قرار الإنقلابيين أصبح مُركّزاً بأيدي زعيم الميليشيا والدائرة الضيقة المحيطة به التي تضم مستشاريه من حزب الله والحرس الثوري الايراني“
بقلم عبد الكريم سلاّم – صنعاء
في تطور ملحوظ لسير المعارك الجارية في اليمن، تراجعت مليشيات الحوثي والقوات الموالية لحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فيما مثّل تقدم المقاومة الشعبية والقوات الموالية للرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي والمسنودة من “التحالف العربي” تحولا لافتا في مسار المُواجهات العسكرية الدائرة في البلاد منذ اجتياح المتمردين الحوثيين لمدينة عدن، العاصمة الإقتصادية والتجارية للبلاد أواخر شهر مارس 2015 وفرض ما يسمونه بـ”سياسة وسلطات الأمر الواقع”.
بُعيد هذا التقدم وبناء على طلب من الرئيس هادي، سارعت قوات التحالف العربي إلى إعلان هدنة من طرف واحد لمدة خمسة أيام “بُغية إعطاء فرصة لجهود الإغاثة الإنسانية”، وفق ما جاء في الرسالة الموجهة من الرئيس المعترف به دولياً إلى الملك سلمان الذي تقود بلاده تحالف “عاصفة الحزم”.
وفي أعقاب تحرير عدن جنوب اليمن بعد مرور أربعة أشهر من سيطرتهم عليها، يُمكن القول أنها كانت بمثابة ضربة مُوجعة للمتمردين الحوثيين وحليفهم صالح لما للمدينة من أهمية اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية. فهي بمثابة العاصمة الاقتصادية للبلاد وسياسياً حيث سبق للرئيس عبد ربه منصور أن أعلنها عاصمة مؤقتة في مارس الماضي بعد لجوءه إليها هرباً من الحصار الذي فرضته عليه مليشيات الحوثي في العاصمة صنعاء، كما يُنتظر أن تكون المكان المناسب لاستئناف الحكومة الشرعية لأعمالها مجدداً منها.
إضافة إلى ذلك، تتمتع المدينة بأهمية عسكرية وأمنية وجغرافية حيث تقع وسط البلاد ما يؤهلها لأن تكون منطلقاً لتحرير بقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كما يُوجد فيها أهم ميناء بحري وثاني مطار جوي لليمن ما سيعزز وصول الدعم العسكري واللوجيستي للقوات الشرعية ما سيُمكن من إمداد المقاومة الشعبية بالعتاد والسلاح، علاوة على أنها ستشكل نافذة لإمداد أعمال الإغاثة الإنسانية المتعثرة منذ بدء المواجهات العسكرية بسبب سيطرة المتمردين على الموانئ البحرية والجوية ومنعهم وصول مواد الإغاثة للسكان المنكوبين والمُحاصرين في أكثر من مكان بسبب المعارك المسلحة.
ضربات قاصمة وآثار إيجابية..
في تعليقه لـ “swissinfo.ch ” على هذه التطورات، قال نجيب غلاب استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء ورئيس مركز الجزيرة: “من الواضح أن التحالف الانقلابي قد تلقى ضربات قاصمة بدحرهم من مُحافظة عدن وتشتت قواتهم وأصبحوا خائرين يُديرون حربا لامُتماثلة بعد أن أصبحت مؤسسة الأمن والجيش أشبه بميليشيا منهكة وبقية مؤسسات الدولة على وشك الإنهيار والقيادات مشتتة وعاجزة عن بناء أي مركزية في اتخاذ القرار الذي أصبح مركزا بأيدي زعيم الميليشيا والدائرة الضيقة المحيطة به التي تضم مستشاريه من حزب الله والحرس الثوري الايراني“.
من جهته، يرى الكاتب الصحفي اليمني رضوان الهمداني أن “تقدم المقاومة والقوات الموالية للرئيس الشرعي والمسنودة من دول التحالف ستكون له آثار إيجابية على المستويين العسكري والسياسي”، وأوضح أن “الإنتصار على الحوثي يعني أن الحكومة ستعود الى عدن، وهذه خطوة لها بُعدٌ معنوي وأخلاقي مؤدّاه أن السلطة المعترف بشرعيتها دولياً تواجه قوة متمردة من داخل التراب الوطني اليمني من جهة، ومن جهة أخرى ستتمكن الحكومة الشرعية من العودة تدريجيا لممارسة سلطاتها ومهامها والتي بدأت بوادرها عقب إعلان تحرير المدينة، ما سيرفع معنويات المقاومة الشعبية على الأرض، ويُكرّس نجاح عمليات قوات التحالف بعد أن كانت مؤشرات التشكيك بنجاح التدخل الخليجي عسكريا تتصاعد خلال الفترة الماضية، وأنها لم تحقق تقدما ملموسا على صعيد عودة الرئيس الشرعي وحكومته الشرعية إلى البلاد، فضلاً عن الآثار النفسية والمعنوية على قوات الرئيس السابق والحوثيين التي ستترتب عن دحرهم من أهم معاقلهم: العاصمة الثانية في اليمن محافظة عدن.
