حكومة العراق تفتح معركة “الرمادي” وهادي العامري يفتح معركة “الفلّوجة”.. على حسابه!
حينما وقع اختيار القوات الأميركية، في شهر مايو، على “قاعدة التقدّم”، الواقعة بين “الرمادي” و”الفلوجة”، في صحراء “الأنبار”، كنقطة تمركز لـ٤٥٠ مستشار أميركي إضافي، كان العَلَم الأصفر والأخضر لـ”كتائب حزب الله” يرفرف على تلك القاعدة. وكانت تلك الميليشيا، التابعة لإيران، قد تمركزت فيها قبل أيام بغية مساعة القوات المحلية لاستعادة مقاطعة “الأنبار” السنّية من أيدي “داعش”.
وقد حاول الأميركيون أن يتفاهموا مع جارهم المعادي لهم، عبر أحد الوسطاء، ولكن الميليشيا رفضت مخاطبتهم. وقال الناطق العسكري بإسم “كتائب حزب الله”، ويدعى “جعفر الحسيني”: “إذا ما صادفنا أميركيين، فسنقوم باللازم”! قبل أن يضيف: “هنال حلّ وحيد مع الأميركيين، وهو الرصاص”!
وتضيف مراسلة جريدة “لوموند” الفرنسية “هيلين سالّون”:
“لولا الشعور المزعج بأنهم عرضة للتجسّس والمراقبة، فإن المستشارين الأميركيين المتحصّنين في مواقعهم والذين يتمتعون بحماية قوية، باتوا معتادين على ذلك الإختلاط غير المعهود. ويمثّل هذا الوضع خطوة إضافية نحو التعايش القسري، التي ما يزال غير مباشر حتى الآن، بين الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، التي انتقلت من مرتبة أعداء شرسين في مرحلة الإحتلال الأميركي (٢٠٠٣-٢٠١١) إلى مرتبة حلفاء إضطراريين في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”.
فرار جماعي
ويسعى رئيس الوزراء “حيدر العبادي”، منذ تعيينه في أغسطس ٢٠١٤، إلى القيام بما يشبه دور البهلوان بين هاتين القوتين المتنازعتين. ولكن قادة الميليشيا، وهم رأس حربة وحدات “الحشد الشعبي” لم يتوقّفوا يوماً عن تحدّي سلطته وعن التعريض بمساوماته مع القوات الأميركية. ويضغط الأميركيون لإدماج قوات سنّية في القتال وللحؤول دون نزاع طائفي. ويأمل السيد حيدر العبادي أن يسفر الإتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي تم الإعلان عنه في ١٤ يوليو إلى تخفيف الإحتقان بين الولايات المتحدة وإيران، والآثار السلبية لذلك الإحتقان على استراتيجية مكافحة “داعش” وعلى استقرار الدولة العراقية. وذلك أمر ليس سهلاً ، حتى في المناطق المحرّرة، كما تُظهر العملية الإرهابية التي قامت بها “الدولة الإسلامية” في “خان بني سعد” الشيعية بشمال بغداد، يوم ١٧ يوليو، والتي أسفرت عن سقوط أكثر من ١٠٠ قتيل.
إن الفرار الجماعي من الجيش، وصعوبة تعبئة مقاتلين من السنّة، والتحفّظ على فكرة إرسال جنود أميركيين مقاتلين إلى العراق، قد أجبرت واشنطن على التسليم بتفوّق إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها في ميادين القتال. ويحافظ كل فريق على مسافة من الآخر. ولكن فشل القوات المسلّحة النظامية والمقاتلين السنّة المحليين في الدفاع عن “الرمادي”، التي سقطت في ١٧ مايو، أجبر الأميركيين على إعادة النظر في استراتيجيتهم في “الأنبار”، وعلى عَرض مساعدتهم على القوات الشيعية التابعة لـ”الحشد الشعبي” التي تقبل بالخضوع لأوامر رئيس الحكومة.
