«منطقتنا في حاجة إلى إيران أخرى… تلك التي تملك إمكانات واعدة لا نملكها»، يكتب الأستاذ حازم صاغيّة مُذكّراً القارئ بأنّ «الوضع العربيّ الذي يئنّ تحت وطأة الثورات المضادّة والهزائم والتفتّت من كلّ صنف لا يملك ما يقدّمه».
وبالنّظر إلى أحوال العالم العربي، ما قبل سنوات هذا «الربيع» العربي الدموي وما بعدها، أجدني أتّفق مع ما يرمي إليه الأستاذ صاغيّة من أنّه «ما لم يطرأ حدث كبير في إيران، فإنّ شيئاً لن يتغيّر عندنا». فما لم تخرج إيران من سيطرة الملالي وما يحملونه من أيديولوجيّات، فإنّ المستقبل العربي سيظلّ رهينة لنزواتهم وأحلامهم الإمبراطورية القومية الفارسية المختبئة بأقنعة مذهبية صُنعت من حقب الماضي النازف نتيجة للقاء بين العرب والعجم.
ولمّا كان هذا المشرق العربي مأزوماً بتركيبة كياناته الإثنية والطائفية، ومأزوماً بتركيبة زعاماته الطائفيّة والقبليّة التي لم تُفلح في تأمين حياة البشر بكيانات عابرة لهذه النزعات، فإنّ هذا المشرق سيبقى عرضة للتلاعب بمصائره ومصائر قُطّانه على اختلاف خلفيّاتهم. وسيظلّ هذا العالم العربي مسرحاً تتعارك فيه القوى الإقليمية والقوى العظمى لا تحدوها مصائر أهله بقدر ما تحدوها مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة.
كما يسعنا القول إنّه وبالنّظر إلى التجارب العربية في هذه الكيانات التي خرجت من الحقبة الاستعمارية إلى حقبة الاستقلالات الوطنية، وطوال عقود طويلة، لم تُفلح زعامات هذه الكيانات في بناء دولة واحدة يمكن الإنسان العربي أن يفخر بها. هكذا، يجد الإنسان العربي نفسه محاطاً بعالم يحضّ الخطى عابراً في قطار التقدّم على جميع الصعد، بينما يقبع هو على قارعة الطريق مُستهلكاً لفتات يلقيه إليه المسافرون من نوافذ هذا القطار السريع.
ولأنّ العرب، وعلى ما يظهر للأسف من التجارب العربية ومن التاريخ العربي، لم ينتقلوا بعد من الطّور القبلي بعصبيّاته إلى طور الشعب العابر للعصبيّات وبناء دولة المؤسّسات، فإنّ مآل هذه الكيانات هو ما يشهده القاصي والداني ممّا آلت إليها من أحوال.
إنّ الوميض الوحيد في هذا الليل العربيّ الطويل الذي يشير إليه الأستاذ صاغيّة يأتي من إيران ومن ناسها الذين خرجوا إلى الشوارع في 2009 في «ثورتهم الخضراء»، تلك التي قمعها الملالي مستخدمين العنف. وها هي التظاهرات ضدّ نظام الملالي تنفجر من جديد في هذا البلد العريق.
ولمّا كان الوضع العربي، وبعد كلّ التجارب العربية، ميؤوساً منه، وما من بصيص أمل يظهر في الأفق، فإنّ «الربيع الإيراني» قد يكون أوّل خطوة للخروج من مآزق هذه المنطقة.
ما من شكّ في أنّه لو قُدّر لهذه المنطقة أن تشهد في المستقبل ثورة ديموقراطية حقيقية، فإنّ إيران هي المُرشّحة الأولى لثورة كهذه، وليس أيّ كيان عربي آخر. ربّما بعد أن يطيح الإيرانيون بنظام الملالي نافضين عن كاهلهم أغلال القرون الوسطى، قد يجنح العرب إلى تقليدهم فينفضون عن كواهلهم قرونهم الطويلة وعصبيّاتهم السليلة.
قد يكون الكلام أعلاه من بنات الأحلام، غير أنّ الأحلام هي ما تبقّى للعربي في هذا الوقت. كما أنّ الأحلام هي ما لا يستطيع أيّ نظام عربيّ أن يكسره أو يمحوه مهما تجبّر واستبدّ.
* كاتب فلسطيني