في سياق الفصل الجديد من الصراع الإقليمي، تستهدف إيران المملكة العربية السعودية عبر التهديد بالصواريخ الباليستية واستخدام ميليشياتها في أكثر من موقع.
مع اقتراب إنهاء سيطرة تنظيم داعش على أراضي دولته المزعومة في العراق وسوريا، وبعد معركة كركوك شكّل تلاقي الحشد الشعبي العراقي وقوات النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران في معبر البوكمال، تأكيدا على مشروع “الهلال الإيراني” من طهران إلى البحر المتوسط.
ويأتي ذلك في موازاة إطلاق صاروخ باليستي على الرياض والمستجدات اللبنانية الأخيرة، مما يؤشر إلى بدء فصل جديد من الصراع المفتوح في الشرق الأوسط والخليج العربي، وذلك في مواجهة مشروع الهيمنة الإيرانية الذي استفاد من حرب العراق ومن تلاشي الدولة السورية وإضعاف الدولة في لبنان.
هكذا بعد قرن على وعد بلفور وعلى إبرام اتفاقية سايكس – بيكو التي رسمت حدود كيانات جديدة منبثقة من وراثة السلطنة العثمانية، وبعد حوالي سبع سنوات على بدء مخاض التحولات العربية أو مسار التفكيك والفوضى التدميرية، يدور لغط حول اليوم التالي بعد الموصل والرقة، وتتكاثر سيناريوهات الخلاصة المتوقعة للحروب الفتاكة والتي أدت إلى انهيارات في الدول الوطنية المركزية وقيام عدة مناطق نفوذ بحكم الأمر الواقع في بعض البلدان.
لكن لعبة الشطرنج في منطقة شرق المتوسط والخليج العربي لا تقتصر على العوامل الجيوسياسية وموارد الطاقة فحسب، بل تشمل العوامل القومية والمذهبية وصراعات النفوذ في عباب البحر الهائج في الشرق الأوسط. ولذا تصطدم مصالح الدول الكبرى والإقليمية في سياق “اللعبة الكبرى” الجديدة في القرن الحادي والعشرين التي ابتدأت انطلاقا من سوريا منتصف العام 2011، واحتدمت مع إعلان نشأة تنظيم داعش في منتصف عام 2014.
في القرن العشرين كان “الرجل المريض” هو السلطنة العثمانية، وفي القرن الحادي والعشرين العالم العربي هو “الرجل المريض” هذه المرة. ولذا تبقى المصالح العربية هي المهددة في الأساس، نظرا للضعف البنيوي العربي والتفكك في وقت ارتسام تقاسم استراتيجي جديد يمكن أن يمر على حساب اللاعبين العرب خصوصا أن النظام الإقليمي العربي تهاوى مع حرب العراق في 2003 لصالح إسرائيل وإيران وتركيا، ولأن الانكشاف الاستراتيجي العربي تفاقم في السنوات الأخيرة خلال حقبة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وتصاعد الدور الروسي.
بعد سقوط مدينة الموصل عاصمة “الخلافة المزعومة” أتت معركة كركوك لتجسّد الحلف الثلاثي العراقي التركي الإيراني المقدس ضد الحلم الكردي، ولتبرز المسعى الإيراني في إعادة تركيب الإقليم بعد داعش، لصالح توجّهات طهران مع القبول بدور تركي أقل أهمية والاستفادة من التنسيق الاستراتيجي مع موسكو.
وفي نفس الوقت تحرّكت القوى السائرة في الفلك الإيراني نحو شرق سوريا، وشددت على التحكم بمواقع النفوذ في لبنان واليمن من أجل فرض الأمر الواقع قبل ترجمة استراتيجية دونالد ترامب الاحتوائية والاستفادة من الاختراقات في بعض الدول العربية، أو من عدم اعتبار البعض الآخر التحدي الإيراني أولوية وعدم وجود رؤية مشتركة لأولويات المصلحة العربية المشتركة أو الأمن القومي المشترك.
في سياق الفصل الجديد من الصراع الإقليمي، تستهدف إيران المملكة العربية السعودية عبر التهديد بالصواريخ الباليستية واستخدام ميليشياتها في أكثر من موقع.
وأتت أحداث آخر الأسبوع الماضي لتقدم دليلا إضافيا على مخاطر التوسع الإيراني وتداعياته. تمثل ذلك باستقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري احتجاجاً على ما آلت إليه الأمور مع إصرار طهران على ربط بلاد الأرز باستراتيجيتها ومحورها الإقليمي وعدم احترام شروط التسوية الرئاسية في أكتوبر 2016، التي كانت تقضي بإبعاد لبنان عن المحاور واستعادة دور الدولة اللبنانية.
أما التهديد الصاروخي الباليستي من قبل الحوثيين الذين تريد طهران تكريسهم كحزب الله آخر في الخاصرة السعودية، فيمثل انتهاكا للخطوط الحمر ونذير شر بمخاطر أكبر.
يُحكى اليوم عن سيناريوهات كثيرة عند المملكة العربية السعودية وحلفائها في الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة هجمة إيران وأذرعها في الإقليم.
لكن الأكيد أن التمادي الإيراني يحث المملكة العربية السعودية على تنظيم الدفاع عن نفسها وعلى بلورة نهج جديد في إدارة النزاع.
khattarwahid@yahoo.fr
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس
العرب