بالتزامن مع تحرير مدينة عدن، أثارت بعض الأوساط السياسية ووسائل الإعلام وجود حوار يجري في القاهرة تارة، وفي العاصمة الأردنية عمان تارة أخرى بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وممثلين لبعض الدول الراعية للتسوية السياسية في اليمن. نفس المصادر أشارت إلى أن الحوار يتمحور حول “تسوية جديدة” طرحها الرئيس المخلوع في الوقت الذي أعلنت دول التحالف عن “مبادرة خليجية” تباينت المواقف بشأنها بين قائل إنها مجرد “محاولة جديدة للإلتفاف على الإنتصارات المحققة ضد المتمردين وتمكينهم من التقاط أنفاسهم”، وآخر يزعم بأنها تهدف إلى “تأمين خروج آمن للرئيس المخلوع”.
غير أن نجيب غلاب يذهب إلى أن “الهدنة ضرورية من أجل الإنسان اليمني ولتخفيف وطأة المأساة الإنسانية الناتجة عن الحرب والسوق السوداء لمافيا الإنقلاب، كما أنها مهمة لتطبيع الأوضاع وفتح طرق لإيصالها الى بقية المحافظات وأيضا منح جناحي الإنقلاب فرصة للمراجعة وإعطائهم مدخلا للتواصل لكيفية تقديم التنازلات الكفيلة بالوصول إلى الحل السياسي..”. كما يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء ورئيس مركز الجزيرة أنها تمثل “فرصة سانحة لجناحي الإنقلاب لإنقاذهم من سقوط مُريع.. وفي حالة استمروا في حروبهم فان المواجهة الحاسمة معهم سوف تصبح حتمية وسيُشكل تحالف دولي واسع وينتقل الملف اليمني إلى تفعيل كامل للبند السابع (من ميثاق الأمم المتحدة). ومن يراقب الواقع فان افشال هذه الهدنة من قبل الحوثيين ستكون قاصمة عليهم داخليا، فالشعب يدرك مخاطر فشلها ولديه غضب يتراكم يوميا ضد هذه الجائحة وضد السياسات الإنقلابية وينتظر لحظة الإنفجار. ففي حالة أفشل الحوثيون الهدنة، فستكون القشة التي ستقصم ظهورهم”، على حد قوله.
عودة مرتقبة إلى العملية السياسية؟
وبخصوص من يرى أن هناك من يُراهن على عودة الرئيس السابق صالح للمشهد السياسي، أو وجود سعي لتوفير مخرج آمن له عبر تلك المفاوضات، يرد الهمداني قائلاً: “إن قضية المفاوضات على خروج صالح مجرد تسريبات ومحاولات من أنصاره لإظهار أنه غير معزول سياسيا وقادر على المناورة. وفي نفس الوقت، تهدف مثل هذه الأخبار إلى جسّ نبض مؤيّدي صالح في الداخل. أما مردّ تشكيكي في صحتها، فهو أن تحركات وفود صالح السابقة لم تنجح حتى في لقاء أي وفود رسمية سواء في مصر أو غيرها باستثناء الدول المُوالية للنظام الايراني ومنها روسيا… أما غير هذا فقد تحركت الحكومة الشرعية والتحالف بقيادة السعودية مبكرا بالضغط على عدد من الدول العربية وغيرها لعدم التعامل مع مبعوثي صالح”.
ما من شك في أن دحر مليشيات الحوثي وقوات حليفه صالح من محافظة عدن والإعلان عن هدنة من طرف واحد تمثل متغيّرات هامة في مسار العمل العسكري وتفتح الطريق مجددا أمام المسار السياسي المتعثر وهو ما يخلص إليه غلاب بقوله: “لابد من التعامل بواقعية وعقلانية مع المتغيرات التي فرضها التحالف العربي والقوات الموالية للشرعية من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ولابد من الدخول في حوار”، مستطرداً “صحيح أنهم يُريدون تفكيك مقررات مجلس الأمن الدولي عبر صفقات تعيد إنتاج الإنقلاب، إلا أن الواقع يؤكد أن لا خيار أمامهم إلا مقررات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية ومُخرجات الحوار الوطني باعتبارها المرتكزات الأساسية مع بعض التعديلات البسيطة كإعطاء مخارج لقيادات الإنقلاب بما يؤدي إلى عزلهم كليا عن العمل السياسي. وتظل الإشكالية في كيفية إخراج عبد الملك الحوثي، لذا فقد تتفق القوى المختلفة اليوم على عقد الصفقات ومُواجهة التمرد بالحسم والقوة”.
خلاصة القول، تميل الأوضاع الميدانية على الأرض بعد تحرير عدن نحو فرض منطق العودة إلى مسار العملية السياسية باعتبارها “الطريق الأنسب لوضع حد لمسلسل القتل والدمار” في هذا البلد العربي الذي أصبح معظم سكانه بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية وتدارك ما يُمكن تداركه قبل الإنهيار التام، غير أن ذلك مرهون بمدى تجاوب الحوثيين مع المتغيّرات التي فرضتها المعطيات العسكرية ومع متطلبات المجتمع الدولي الداعم للسلطات الشرعية.