فجأةً، ومن دون مقدمات، هدأت ثورة جمعية المصارف والقطاعات الانتاجية الاخرى في لبنان، وتراجع الطرفان عن اعتراضهما على إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ومرّ اجتماع الفعاليات الاقتصادية الذي دعا اليه الرئيس ميشال عون بسلام! وتقرّر المقرر ان يوقع عون “السلسلة” قبل انتهاء المهلة القانونية.
وفي المعلومات ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان له الدور الابرز في “إطفاء” اعتراض المصارف والهيئات الاقتصادية، بعد ان قدم للطرفين “رشوة مالية” دفعتهما الى الانقلاب من حالة الاعتراض، المصحوب بتهديدات بعواقب اقتصادية وخيمة في حال إقرار السلسة، الى السكوت!
التجديد للحاكم.. و”بنك سيدروس”!
وتشير المعلومات الى ان الرشوة التي قدمها سلامه للمصارف هي الوعد بما يحلو لسلامه تسميته “هندسة مالية” جديدة، خصوصا ان هندسته الاولى التي قضت بسحب العملات الاجنبية من ودائع المصارف الى مصرف لبنان، واستبدالها بسندات خزينة بالليرة اللبنانية، بفوائد خيالية، أسفرت عن ربحية مالية للمصارف قدرت بحوالي خمسة مليارات دولار! ومع ان الهندسة المالية الاولى جاءت لانقاذ مصارف كانت تترنح نتيجة مغامراتها في سوريا وتعرضها لخسائر كبيرة، فإن الهندسة الثانية التي وعد الحاكم، جاءت لاسباب سياسية بحتة وكنتيجة طبيعية لتمديد ولاية الحاكم، بتوافق ورضا جميع الفرقاء السياسيين، الذين كان آخرهم رئيس الجمهورية العماد عون، الذي كان يصر على استبدال الحاكم وعدم التمديد له! الا ان الهندسة المالية أعيدت هندستها من جديد، فاستفاد منها بنك “سيدروس” الذي تشغل إحدى كريمات الرئيس عضوية مجلس إدارته، فوافق الرئيس واستفاد “بنك سيدروس” بمبلغ 50 مليون دولار بموجب “ملحق” الهندسة الاولى!
المعلومات تشير الى ان الهندسة المالية الموعودة تسمح للمصارف بتحقيق ارباح جديدة وسهلة، تغطي الكلفة التي ستدفعها المصارف في السلسة ويفيض عنها، ولذلك سكتت جمعية المصارف.
اما الهندسة المالية للحاكم الفذ للقطاعات الانتجية والهيئات الاقتصادية، فتتلخص بوعد بإعادة جدولة ديون الهيئات للمصارف، على فترات يتم الاتفاق عليها بين الهيئات والمصارف من دون فوائد.
ولكي لا يخرج اجتماع بعبدا، بكسر لارادة الرئيس عون، تم الاتفاق على تعديلات على قانون الضرائب المرافق للسلسلة، بما يشمل ثمانية بنود ضريبية سيتم إعادة النظر بها بعد إقرار “السلسلة”.
وبعيدا عن علم الاقتصاد والارقام خرج اجتماع بعبدا بنتائج على الطريقة اللبنانية “الكل رابح” ما عدا المواطن اللبناني والاقتصاد اللبناني المترنح طبعا.
فالرئيس عون تعادلَ في المواجهة مع صديقه اللدود الرئيس نبيه بري، الذي لم يحضر الاجتماع، واوعز الى وزيره علي حسن خليل استباقَ نتائج اجتماع بعبدا بمطالبة الرئيس عون بتوقيع السلسلة، ضاربين بعرض الحائط هواجسَ الرئيس وخوفه من تداعيات توقيع السلسة كما هي على الاقتصاد.
والمصارف ربحت هندسة مالية جديدة موعود ستزيد من ارباحها ولا تكلفها اي عبء في تكلفة السلسلة.
والهيئات الاقتصادية سوف تستفيد من إعادة جدولة ديونها الى آجال من دون فوائد.
والحاكم الهمام رياض سلامة اثبت مجددا ضرورة استمراره في منصبه الى الابد، لتأجيل الاستحقاقات.
والرئيس نبيه بري ربح إقرار السلسة في الموعد الدستوري والقانوني، في معزل عن تداعياتها الاقتصادية، وخسر بوعد تعديل 8 بنود ضريبية كان اقرها المجلس النيابي.
وتبقى الاشارة الى صفة الاستعجال واللامسؤولية التي حكمت وتحكم عمل مجلس النواب، بعيدا عن القوانين الاقتصادية. فخلال اسبوعين وافق المجلس برئاسة نبيه بري على السلسلة ومندرجاتها القانونية، ووافق على مبدأ تعديل 8 بنود ضريبية لتمويلها!
يشارالى ان إقرار سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام سوف يُرتِّب أعباءً إقتصادية على القطاع الخاص ستؤدي عاجلا وليس آجلا الى انهيار هذا القطاع! خصوصا ان القطاع العام اللبناني غير منتج، ومتخم بفائض الموظفين، ويعاني من انتشار الفساد والرشوة في صفوف معظم العاملين به. كما أن قطاع التعليم متخم بمعلمين 70 قي المئة من بينهم يزاولون التعليم في القطاع الخاص الى جانب وظيفتهم في القطاع العام!