لولا وجود تعاون استخباراتي وأمني سري بين جمهورية الفلبين ودولة الكويت، لما تم القبض مؤخرا من قبل السلطات الفلبينية على المدعو الكويتي الأربعيني “حسين الظفيري”، الذي يستخدم أحيانا إسم “أبو مسلم الكويتي” وأحيانا أخرى إسم “ورش الكويتي” مع زوجته السورية المزعومة “رهف زينة” (27 عاما) في “تاغويغ” وهي من ضمن أحياء مانيلا الفاخرة.
وبحسب مانيلا كان الظفيري وزوجته يتدربان على تصنيع المتفجرات من أجل تنفيذ عملية إرهابية ضد أهداف إما في الكويت أو الفلبين، لصالح تنظيم داعش الإرهابي الذي يبدو أن الزوجين كانا من عناصره الخفية، خصوصا وأن التحريات التي قامت بها السلطات الفلبينية بمساعدة جهات أمنية غربية وشرق أوسطية أثبتت أن المدعوة “رهف زينة” هي أرملة أحد قادة الدواعش في سوريا، وأن الظفيري تعرف عليها حينما ذهب إلى سوريا للقتال في صفوف التنظيم الإرهابي. أضف إلى ذلك أن حسين الظفيري هو شقيق عبدالرحمن الظفيري الملقب بـ “أبوجندل الكويتي”، أحد أخطر الدواعش الكويتيين والذي لقي حتفه قبل أشهر في غارة من غارات قوات التحالف الدولي على الفرات.
وبمجرد اشعار السلطات الفلبينية نظيرتها الكويتية بما توصلت إليها تحقيقاتها شن الأمن الكويتي غارة على منزلين تابعين لأقارب الظفيري في ضاحية سعد العبدالله، وجرى تفتيشهما، ومصادرة وثائق وأجهزة حساسة، واستجواب القاطنين بهما والقبض على شبكة إرهابية من عشرة أشخاص، ليتبين أن الظفيري قد التحق فعلا بداعش وحارب في صفوفه، ثم عاد إلى الكويت، ومنها راح يتردد على مانيلا لأسباب غير معروفة. وهذا ما توصلت إليه أيضا مانيلا.
فالشرطة ودوائر الهجرة والجوازات في الفلبين أعلنت أن الظفيري أتى إلى البلاد لأول في العام الماضي بتأشيرة سياحية، ثم أتى بعد ذلك بتأشيرة عمل، وكان آخر دخول له في يناير الماضي. أما الملفت للنظر هنا فهو وصول الرجل إلى الفلبين بمفرده دون أن تصحبه زوجته المزعومة، وهو ما تنبهت إليه الشرطة الفلبينية وجعلها تقوم بالمزيد من التحريات لتكتشف أن المدعوة رهف كانت تلتحق بالظفيري بعد دخوله الفلبين، قادمة من دولة خليجية غير الكويت.
إن حكاية هذا الداعشي وزوجته المزعومة، والتفاصيل المعلنة عن حكايتهما ومخططاتهما تعطينا فكرة عن الأساليب الجديدة التي بات الارهابيون الدواعش وغيرهم يتبعونها في محاولة للتمويه وبالتالي الإفلات من قبضة الأمن. فالتدريب العملي على صنع المتفجرات صار يجري في بلاد بعيدة، بل في أحياء فاخرة لا يرقى إليها الشك، بدلا من منازل العشوائيات والدور المعزولة في الداخل. والانتقال إلى تلك البلاد يتم فرادى بهدف عدم لفت النظر. أضف إلى ذلك تقمص دور السائح العاشق للطبيعة الساحرة والشواطيء الزمردية، الذي يرتدي “الشورت” و”الكاب”، ويمارس رياضة الجري، ويقرأ روايات الجيب، كي لا يثير من حوله أي شبهة، وذلك على غرار ما فعله الظفيري مع السورية رهف حينما قاما بزيارات لمنتجع سيبو الخلاب، بل وأيضا زيارة مدينة دافاو، مسقط الرئيس الفلبيني الحالي “رودريغو دوتيرتي”.
وكان المراقبون ينتظرون أن تكشف السلطات الفلبينية عن إتصال قام بها الظفيري مع بقايا تنظيم أبوسياف الإرهابي في جنوب الفلبين المسلم، خصوصا وأن من بقي من أتباع هذا التنظيم الدموي كان قد بايع المدعو أبوبكر البغدادي، وأعلن استعداده للتعاون معه. غير أنه لم يثبت قيام الظفيري بأي إتصال مع هذه الجماعة المستعدة لإرتكاب الحماقات بمقابل نقدي. وهذا أيضا نوع من أنواع التمويه والخداع والتملص من أي مراقبة محتملة، أجاده الظفيري، ويمكن إضافته إلى الأساليب الحذرة الجديدة لداعش.
ويبدو أن هناك أوامر من تنظيم داعش لمجنداته، وقت إلقاء القبض عليهن، بإدعاء الحمل والإلحاح على الذهاب للمستشفيات، وهذا ما فعلته رهف السورية بـُعيد إيقافها مع الظفيري، ربما بهدف تأجيل ترحيلها ــ قد الإمكان ــ إلى البلد الذي جاءت منه، بعدما قررت مانيلا تسليم الظفيري إلى الكويت لمحاكمته بناء على طلب الأخيرة.
لقد لعبت الاستخبارات الأمريكية، من خلال تعاونها مع السلطات الكويتية والفلبينية المختصة، دورا محوريا في الايقاع بالظفيري وشريكته، الأمر الذي يذكرنا بما حدث في قضية اعتقال الارهابي المنتمي لتنظيم القاعدة خالد شيخ محمد، الكويتي الجنسية من أصول باكستانية، والذي تم اعتقاله في مارس 2003 في راوالبندي بفضل تعاون أمريكي ــ باكستاني ــ كويتي مشترك. كما يذكرنا بحادثة إعتقال رضوان عصام الدين الملقب بالحنبلي أو “أسامة بن لادن جنوب شرق آسيا” في منتجع تايلاندي في عام 2003 كنتيجة لجهود استخباراتية أمريكية ــ ماليزية ــ تايلاندية مشتركة.
وجملة القول أن تعاون أجهزة الاستخبارات على المستويين الإقليمي والدولي، مع دعم مركزي من الولايات المتحدة، صاحبة اليد الطولى في هذا المجال، هو الكفيل بالحد من تنفيذ المخططات الارهابية.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
Subscribe
0 تعليقات
Newest