إن وزن الوحدات التي وافقت على العرض صغير جداً بالمقارنة مع الوحدات الموالية لإيران، والحريصة على استقلاليتها. ويرغب قادة هذه الوحدات، التي ترد أسماء بعض قادتها على قوائم الإرهابيين المطلوبين، خوض المعارك الكبرى. ويرفض بعضهم الدعم الجوي الذي يمثّله طيران التحالف، الذي يتّهمونه باستهداف قواتهم. ويزعم قائد ميليشيا “عصائب أهل الحق” الشيعية أن “داعش هي صنيعة المخابرات الغربية، وأداتها العسكرية، من أجل تقسيم المنطقة وإعادة رسم الحدود الناشئة عن اتفاقيات “سايكس بيكو” على أساس إثني أو ديني، وهدفها من ذلك كله هو بقاء دولة إسرائيل كدولة يهودية”.
ويظل “قيس الخزعلي“، الذي يضع عمامة “السيّاد” ويطيل ذقنه عدواً للأميركيين منذ تأسيسه لـ”المجموعات الخاصة” لـ”جيش المهدي”، بالتعاون مع رفيق دربه مقتدى الصدر، من أجل “مضايقة قوات الإحتلال الأميركية”. ولم يهضم الأميركيون يوماً إطلاق سراح “الخزعلي”، الذي كان مخطط هجوم قُتل فيه ٥ جنود أميركيين في ٢٠٠٧، بعد سنتين من دخوله السجن، في أواخر ٢٠٠٩- مقابل إطلاق سراح ٥ رهائن بريطانيين في العراق. أما حالياً، فإن رجل الدين البالغ من العمر ٤١ عاماً، والذي استقبلنا في “النجف”، لا يرى “أي مشكلة في وجود مستشارين أميركيين في العراق، بموافقة الحكومة”. ولكنه يحذّر من أنه “إذا ما سعى الأميركيون للحصول على قواعد أو إذا ما قاموا بإرسال قوات عسكرية إلى العراق، عندها سنعود إلى الوضع السابق”.
حكومة العراق تفتح معركة “الرمادي” وهادي العامري يفتح معركة “الفلّوجة”.. على حسابه!
يدرك الأميركيون أن إيران هي وحدها القادرة على ضبط الميليشيات الشيعية. ولكن تعاونها يظل وهمياً. والتمنيات التي أعرب عنها وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، في ٣ يوليو، حول زيادة التعاون مع واشنطن في الحرب ضد “الدولة الإسلامية” تظل بلا قيمة. فأصحاب القرار الحقيقي هم “الحرس الثوري”، الذين يرفعون راية العداء لأميركا وراية التوسّع الفارسي. وقد أظهر الرئيس أوباما قدراً من “البراغماتية” في ١٥ يوليو حينما اعترف، لأول مرة، بنفوذ إيران في العراق وبضرورة تخفيف الإحتقان في العراق- مع أنه استبعد أي “اتفاق رسمي”!
ولا تشكّل معركة “الأنبار” استثناءً. فمنذ شهر يونيو، فإن “هادي العامري“، رئيس ميليشيا “بدر” الشيعية الموالية لإيران، والذي تم تعيينه قائداً لعمليات “الحشد الشعبي”، يقود قواته باتجاه “الفلّوجة” في حين أن حكومة العبادي وقوات التحالف تعتبر أن الأولوية هي لـ”الرمادي”. ويبرّر هذا النائب الشيعي موقفه قائلاً أن “الفلوجة مدينة استراتيجية، وهي معقل “داعش” على مقربة من بغداد. وتمثل استعادتها ضربة كبيرة جداً لمعنويات داعش”. وفي “الفلوجة” يمكن له أن يخوض الحرب وأن يتجنب التعايش المحرج مع الأميركيين الذين يؤازرون، منذ ١٣ يوليو، الهجوم الذي تقوم به القوات المسلحة النظامية في جوار “الرمادي”!