تستحضر المتابعة لما يجري في #جرود_عرسال حرب تموز 2006 بأوجه شبه كثيرة، فـ” #حزب_الله” هو من ورَّط لبنان في العدوان الإسرائيلي على لبنان ليَنْفُذ من المحكمة الدولية لأن جسمه لبيس، على ما قال آنذاك العلامة محمد حسن الأمين، وبعد ذلك ليُنَفِّذ خطته بالسيطرة على البلد، انطلاقاً من اغتيال وسط #بيروت عبر الاعتصام الشهير الذي اختتم بحفلة السابع من أيار واتفاق الدوحة. ومن ثم الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري، وصولاً الى حالنا الراهنة مع عودة الحريري الى السرايا بعد انتهاء معركة حلب وتحسين الحزب أوراقه.
و”حزب الله” هو من ورَّط لبنان في الحرب السورية، اذ لم تكن لتفتح جبهات على الحدود اللبنانية لو لم يدخل الحزب بكل قواه العسكرية لينقذ نظام بشار الأسد ويطيل عمره، مهما تعددت حجج البدايات المتعلقة بالمقامات الشيعية او بغيرها، لأن سقوط هذا النظام ينعكس عليه ويضعف قدرته على الإمساك بمصير البلد، من دون ان يتوقف عند منسوب الحقد المرتفع الذي سيستتبع هذه الحرب وتداعياتها بين الشعبين السوري واللبناني.
وفي حرب تموز، استسلمت القوى السياسية اللبنانية لما قرره الحزب وأخرجته من ورطته بالقرار الدولي 1701 الذي ترافق مع مواقف واعية ورصينة وضعت النقاط على الحروف وأرغمت الحزب على التصعيد مستهتراً بإمكان جر البلاد الى حرب أهلية.
اما في معركة جرود عرسال، فقد اقنعت هذه القوى ان عليها الخضوع والسكوت لأن عنوان المعركة هو القضاء على الإرهاب. وبالتزامن مع الاجماع السياسي على خلفية دعم الجيش، لم يتوفر في دولتنا العلية من يسأل: ماذا بعد انتهاء معركة جرود عرسال؟
أي ثمن ستدفعه الحياة السياسية اللبنانية؟
ماذا يفعل رؤساء أحزاب لا يزالون مصرين على رفع راية 14 آذار وعلى انه لن يصح الا الصحيح، كيف سمحوا لأنفسهم بإقناع أنفسهم ان مصادرة قرار الدولة من قبل حزب مذهبي تابع لمحور استبدادي يتغذى بالدم في سورية والعراق واليمن واينما حط رحاله، هي حرب على الإرهاب وحماية للوطن ؟؟
ربما ليس لنا ان نسأل عن سر الغرام الباطني الهابط على قوى سياسية كانت تستنكر علناً دور “حزب الله”، بصفته صاحب القرار الأوحد للحرب والسلم في لبنان،وها هي اليوم تتكافل ضمناً في لعبةغض النظر عن مصادرته مصير الدولة اللبنانية مزايدة عليه في “مكافحة الإرهاب” ما يؤمن سيطرة محور الممانعة على الحدود مع سوريا، لتنصرف الىتنظيم مصالحها القاضية تقاسمالسلطة والصفقات، مع ترويج لبديهية المحاصصة عبر المنابر الإعلامية المكرسة لهذه الجماعات.
بالمختصر غير المفيد “حزب الله” يسمح لأهل الكراسي بالاستيلاء على مرافق الدولة مع الغاء دور المؤسسات الرقابية على ان لا يزعجه أحد او يعترض طريقه ورهنه لبنان بكامله لمحور الممانعة… ونقطة على السطر.. يغريهم بمرافق الدولة و”بقرتها الحلوب”، ويتفرج على من يحمل دلوه بيمينه ينتظر دوره لحلب ما بقي في الضرع.
لا تدافع ولا صياح، كل شيء يسير وفق نظام المحاصصة الجديدة.
هذا هو أصل الغرام السائد حالياً بين أهل السلطة.
وفي حين تواصل هذه السلطة التحكم بمفاصل الصفقات وباجتهاد يثير الاعجاب، ينصرف “حزب الله” الى حربه، التي سيستثمرها تماماً كما استثمر حرب تموز 2006، وبعد ذلك فليترقب كل من صدَّق ان أصل الغرام تسوية.. فصفقة.. مصيراً ربما لن يختلف عن ما شهدناه عقب القرار 1701.
المخطط عند محور الممانعة وحده، اما أهل الكراسي، فلا يبدو انهم يبالون بأكثر من لحظتهم السلطوية الراهنة.
وليس مستبعداً ان ينقلب الحزب عليهم ويساءلهم عن فساد يوحي انه خارجه، وينسف الغرام الحالي مدعياً الغيرة على مصلحة الشعب ما دامت الضرائب تأكل زيادة الرواتب وما دامت الشوارع مزروعة بالنفايات وما دامت الكهرباء شحيحة والمياه مقطوعة والانترنت أشبه بالشبح او بخيوط العنكبوت تتمزق موجاته من دون نسمة هواء، وما دامت المساعدات التي تصل لتخفيف أعباء اللجوء السوري تطير الى الجيوب ايضاً من دون نسمة هواء.
خلال حرب تموز 2006 انطوى “حزب الله” تحت راية حكومة لبنان التي قادت له قراراً اممياً حال دون نهايته وأمنت له مساعدات إعادة الاعمار، ثم بعد ثلاثة أيام على الانتصار الإلهي انقلب الحزب على حكومة المقاومة وحصل ما حصل مما نعرف ويعرفون.
واليوم ينطوي الحزب الإلهي تحت راية الجيش الوطني، المحظر عليه الاقتراب من مناطق الحزب العسكرية في الأراضي اللبنانية، حتى يمرر مخططه، ولنيتوقف عند أي مستقبل للبلد. سوابقه تؤكد انهغير ملتزم هذا البلد وهذا الغرام الذي لا يحسب حساباً لشعب يلهث خلف سلسلة رتب ورواتب استنفذت قيمتها سلفاً مع غلاء لا تردعه مؤسسة رقابية، شعب تقتصر وظيفته فقط على إعادة أهل الغرامالى كراسيهم عبر صناديق الاقتراع.
يبدو ان اهل الكراسي عندنا لا يعرفون الى أي منقلب ينقلبون غداة النصر الكبير. ويصعب التكهن بما سيؤول اليه مصيرهم، اذ بدأت تلوح ملامح التخوين والتعالي والتشفي.. والتهديد ببندقية المقاومة التي ستلاحقهم “في كل بلاد العرب وحيث أمكن الوصول”… حينها ربما لن يبقى لهم من أصل الغرام لا صفقة ولا نظرة.
sanaa.aljack@gmail.com
النهار