطوير الصواريخ، والحرس الثوري: تمّت صياغة اتفاقية فيينا على نحو تعمّد تأخير استفادة الجيش والحرس الثوري منها. فكل الهيئات المتعلقة بالحرس والجيش وصناعة الصواريخ ستظل خاضعة للعقوبات لمدة ٨ سنوات على الأقل.
٩- الشركات والأفراد الذين خرقوا الحظر في السنوات الماضية: سيظل الحظر قائماً لمدة ٨ سنوات على الأقل على الشركات الإيرانية وفّرت أجهزة إلكترونية لمنشأة أجهزة الطرد المركزي في ”نطنز”، كما ستبقى العقوبات على ”المهرّبين”، وبينهم ”حسين تانيده” الذي اعتقله الألمان، وكذلك المهربين الذين فرضت أميركا عقوبات ضدهم. الطريف هو أن الإيراني “بارفيز خاكي” سيظل خاضعاً للحظر مع أنه توفّي قبل توقيع اتفاقية فيينا، وأن الألماني “غيرهارد فيسير” الذي ساعد الباكستاني “عبد القدير خان” في بيع تكنولوجيا لليبيا سيظلّ خاضعاً للعقوبات، ربما إلى الأبد، مع أنه لا صلة له بالبرنامج الإيراني. و”الحكمة” هنا هي أن العقوبات وصلت إلى درجة من التعقيد إلى حد أن من فرضوها ارتكبوا أخطاء أو هفوات في اتفاقية فيينا.
١٠- العقوبات الكندية والحظر على شراء النفط وتقديم الخدمات لقطاع النفط الإيراني: لم توقّع كندا اتفاقية فيينا، ولكنها تفرض عقوبات ضد حوالي ٦٠٠ شركة ومؤسسة إيرانية! فهل سترفع الحظر عنها الآن، أم لاحقاً؟ هذا ليس واضحاً لأنه يتعلق بقرار كندا وحدها. وينطبق ذلك على دول أخرى لم توقّع اتفاقية فيينا.
يعني كل ما سبق أن على الشركات، الخليجية خصوصاً، التي تستعد لدخول السوق الإيراني أن تتأكد مما إذا كانت الشركات الإيرانية التي ستتعامل معها ”نظيفة” فعلاً. وعلى شركات قطاعي النفط والغاز، وشركات الملاحة البحرية والطيران، أن تتحقّق من وضعها، خصوصاً إذا كانت لديها مصالح في الولايات المتحدة. فالحظر الأميركي المستمرّ يمكن أن يطالها في هذه الحالة.
(اعتمدنا في ما سبق على دراسة أعدّتها ”نشرة العلماء الذريين الأميركيين” (The Bulletin of American Scientists) وهي من أدق المراجع في هذا المجال.