الصورة: البطريرك الراعي ووفد المطارنة في قاعدة الملك سلمان الجوية اليوم.
تحديث: أمس الإثنين، تم خرق البروتوكول السعودي مرّتين! مرة باستقبال بطريرك الموارنة في الرياض. والثانية بلقاء البطريرك مع أبناء الجالية اللبنانية وإلقائه كلمة بالمناسبة، وهذا قبل أن يلتقي بصاحب الدعوة، وهو الملك سلمان بن عبد العزيز. وهو أمر غير مألوف في السعودية، حيث كان الضيوف، عادة، يلتزمون بالتحفّظ حتى لقاء الملك!
*
“هذه اول مرة التقي بقسيس هنا”. بهذه العبارة بادر مواطن سعودي التقى رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو ابو كسم الذي كان مرتديا زيّه الكهنوتي فحيّاه بـ”السلام عليكم مولانا”!
لعل هذا المشهد يختصر أهمية زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى المملكة العربية السعودية، “بلاد الحرمين الشريفين”، ملبّياً دعوة “خادم الحرمين الشريفين” جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز.
وإذا كان الأب ابو كسم اختطف من البطريرك الراعي اولوية ان يكون اول رجل دين مسيحي تطأ أقدامه “ارضَ الحرمين” بزيه الكهنوتي، فإن للراعي اولوية كونه اول بطريرك ماروني يزور المملكة العربية السعودية، في حين حاذر سلفه الكاردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير تلبية دعوة مماثلة.
أهمية زيارة الراعي تكمن في انها اول لقاء على هذا المستوى بين بطريرك يرأس كنيسة مشرقية، وهو أيضاً “كاردينال” عضو في مجمع الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية ومن الذين يحق لهم انتخاب “حَبرٍ أعظم”، وبين خادم الحرمين الشريفين.
وهو لقاء طال انتظاره قروناً من الزمن، وما كان له ان يتحقق لولا إرادة الطرفين الصادقة في انجازه وانجاحه. وهي ارادة اسلامية التقت مع نظيرتها المسكونية المشرقية لإزالة سوء فهم تاريخي بين المسيحية والإسلام، ويأتي استكمالا لخطوات التقارب بين الإسلام والمسيحية الذي بادرت به الكنيسة في عهد البابا يوحنا بولس الثاني، والبابا يوحنا بولس السادس، وأعقب عن لقاء البابا فرنسيس والعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز.
فجاءت زيارة الراعي تتويجا لكل الخطوات السابقة وبداية مسيرة التفاهم الديني على حساب التنابذ، وسياسة الاعتراف بالآخر والقبول به على حساب سياسة الإلغاء والإقصاء، وإعلاء شأن الإعتدال في منطقة الشرق الأوسط على حساب سياسات نشر العنف والكراهية المؤدية الى نشر الإرهاب.
“بلاد الحرمين” وهي تستقبل رأس الكنيسة المارونية، توجّه رسائل ايجابية بنهائية العيش المشترك والعيش معا في شرق اوسط السلام.
دور د. فارس سعيد
وإذا كانت الزيارة نتيجة خطوات تقارب سابقة كانت تتم بحذر وهدوء وتباطؤ، إلا ان جهودا مشتركة تولاها من الجانب اللبناني الدكتور فارس سعيد الذي بادر الى جمع عدد من المطارنة في منزله بالوزير السعودي ثامر السبهان، وحيث اضطلع الجانبان بالعمل المكثف على تسريع خطوات التقارب وصولا الى توجيه الدعوة، وإعلان البطريرك الراعي كل الترحيب لتلبيتها.
ورغم محاولات حثيثة، وجدية، لثني الراعي عن تلبية الدعوة، إلا انه أصر على لقاء خادم الحرمين إنطلاقا من فهمه لدور الكنيسة المارونية التاريخي على مستوى لبنان والمنطقة والعالم.
تتحدث مصادر عن ان الزيارة قد تسفر عن ترميم كنيسة اثرية تكون بمثابة عربون تقدير لزيارة البطريرك الراعي، في بادرة هي الأولى من نوعها منذ نشوء المملكة العربية السعودية، وربما منذ زمن الرسول محمد (صلعم).
في المملكة العربية السعودية، وفي لبنان، انتظار مصحوب برجاء نجاح الزيارة البطريركية الى بلاد الحرمين، عسى ان ينجح غبطته في تكريس شعار “الشركة والمحبة” فتتعزز الشراكة الإسلامية – المسيحية، وتشكل شبك أمان للبنان والمنطقة، وتكون نموذجا لإزالة سوء الفهم بين الإسلام والغرب، وتضع المسلمين والمسيحيين معا في مواجهة الإرهاب الديني والاجتماعي او من اي طبيعة كان، بدلا من الإسلاموفوبيا والكريستيانوفوبيا.