منشآت كوريا الشمالية النووية والصاروخية قريبة من الحدود الصينية. وإذا خرجت الأزمة عن عقال السيطرة فإن هذه المنشآت ستكون هدفا عسكريا
“جنت على نفسها براقش” أو”على نفسها جنت براقش”، لا فرق، مثل عربي معروف يـُضرب في من يجلب الهلاك والشؤوم لنفسه أو قومه. هذا المثل ينطبق اليوم على الصين التي تمادت كثيرا في حماية ودعم النظام الستاليني القائم في كوريا الشمالية، والدفاع عنه والسكوت على جرائمه الداخلية وسياساته العدوانية في منطقة شمال شرق آسيا، فصار هذا النظام غير آبه بالأمن والإستقرار العالمي والاقليمي، بل صار يكثر من الحماقات. فكلما اشتدت عليه الضغوط أطلق صاروخا باليستيا هنا أو هناك، أو قام بمناورة عسكرية، أو زمجرد وتوعد جيرانه بالهلاك والدمار. وها هو اليوم يضيف نمطا جديدا من الحماقات بنشر رجال مخابراته في جنوب شرق آسيا لتصفية من يخاصمهم، على نحو ما قام به مؤخرا في مطار كوالالمبور الماليزي، حينما نجح في إغتيال “كيم جونغ نام” الأخ غير الشقيق لزعيمه “المبجل” بغاز VX المحرم دوليا عبر فتاتين مدربتين قامتا بمسح وجهه بهذه المادة القاتلة.
مؤخرا بدا أن بكين استشعرت خطر زعيم كوريا الشمالية الأوحد الصبي “كيم جونغ أون”، خصوصا وأن بلاده تحد الأراضي الصينية. وهذا يعني أن إطلاقه المتكرر للصواريخ الباليستية برعونة قد يتسبب في خروج أحدها عن مساره وسقوطه خطأ على مدن أو قرى أو تجمعات سكانية داخل الصين، أو إصابته لبارجة حربية أو سفينة تجارية من بوارج وسفن الصين الكثيرة المبحرة في مياه بحر الصيني الجنوبي، وبالتالي سقوط قتلى وجرحى مدنيين وعسكريين، وتدمير بنى تحتية صينية، والحاق الخسائر بالدولة التي لولاها لما استمر نظام بيونغيانغ قائما حتى الآن.
ويتزايد شعور القادة الصينيين بالأخطار المحدقة ببلادهم، مع قيام الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب برفع عقيرتها ضد ممارسات وعدوانية بيونغيانغ، واطلاقها تحذيرات شديدة ضد الأخيرة، مشابهة لتلك التي أطلقتها بحق نظام ديكتاتوري آخر لا يقل عدوانية وشغبا وإرهابا وتحديا لنواميس العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط هو نظام الولي الفقيه في طهران. ذلك أنه في حالة أي مواجهة عسكرية بين واشنطون وحليفاتها الآسيويات في شمال شرق آسيا من جهة، وكوريا الشمالية من جهة أخرى، فإن المتوقع حدوث كارثة إنسانية ضخمة، ربما لا تقل عن كارثتي هيروشيما ونجازاكي لجهة الأضرار والخسائر، وبالتالي ستشهد المنطقة نزوحا هائلا للكوريين الشماليين نحو كوريا الجنوبية، ونزوحا مماثلا صوب الصين من قبل أولئك القاطنين في مدن كورية شمالية قريبة من الصين.
ومثل هذه التحليلات والسيناريوهات باتت متداولة بكثرة هذه الأيام. ففي مقال كتبه”دينغ جانغ”، وهو باحث وكاتب في معهد “تشونغ بانغ” للدراسات العليا بجامعة رانمين في بكين، ونشرته صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية في 15 فبراير 2017، أشار الكاتب إلى حادثة اغتيال “كيم جونغ نام” في مطار كوالالمبور، وهو يستعد للعودة إلى مكاو حيث يعيش تحت الحماية الصينية، كدليل على تجرؤ نظام بيونغيانغ على بكين، ناهيك عن أنه دليل أيضا على الغموض الذي يلف الأوضاع في كوريا الشمالية واحتمال وجود صراعات داخلية فيها، قد تؤثر على أمن الصين.
ثم انتقل الكاتب للحديث عن التجربة الصاروخية الأخيرة التي أجرتها بيونغيانغ في 12 فبراير المنصرم كرد أهوج على القمة التي جمعت الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة اليابانية تشينزو أبي مؤخرا في “بالم بيتش” بولاية فلوريدا، والتي إلتزم فيها ترامب بالدفاع عن اليابان ضد تهديدات بيونغيانغ، فقال أنها انطلقت من موقع يبعد سبعة كيلومترات فقط من مدينة كوسونغ الكورية الشمالية، علما بأن الموقع المذكور يبعد عن بلدة داندونغ الصينية بنحو سبعين كيلومترا، ويبعد عن خزانات المياه الصينية ــ الكورية الواقعة على النهر الأصفر، حيث أقامت الصين مولدات ضخمة للطاقة الكهربائية بنحو خمسين كيلومترا.
والمعروف أن المنشآت النووية الكورية الشمالية تقع في “يونغبيون”، وهذه تبعد نحو 104 كيلومترات من الحدود الصينية، ولهذا السبب لم يتردد الكاتب في قول “أن الصين قد تلحق بها أضرار نتيجة هذه المنشآت والقدرات النووية. فمنشآت كوريا الشمالية النووية والصاروخية قريبة من الحدود الصينية. وإذا خرجت الأزمة في شبه الجزيرة الكورية عن عقال السيطرة فإن هذه المنشآت ستكون هدفا عسكريا أو القلعة الأخيرة في دفاعات كوريا الشمالية” خصوصا في ظل أمرين هما: تراجع حماس الكوريين الجنوبيين لجهة ايجاد حل سياسي لخلافاتهم مع نظام بيونغيانغ، رغم تقديمهم المبادرة تلو الأخرى، وفي مقدمتها المبادرة المعروفة باسم “سياسة الشمس المشرقة التي أطلقها رئيسهم الأسبق “كيم داي جونغ” في عام 1998. ثم الحديث الدائر في أوساط صناع القرار في واشنطون بامكانية التخلص بسرعة وإلى الأبد من الصداع الذي يسببه نظام الصبي الطائش “كيم جونغ أون” عبر اللجوء إلى القوة الساحقة الماحقة بعد فشل كل الخيارات السلمية.
ومن هنا يصدق المثل الذي عنوننا به هذا المقال لأن بكين جنت فعلا على نفسها بالصمت الطويل على نظام عابث مستهتر، وأخطأت كثيرا حينما ظنت أنها بامكانها استخدام هذا النظام كمخلب قط ، وأداة شغب ضد منافستها على الصعيد العالمي (الولايات المتحدة) أو ضد منافساتها على الصعيد الإقليمي (اليابان وكوريا الجنوبية)، فالسحر قد ينقلب أحيانا على الساحر.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين